يلبس أحفاد فادية ثيابهم الجديدة، ويتهافتون بفرح إلى جدتهم صباح أول أيام عيد الأضحى، يعايدون عليها على أمل الحصول على “العيدية”، وهو مبلغ رمزي من المال يعطيه الأهالي للأطفال في العيد لشراء ما يرغبون.
يأخذ كل طفل منهم حصته وينطلق فرحًا إلى والديه، يخبرهم بما أعطته الجدة، ويحتفظ به لحين الذهاب إلى الملاهي وساحات الألعاب ليصرفها هناك.
تعد “العيدية” من أبرز الطقوس والعادات الموروثة المرتبطة بالأعياد، وتمنح الأطفال شعورًا بالفرح والسعادة، وتتيح لهم دفع المال في ساحات الألعاب أو شراء دمًى أو مأكولات حسب ما يرغبون.
فادية العايد (55 عامًا) مهجرة تقيم في مدينة إدلب، قالت إن لديها 12 حفيدًا، وتجهز قبيل كل عيد مبلغًا بسيطًا لتوزيعه عليهم ليفرحوا ويذهبوا إلى ساحات اللعب القريبة، إذ يشترون ما يشتهون من حلويات ومأكولات للأطفال.
ولا يوجد مقياس ثابت لـ”العيدية”، إذ تمنح العائلات الأطفال حسب ما يلائم دخل العائلة وحجم الأطفال الزائرين، وبعضهم لا يملك القدرة على ذلك، خاصة شمال غربي سوريا حيث الواقع الاقتصادي المتردي والأوضاع المعيشية الصعبة.
وشاع منذ سنوات تنظيم حملات لمنح الأطفال “العيدية”، أو تأمين ملابس لهم، ما يسد فجوة غياب “العيدية” عن بعض العائلات، وتختلف آلية توزيعها، أو فكرة إعطائها للأطفال في كل عيد.
“عيدية” حسب المتاح
عبد الله الحسين (60 عامًا)، يقيم في مدينة إدلب، أوضح أن لـ”العيدية” قيمة كبيرة في قلوب الأطفال، لكن الظروف المعيشية القاسية التي يمر بها الأهالي، قللت من قيمتها بشكل كبير، وصارت “العيدية” أمرًا مرهقًا للبعض، من ذوي الدخل المحدود أو معدومي الدخل.
الشاب محمد الحسين (29 عامًا)، يعمل في أحد مراكز إدلب التجارية (مول)، قال إن دخله الشهري يبلغ مئة دولار أمريكي (2630 ليرة تركية)، وهو مبلغ بسيط أمام احتياجات المنزل الأساسية وقليل خاصة في أيام العيد.
وأضاف لعنب بلدي، أن لديه ثلاثة أطفال، ولو أراد توزيع مبلغ 50 ليرة تركية كـ”عيدية” على كل طفل، وهو مبلغ بسيط جدًا، فسيتطلب الأمر ما يعادل عمله ليومين، أضف إلى “عيدية” أطفال أخوته وأقاربه، حسب قوله.
وذكر الشاب أنه امتنع عن تقديم العيدية للأطفال منذ عدة سنوات، لعدم قدرته على تحمل أعبائها، واقتصار مصروفه على الحاجات الأساسية، لافتًا إلى أنه يفرح الأطفال بالحلويات.
مبادرات جماعية وحملات
الخمسيني محمود حلاق مهجر من ريف دمشق، قال لعنب بلدي إن العديد من المهجرين إلى الشمال، لا يستطيعون تقديم “العيدية”.
وأضاف، أن عددًا من الشباب هُجروا إلى الشمال رفقة زوجاتهم وأطفالهم، وابتعدوا عن أقربائهم، ما يشعر الأطفال والأهالي بالغربة.
ولحل هذه المشكلة، بادر البعض إلى جمع مبالغ بسيطة من أبناء المدينة، ونظموا إفطارًا جماعيًا في ثاني أيام العيد، الخميس 29 من حزيران، وتمت دعوة الشباب المهجرين من أبناء ريف دمشق، وبلغ عددهم 60 شخصًا، مصطحبين معهم أطفالهم.
وبعد انتهاء الإفطار، تم توزيع مبلغ بسيط كـ”عيدية” على الأطفال، وبلغت ثلاثة دولارات (78 ليرة تركية).
ذكر حلاق، أنه تم توزيع خمسة دولارات على كل طفل في عيد الفطر، تبعًا للظروف والإمكانيات.
فريق “ملهم” التطوعي العامل في الشمال السوري، أطلق حملة “عيدية” بهدف جمع التبرعات وتوزيعها على الأطفال لإدخال الفرح على قلوبهم، وفق ما قاله مدير مكتب الفريق في إدلب، عبد الله السويد لعنب بلدي.
وقال السويد، إن حملة “عيدية” هي لفتة بسيطة أطلقها الفريق قبل أعوام ولاقت استحسان الأهالي والمتبرعين، لأنها رسمت البسمة على وجوه الأطفال في أيام العيد، ما حفز الفريق على إعادة المشروع في كل عام.
وبعد جمع التبرعات يتوجه الفريق إلى الأماكن المتضررة والمخيمات في الشمال السوري، وتوزع العيدية أيضًا على السوريين في مخيمات لبنان، ويختلف عدد الأطفال المستفيدين من العيدية بحسب المنطقة ومكان التوزيع، لافتًا إلى أن قيمة العيدية هذا العام بلغت ثلاثة دولارات لكل طفل.
المسؤول الإعلامي في مجموعة “هذه حياتي” التطوعية، فاتح رسلان، قال لعنب بلدي، إن المجموعة تبتكر في كل عيد طريقة لتقديم “العيدية” للأطفال، معتبرًا أن الطريقة جزء يزيد من بهجة الأطفال.
واعتمدت “هذه حياتي” في عيد الأضحى الحالي، فكرة رحلة الدراجات عبر مناطق إدلب، وأي طفل يصادف الرحلة في الطريق يحصل على “عيدية”.
وأضاف رسلان، أن مجموعة “هذه حياتي” جمعت هذا العام 7500 دولار، كتبرعات لحملة “العيدية”، وستوزع مبلغ ثلاثة دولارات لكل طفل، ليصل عدد الأطفال المستفيدين من الحملة إلى 2500 طفل.
ويأتي عيد الأضحى هذا العام وسط معاناة السوريين من وضع اقتصادي ومعيشي متردٍّ، فاقمته كارثة الزلزال الأخير، الذي أفقد الآلاف منهم أعمالهم، وأجبر مئات العائلات في مختلف المحافظات على اللجوء إلى مراكز الإيواء المؤقتة، إذ تغيب الكثير من المتطلبات المعيشية الأساسية، أبرزها الخصوصية والنظافة.
وتتراوح رواتب العمل بالمياومة في مدينة إدلب بين 30 و60 ليرة تركية باختلاف المهنة، كالإنشاءات والزراعة وتحميل البضائع، واختلاف عدد ساعات العمل بوتيرة غير ثابتة لتوفر أعمال كهذه، وهي رواتب لا تسد أدنى احتياجات العائلة.
اقرأ أيضًا: إدلب.. البطيخ بديل الحلويات خلال عيد الأضحى