آلاف الدولارات وتعذيب وحبس في المخازن 

سوريان يرويان فظائع رحلة الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا

camera iconشقيقان سوريا أنقذتهما فرق الطوارئ على الشواطئ الليبية- أيار 2021 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – فاطمة المحمد

اتخذ بعض السوريين في طريقهم نحو أوروبا من ليبيا ممرًا للعبور، حيث أسهم انقسام السلطة وغياب التشديد الأمني على السواحل الشرقية في تفشي الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط.

بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من سوريين سلكوا طريق ليبيا، فإن بداية الطريق نحو أوروبا عبر ليبيا، تبدأ عبر صفحات ومجموعات في “فيس بوك”، إذ يروّج المهربون لخدماتهم عبرها، وتتضمن جميع المراحل من إدخال اللاجئين إلى ليبيا حتى نقلهم عبر البحر إلى إيطاليا.

إهانات و”استغلال مادي”

“عبد السلام”، اسم مستعار لشاب سوري، وصف لعنب بلدي رحلته من درعا إلى إيطاليا، انطلاقًا من المدن السورية نحو لبنان، ومنها إلى ليبيا جوًا، وأخيرًا نحو إيطاليا عبر البحر.

انطلق “عبد السلام”، الذي تحفظ على ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، ومجموعة أشخاص من محافظة درعا، نحو الحدود اللبنانية عبر وسيط سوري، ودخل البلاد بطريقة غير شرعية كونه متخلّفًا عن الخدمة العسكرية الإلزامية.

وبتنسيق مع الوسيط الذي يملك مكتبًا لتنظيم عمله في درعا، حجز تذاكر طيران لتأمين وصول المجموعة إلى ليبيا، جوًا، انطلاقًا من مطار “بيروت”.

“كان المبلغ المتفق عليه ستة آلاف دولار على الشخص البالغ، ونصف القيمة على الأطفال تحت الست سنوات، وعندما وصلنا إلى ليبيا تفاجأنا بسوء الوضع، وبدأت رحلة شاقة وطويلة ومليئة بالإهانة والمعاملة السيئة والاستغلال المادي”.

“عبد السلام”، اسم مستعار للاجئ سوري عبر من ليبيا نحو أوروبا

شعر “عبد السلام” خلال الفترة التي قضاها في المناطق الشرقية من ليبيا أنه معتقل أو مخطوف، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إذ وضعه المهربون في مخازن كبيرة، قارب العدد الكلي للمقيمين فيها 400 شخص.

وفي منطقة طبرق شرقي ليبيا، حيث يقع المخزن، “لم تكن الظروف صالحة للحياة البشرية”، بحسب “عبد السلام”، وقد تصلح فقط لتربية الحيوانات، إذ كان الطعام “غاية في السوء، وكانوا يأخذون أضعاف ثمنه”، بحسب “عبد السلام”.

وكفرد من مجموعة تضم المئات، معظمهم من الجنسيات العربية، بقي “عبد السلام” عشرة أشهر مقيمًا في المخزن ينتظر دوره، إذ كان المهربون ينظمون الدور بحسب الأقدمية للمقيمين، وهناك من كان ينتظر دوره منذ أشهر، كون المخازن كانت ممتلئة.

أشهر على الانتظار

حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وبعد عشرة أشهر من الانتظار، نُقل “عبد السلام” مع مجموعة أخرى نحو مخزن جديد بالقرب من الشاطئ، حيث ينتظرهم ما يُعرف محليًا بـ”الجرافة”، وهو مركب صيد ينتظر بعيدًا عن الشاطئ، ويُنقل إليه المسافرون عبر قوارب صغيرة بإشراف تجار البشر الليبيين “تحت الضرب والشتم”.

“امتلأت (الجرافة) بأكملها، كنا 400 شخص، نجلس متلاصقين من ضيق المكان، إذ وزعوا الركاب على طابقين، الأول للعائلات، وهو عبارة عن مكان مغلق يُستعمل عادة في مثل هذه القوارب لتخزين السمك، والثاني للرجال، وطاقم المركب كان من المصريين كما أغلبية الركاب”.

