“الحركة السياسية النسوية السورية”.. من قضايا المرأة إلى قضايا سوريا
يامن المغربي – عنب بلدي
فتح انطلاق الثورة السورية في عام 2011، الباب أمام السوريين للانطلاق في نقل أحلامهم السياسية والاجتماعية من الحلم إلى الواقع، ومحاولة تطبيق رؤى وأفكار على الأرض.
نتج عن هذا الأمر ظهور عشرات الحركات والتيارات والتجمعات السياسية والحقوقية والاجتماعية، منها الحركة السياسية النسوية السورية.
وبقدر ما تبدو الحركة خاصة بالنساء والمطالبة بحقوقهن فقط، إلا أن عضواتها يرين أن الرؤية تتسع إلى ما هو أبعد من ذلك، لتشمل الإنصاف لكل الفئات في المجتمع السوري، مع المطالبة بالإنصاف والعدالة وغيرها.
من جهة أخرى، تواجه الحركة انتقادات واسعة حول القضايا التي تناقشها فيما يخص المرأة السورية، وتوجيه النقد للرجال واستخدام خطاب قد لا يبدو للبعض مؤثرًا بالقدر اللازم.
وعقدت “الحركة السياسية النسوية السورية” مؤتمرها العام الخامس خلال الأسبوع الماضي، لمناقشة الوضع السياسي السوري الحالي، وانتخاب عضوات جديدات في الأمانة العامة، ورؤية الحركة لتطبيق “اللامركزية” في سوريا.
المؤتمر انعقد تحت شعار “ثرنا معًا.. وسنبني معًا”، في مدينتي اسطنبول وبرلين، وافتراضيًا (عبر الإنترنت) في سوريا، بين 24 و26 من حزيران الحالي، بحضور 76 عضوًا متوزعين على 20 بلدًا حول العالم.
ولا تقتصر الحركة على النساء فقط، بل كذلك هناك أعضاء من الرجال أيضًا.
الحركة بعد خمس سنوات
تأسست “الحركة السياسية النسوية السورية” في عام 2017، وتهدف إلى “النضال ضد نظام الاستبداد والمطالبة بالحرية والعدالة والكرامة لكل مواطنة ومواطن في سوريا”.
كما تهدف وفق الموقع الرسمي للحركة إلى “الدفاع عن حقوق النساء في بلادهن، من خلفيات فكرية وسياسية وفئات متنوعة من المجتمع السوري”.
العضو في الحركة، مزنة دريد، قالت لعنب بلدي إن الحركة بعد خمس سنوات أصبحت أكثر تنظيمًا وخبرة وفهمًا لآلية العمل وتطوير البرامج لأعضاء الحركة في داخل سوريا من جهة، وبناء العلاقات مع الدول والحكومات والمشاركة مع حركات تنتمي لدول فيها نزاعات، للاستفادة من خبراتها من جهة ثانية.
وترى عضو الأمانة العامة للحركة، رويدا كنعان، أن الحركة لا تزال موجودة منذ انطلاقتها، وهذا أمر مهم في ظل الظروف الصعبة والمعقدة التي مرت بها سوريا.
وأشارت كلًا من مزنة دريد ورويدا كنعان في حديثهما لعنب بلدي، إلى أن الحركة اكتسبت خلال السنوات الخمس علاقات دولية جيدة، مع الدول وحركات سياسية واجتماعية من دول تشهد نزاعات سياسية وعسكرية.
كنعان قالت أيضًا إن الحركة “اختبرت الديمقراطية والاختلاف وتداول المناصب بشكل حقيقي”، بالإضافة إلى التميكن المعرفي، كما ترى أن الحركة وضعت على الخارطة السياسية السورية ولا يمكن تجاهاها في المرحلة الحالية، مع تغيير النظرة العامة بأن النسويات يهتممن بحقوق المرأة فقط.
في حين أشارت دريد إلى أن صوت الحركة وصل إلى المبعوثين الدوليين لسوريا، والأطراف السياسية السورية الأخرى والمطالبة بتمثيل النساء سياسيًا، بالإضافة لرؤية سوريا من الزاوية النسوية لا السياسية فقط.
النسوية أولوية؟
في ظل المعاناة الكبيرة للسوريين في ظل الظروف الحالية، والأزمة السياسية والمعيشية والاقتصادية، بالإضافة إلى عشرات القضايا الخاصة بالمعتقلين والمفقودين والانتقال السياسي، توجد آراء تشير إلى أن القضية النسوية في سوريا، قد لا تشكل أولوية في الوقت الحالي.
تنطلق هذه الآراء من من مبدأ أن القضية النسوية خاصة بالنساء فقط، وتتحدث عن حقوقهن في المجتمع والدفاع عن قضاياهن.
لكن “الحركة السياسية النسوية السورية”، ترى أن الأمر يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتحديدًا في ظل الظروف الحالية.
وفق أستاذة التاريخ في جامعة “باسيفيك” الأمريكية، مارثا رامبتون، تعود الجذور الأولى للحركة النسوية إلى الدولة اليونانية ما قبل الميلاد، لكنها لم تتبلور بشكل واضح حتى آخر القرن الـ19، وتحديدًا في عام 1848.
وترى رامبتون أن هناك أربع موجات للنسوية، وارتبطت مع حركات إلغاء العبودية ومنح المرأة صوتًا في الحياة السياسية، كما ارتبطت بالفلسفة الاجتماعية والسياسية وأفكار ما بعد الاستعمار والحداثة.
رويدة كنعان، وفي حديثها لعنب بلدي، لفتت إلى أن النساء السوريات يعانين من تحديات عدة، جراء الأزمات التي تمر بها سوريا في مختلف مناطق السيطرة، بما في ذلك العنف الجنسي والتهجير والفقر والحرمان وانعدام الوصول إلى الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم.
وفي 8 من آذار الماضي، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، تقريرًا تحدث عن مقتل 16 ألف و298 سيدة على يد أطراف الصراع في سوريا منذ آذار 2011، 74% على يد قوات النظام السوري.
كما أشار إلى أن عشرة آلاف و169 سيدة قيد الاعتقال أو الاخفاء القسري.
ورغم هذه الأرقام، ترى مزنة دريد أنه ومنذ انطلاق الثورة السورية في 2011، وعندما يتم الحديث عن دور النساء، يُقال إن هناك أولويات أخرى، مشيرة إلى إجحاف بحق النساء السوريات، في الشق السياسي وكذلك في المجتمع المدني السوري.
الأمر نفسه تراه رويدة كنعان، والتي قالت إن النساء السوريات يتعرضن لتحديات أخرى أيضًا، تتعلق بالقيود الثقافية والاجتماعية والقوانين التي تؤثر على حقوقهن.
وفي هذا السياق، وفق كنعان، يمكن القول إن القضية النسوية تحتل أولوية بالنسبة للنساء لأنها تلمس تفاصيل حياتها اليومية ومستقبلهن.
كما اعتبرت أن التغيير الجندري ليس مسؤولية النساء وحدهن بل يجب أن يكون هناك توافق ودعم من الرجال والمجتمع لتحقيق المساواة، بما يتطلب تغيير العقليات والقيم الموروثة، ومكافحة التمييز والعنف الجنسي.
النسوية ليست صوتًا للنساء فقط
لا تضم “الحركة السياسية النسوية السورية” النساء فقط، بل هناك العديد من الرجال ضمن الحركة، كما أنها لا تشير لنفسها باعتبارها صوتًا يتحدث عن النساء وحقوقهن فقط.
ضمن تاريخ الحركة التي أشارت إليه أستاذة علم التاريخ، مارثا رامبتون، ارتبطت الحركة بعملية العدالة الاجتماعية، التي تشمل العديد من المطالب والقضايا والتي لا ترتبط بالنساء وحدهن.
ورغم اتساع رقعة القضايا التي تهتم بها الحركة النسوية، إلا أن هناك انتقادات موجهة لها حول خطابها تجاه عدة شرائح مجتمعية، تحديدًا مع الأوصاف المتكررة للمجتمعات العربية باعتبارها “مجتمعات ذكورية”، من جهة، وأن هذا الخطاب قد لا يراعي الفوارق الثقافية والاجتماعية في المجتمع.
وتصف مزنة دريد المفهوم النسوي بأنه يأتي لتحقيق الإنصاف عبر السياسة باعتبار أن كل شيء مرتبط بها، وأن الحركة تنادي بتحقيق المساواة والإنصاف لجميع فئات المجتمع، مشيرة إلى تبني الخطاب من قبل شرائح اجتماعية متعددة برغم عدم تسمية المصطلحات بالطريقة نفسها.
في حين ترى رويدا كنعان أن صيغة الخطاب الموجه من قبل الحركة النسوية للنساء السوريات، هو كأي خطاب آخر قد يتعرض للنقد والتحليل من أفراد يرون أنه لا يراعي هذه الفروقات.
لكنها أيضًا تشير إلى أنه من المهم إدراك أن النسويات لسن مجموعة واحدة، بل عدة مجموعات متنوعة تمتلكن خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، وبالتالي فإن الخطاب والتوجهات تختلف وفق لتجارب أيضًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :