عنب بلدي – يامن مغربي
شهدت سوريا خلال السنوات الماضية تدهورًا حادًا في توفر السلع الغذائية، وأساسيات قطاع الخدمات، وصولًا إلى موارد الطاقة.
يعود نقص السلع والموارد بالأساس إلى اختيار النظام السوري الحل الأمني في البلاد، منذ اندلاع المظاهرات التي طالبت برحيله في آذار 2011، وتوجيه موارد الدولة بشكل كامل نحو المجهود الحربي للمعارك، وخروج مناطق واسعة من سوريا تملك موارد طبيعية (الزراعة والنفط وغيرها) عن سيطرته.
لجأ النظام خلال السنوات الماضية إلى محاولة الموازنة بين الاحتياجات الأساسية ونقصها، خاصة مع انهيار قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، ودخول البلاد في أزمة اقتصادية ومعيشية حادة، مع هجرة كبيرة للسوريين باتجاه بلاد أخرى، سواء إلى الدول الأوروبية أو دول الجوار للبحث عن فرص للاستقرار الاقتصادي والمعيشي.
كيف تعامل النظام مع نقص الموارد
تحول الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية إلى “اقتصاد حرب”، أي توجيه الدولة كل طاقاتها ومواردها نحو دعم المجهود الحربي، بالتزامن مع رفع الدعم تدريجيًا وزيادة الضرائب والرسوم على السلع والخدمات.
الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري، ومع استمرار المعارك في مختلف المناطق السورية، بدأ بسحب الدعم عن الطاقة والمحروقات والأدوية والأسمدة، وكذلك عن المواد الغذائية، ووقف تأمين الاحتياجات الأساسية للعملية الإنتاجية، ما أدى إلى انخفاض حاد لدى الأخيرة، وأصبح الطلب أكبر من العرض، بالتزامن مع تدهور العملة وخروج المعامل عن الخدمة، وظهور مشكلات أمنية إضافية، وفساد داخلي.
المحلل الاقتصادي يونس كريم، أوضح لعنب بلدي أن هناك إطارين للاقتصاد اتبعهما النظام في سوريا لسنوات طويلة.
يتعلق الإطار الأول بتكييف المجتمع السوري على ما يُقدم له من السلع والخدمات منذ ثمانينيات القرن الـ20، وبالتالي اضطر السوريون إلى التعامل مع ندرة هذه السلع عبر تقليل احتياجهم إليها، وانتظار انخفاض سعرها، أو توفر بدائل لها أقل ثمنًا.
الإطار الثاني الذي كان جزءًا من اقتصاد عالمي، يقوم على استغلال النظام القيمة التي تُعطى للسلعة ضمن مصطلح “الندرة”، فباع النفط والآثار والمعادن وحتى المعلومات حول أشخاص معينين، وأنشأ نظام دولة اقتصاديًا كاملًا يعمل لمصلحته، وهذا الإطار توقف مع اندلاع الثورة السورية.
حاليًا، بحسب كريم، بقي الاقتصاد البسيط القائم على التكيف بين “الندرة” والحاجة، واستطاع السوريون التكيف وسط غياب أي حلول أخرى، إلا محاولة النظام السوري خلق اقتصاد موازٍ للسلع والخدمات عن طريق الدوائر المقربة منه.
فراس شعبو أشار إلى أن النظام السوري تعامل مع الاقتصاد من مبدأ وجوب استمرار كيان الدولة لا مؤسساتها الاقتصادية، فهو لا يهتم بتحسين الأوضاع الاقتصادية أو إنشاء مشاريع حقيقية لتحسين دخل المواطنين، بقدر ما يتبع خطوات تضمن استمراريته، وهو ما سينعكس على تطور سوريا مستقبلًا.
وفي تقرير “البنك الدولي” لممارسة الأعمال، الصادر في عام 2020، حلّت سوريا في المرتبة 176 من أصل 190 دولة، وبالمرتبة 143 في بدء النشاطات التجارية، و186 في استخراج تراخيص البناء.
ما “اقتصاد الندرة”؟
لا يوجد في علم الاقتصاد مصطلح يدعى “اقتصاد الندرة”، لكن العلم يدرس كيفية مواءمة الموارد مع الاحتياجات والفجوة بينهما، ومن هنا نشأ المصطلح، على اعتبار أن احتياجات الإنسان أكبر من موارده، لأنها متكررة ومتجددة بعكس الموارد المحدودة، ومن هنا تأتي “الندرة”، لسوء استغلال أو استخدام أو نفاد بعض الموارد، وفق الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو.
المحلل الاقتصادي يونس كريم قال لعنب بلدي، إنه كلما زادت ندرة السلعة وزاد الاحتياج إليها، ارتفع سعرها، وفي هذه الحالة تعتبر الندرة “أمرًا نسبيًا”.
كريم أشار إلى أنه في الظروف الطبيعية أصبح مصطلح “الندرة” ضعيفًا نتيجة الأسواق المفتوحة، ما نقل “الندرة” لتصبح عمودًا فقريًا للأرباح في بلاد فيها الموارد أكبر من الاحتياجات، كدول الخليج على سبيل المثال.
تأثيرات سلبية مستقبلية
في 21 من حزيران الماضي، قال مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، في تغريدة عبر حسابه في “تويتر“، إن تسعة من كل عشرة سوريين يريدون مغادرة البلاد، ولدى كل خمسة منهم خطط ملموسة، وأربعة منهم يتعلمون اللغة الألمانية.
تعكس هذه التغريدة الرغبة الواضحة لدى شريحة واسعة من السوريين بمغادرة سوريا إلى دول أخرى، كنتيجة للظروف الاقتصادية الحالية، التي تدفع السوريين للبحث عن خيارات أفضل، وإيجاد حلول أمام أزمة اقتصادية كبيرة.
تتمثل الأزمة الحالية بارتفاع كبير بأسعار المواد الغذائية والفواكه والخضار، مع انخفاض قيمة العملة أمام الدولار الأمريكي، وسحب النظام الدعم على السلع والطاقة لشرائح واسعة من السوريين، وتحديد الدعم لشرائح أخرى ضمن آلية استحدثها في عام 2018، أطلق عليها اسم “البطاقة الذكية”.
وكانت مخصصات مادة البنزين أولى المواد التي ألحقت بالبطاقة، ثم المازوت والغاز وعديد من المواد الغذائية، مع تحديد لمخصصات العائلة السورية منها شهريًا، تحت عنوان “ترشيد استهلاك المخصصات”.
الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن المحرك الأساس لأي اقتصاد هو الموارد البشرية، والأزمات الاقتصادية الأخيرة وتفريغ موارد الدولة باتجاه المجهود الحربي أدت إلى تفريغ سوريا من العمالة وهجرة العقول والشباب، ما يعني أن البلاد أصبحت عاجزة.
شعبو أوضح أنه لو جاءت الأموال الدولية لدعم الاقتصاد، لن تكون هناك نتيجة إيجابية جراء الهجرة المتزايدة.
وفي المقابل، التحركات الاقتصادية التي اتبعها النظام السوري، بما فيها التحايل على الاقتصاد الأساسي أو النظامي، وتدميره مع خلق أسواق موازية (الأسواق السوداء)، وسيادة السلب والابتزاز والاستغلال، والعمل على السيطرة على مفاصل الاقتصاد، دمرت الأخير بشكل كبير.
يبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد حوالي تسعة آلاف ليرة سورية، وفق موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار صرف العملات.
وتصدّر السوريون قائمة الجنسيات الأكبر عددًا في طلبات اللجوء المقدمة بدول الاتحاد الأوروبي، وبلغت 132 ألف طلب قدمها سوريون لعام 2022، وفقًا لأرقام “وكالة اللجوء” (EUAA) التابعة للاتحاد الأوروبي.
ووفق “مفوضية اللاجئين”، تجاوزت أعداد اللاجئين السوريين الذين يعيشون حول العالم 5.5 مليون شخص، بينما وصلت أعداد النازحين داخليًا إلى نحو 6.8 مليون شخص.
المحلل الاقتصادي يونس الكريم، أشار في حديثه لعنب بلدي إلى أن أي تأثير سلبي أو إيجابي عمومًا، يعتمد على الشكل الاقتصادي للدولة.
وتابع أنه في النظام الاقتصادي الحر، تعتبر “الندرة” هي العمود الفقري للأرباح، وتعطي قيمة للإنتاج والخطط المستقبلية، ودونها لا معنى لعملية الإنتاج والتخطيط الاقتصادي.