“عبد السلام”، اسم مستعار للاجئ سوري عبر من ليبيا نحو أوروبا

استمرت الرحلة أربعة أيام مليئة بدوار بحر والشتائم، إذ كان المهربون يهددون من يعترض على الشتيمة برميه في البحر، ومع مضي كل يوم، كان موج البحر يزداد، والوضع يصبح أكثر خطورة، في آخر يوم مر المركب بعاصفة، حتى شعر “عبد السلام” ورفاقه بأنهم على وشك الغرق.

كان صوت صراخ وبكاء النساء والأطفال يطغى على الأصوات المحيطة، لكن صوت أحد المهربين الذي كان يتفاوض مع أحد الركاب بمنحه سترة نجاة مقابل 100 يورو كان واضحًا خلال الرحلة.

عاد “عبد السلام” إلى مكانه بانتظار سفينة الإنقاذ الأوروبية، كونه رفض دفع 100 يورو حاله حال غيره، للحصول على سترة نجاة، إذ قدم اللاجئون نداء استغاثة لخفر السواحل الإيطالي، وبعد مدة، جاءت سفينة إنقاذ، ومنحت الركاب سترًا للنجاة ونقلتهم نحو السواحل الإيطالية.

تجار البشر في ليبيا

وصل “عوض” البالغ من العمر 22 عامًا إلى أوروبا عبر ليبيا أيضًا، وبسبب بقاء أفراد من عائلته في ليبيا ينتظرون دورهم للعبور، فضّل الإشارة إليه بهذا الاسم الوهمي حتى لا يعرضهم لخطر المهربين.

الشاب الذي ينحدر من ريف حمص، قال لعنب بلدي، إن الظروف المعيشية التي عاناها مع أشقائه في الأردن، دفعته للتفكير بالسفر نحو أوروبا، إذ لم يستطع العثور على عمل يمكنه من تلبية احتياجات أسرته المادية في الأردن.

وبعد تشجيع تلقاه من أصدقاء له سبق وعبروا البحر من ليبيا نحو أوروبا، تشجع “عوض” على الذهاب بالطريق نفسه، وبدأ بالتنسيق مع المهربين عبر “فيس بوك” لاتخاذ خطوته الأولى.

تواصل مع حساب يحمل اسم “أبو تالا”، وهو ليبي الجنسية، اتفق معه على مبلغ قدره سبعة آلاف دولار مقسم على دفعات، إذ يدفع جزءًا من المبلغ عند إتمام كل مرحلة من الطريق.

حجز “عوض” تذكرة السفر بمساعدة من “أبو تالا”، الذي تمكن من تأمين موافقة أمنية تسمح بدخول الشاب إلى ليبيا عبر الأردن.

ولم يطل انتظار “عوض”، إذ بقي 20 يومًا مع حوالي 200 شخص في مخزن الانتظار المكتظ، بينهم سوريون ومصريون وباكستانيون وبنغاليون.

“كان المخزن عبارة عن سجن بالمعنى الحرفي، حراس يحملون أسلحة ويتعاطون المخدرات على الملأ، يمنعون إصدار أي صوت، يصادرون هواتف اللاجئين المقيمين في المخازن، لم أرَ ذلًا في حياتي بالقدر الذي رأيته داخل المخزن، كان الحراس يهينون الناس بشتى الطرق، شتم بأبشع الألفاظ، وأذى جسدي في بعض الأحيان”.

“عوض”، اسم مستعار للاجئ سوري كان شاهدًا على حياة المخازن في ليبيا

من المواقف التي حصلت أمام “عوض” بحسب ما قاله لعنب بلدي، أن الحراس انهالوا بالضرب على رجال من بنغلادش، وأطلقوا الرصاص على مقربة منهم، بعد أن ضبطوا هاتفًا محمولًا مع أحدهم.

أخذوا صاحب الهاتف خارجًا، أبرحوه ضربًا، ثم أعادوه إلى الداخل مضرجًا بدمائه.

“لا ينظرون إلينا على أننا بشر، نحن فقط عبارة عن دولارات متحركة، تتحسن معاملتهم معنا إن قدمنا لهم المال، وتسوء أحيانًا لدرجة تشعرنا أنهم ليسوا بشرًا إن لم نقدم لهم بعض المال”.

“عوض”، اسم مستعار للاجئ سوري كان شاهدًا على حياة المخازن في ليبيا

بلغ عدد المهاجرين عبر البحر المتوسط 74.419 شخصًا، بحسب إحصائيات صادرة عن منظمة الهجرة الدولية في 18 من حزيران الحالي.

وخلال الربع الأول من 2023، لقي 441 مهاجرًا مصرعهم وسط البحر المتوسط، ومن المتوقع أن يكون عدد المفقودين أكبر بكثير، بحسب التقرير.

مفوضية اللاجئين تعلّق

قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ميليسا فليمينغ، إن الأسباب التي تدفع السوريين للهجرة إلى أوروبا عديدة، منها عدم وجود مؤشرات على نهاية الحرب في سوريا، حيث تزداد الأوضاع سوءًا.

وأشارت خلال حديث إلى صحيفة “الجارديان” البريطانية، إلى أن السوريين الذين لجؤوا إلى دول الجوار، مثل تركيا والأردن والعراق، ومصر، عانوا صعوبات في العثور على عمل ودفع إيجار المنازل، وحتى تلبية الحاجات الأساسية للاستمرار.

وشكّلت أيضًا دراسة الأطفال سببًا آخر للجوء إلى أوروبا، ففي الأردن، يوجد نحو 90 ألف طفل سوري دون تعليم رسمي، بينما ترك 20% من الأطفال في سن التعليم المدارس طلبًا للعمل.

وفرضت دول الجوار قيودًا جديدة على اللاجئين باعتبار أنهم زادوا من أعبائها، خصوصًا أنها تعاني أصلًا أوضاعًا اقتصادية “صعبة”، بحسب فليمينغ.

أوروبا لا تبالي بالأرواح

في 14 من حزيران الحالي، توفي ما لا يقل عن 78 شخصًا، جراء غرق سفينة كانوا على متنها مع مئات المهاجرين الآخرين، قبالة السواحل اليونانية، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء.

وذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، أن عشرات المهاجرين لا يزالون في عداد المفقودين، كما أن معظم الوفيات من الرجال، موضحة أن القارب الذي كانوا يستقلونه انقلب قبال سواحل بيلوبونيز، جنوبي اليونان.

وأشارت تقارير لاحقة إلى أن نحو 750 شخصًا كانوا على متن القارب الذي يتسع لـ200 شخص في وضعه الطبيعي.

وفي 2 من حزيران الحالي، نشر موقع “Light house reports” تحقيقًا صحفيًا قال فيه، إن السلطات الإيطالية و”وكالة الحدود الأوروبية” (فرونتكس) تجاهلتا استغاثة أطلقها قارب كان يقل نحو 200 لاجئ على مقربة من حدود إيطاليا، ما أدى إلى غرقه متسببًا بوفاة 94 شخصًا بينهم 35 طفلًا.

وأشار التحقيق الذي ترجمته عنب بلدي، إلى أن قاربًا خشبيًا تحطم، في 26 من أيار الماضي، بالقرب من شاطئ بلدة كوترو في إقليم كالابريا بإيطاليا، كان على متنه نحو 200 شخص، معظمهم لاجئون من أفغانستان.

وبحسب التحقيق، فإن كلًا من السلطات الإيطالية وقيادة “فرونتكس” كانا على علم بأن القارب يظهر علامات استغاثة عندما شوهد لأول مرة قبل ست ساعات من تحطمه، لكنهما قررتا مع ذلك عدم التدخل، ثم حاولتا إخفاء مدى معرفتهما.

وبحسب شهادات أوردها التحقيق لناجين من القارب، فإن محامي بعض عائلات الضحايا يخططون لرفع دعوى قضائية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قائلين إنه يجب تحميل إيطاليا المسؤولية عن “الانتهاك غير القابل للإصلاح بحق المهاجرين”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة