قالت وسائل إعلام روسية إن قائد القوات الروسية في أوكرانيا، الجنرال سيرجي سوروفكين، قبض عليه بتهمة “الخيانة” بعد دعمه لتمرد مرتزقة “فاغنر” قبل أيام.
ونقلت صحيفة “موسكو تايمز” المعلومات التي تتحدث عن اعتقال الجنرال الروسي، عن مصدرين مقربين من وزارة الدفاع الروسية، لم تسمّهما، مشيرة إلى أن الوزارة رفضت التعليق على الموضوع عبر قنوات التواصل الرسمية.
سيرجي سوروفكين، الجنرنال الروسي الذي تولى زمام الإشراف على عمليات عسكرية قادتها روسيا في سوريا والشيشان وأوكرانيا، لم يُشاهد علنًا منذ تمرد “فاغنر” في 23 من حزيران الحالي، بحسب تقرير نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية.
سبق ذلك حديث صحيفة “نيويورك تايمز” نقلًا عن مصادر في المخابرات الأمريكية أن سوروفكين كان على علم مسبق بتمرد رئيس “فاغنر”، يفغيني بريغوزين، ضد حكومة بلاده.
من سيرجي سوروفكين؟
وفقًا لسيرته الذاتية الرسمية، ولد سوروفكين في مدينة نوفوسيبيرسك، ويبلغ من العمر 57 عامًا، وفق تقديم سابق عنه لوكالة الأنباء الروسية “تاس“، عام 2017.
وتمتد مسيرته المهنية إلى بعض المدارس العسكرية الرائدة في الاتحاد السوفيتي، إذ تخرج لأول مرة من أكاديمية تدريب الضباط في مدينة أومسك الروسية عام 1987، وفقًا لملف عام 2005 في صحيفة وزارة الدفاع الروسية :كراسنايا زفيزدا”، كما خدم لفترة في أفغانستان مع القوات الخاصة السوفيتية.
خلال الفوضى في موسكو في آب 1991 (محاولة انقلاب عسكرية في روسيا)، كانت مسيرة سوروفكين العسكرية تتسارع، إذ حمل رتبة نقيب وقائد كتيبة مع حرس “تامان” (واحدة من أشهر تشكيلات قوات المشاة السوفييتية)، بحسب معلومات أوردتها وكالة “تاس” الروسية.
وأدى خدمات عسكرية لروسيا خلال صراعات دارت في تسعينيات القرن الماضي في كل من طاجيكستان، والشيشان، ومؤخرًا في سوريا، وأوكرانيا.
وقبل نحو عام، تحديدًا في تموز الماضي، أفادت وزارة الدفاع الروسية أن سوروفكين عين قائدًا لقوات “الجنوب” في أوكرانيا.
وأعرب ناشطون في مجال حقوق الإنسان عن قلقهم من هذه الخطوة، إذ يواجه الجنرال سوروفكين اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في الشيشان وسوريا، بحسب تقارير صدرت عن منظمات حقوقية.
سوروفكين وانتهاكات حقوق الإنسان
في سوريا، اتُهمت الوحدات العسكرية تحت قيادة سوروفكين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وقصف المستشفيات.
وفي تقرير صدر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” (HRW) عام 2020، خلال فترة قيادة الجنرال سوروفكين للعمليات العسكرية الروسية- السورية شمال غربي سوريا، تحدث عن “انتهاكات متعمدة” لحقوق الإنسان أثناء الزحف العسكري نحو مدينة معرة النعمان، شرقي إدلب.
وفّصل التقرير في الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة السورية والروسية خلال الحملة العسكرية، التي استمرت 11 شهرًا لاستعادة مناطق بمحافظة إدلب، ورد خلالها عشرة اسماء لمسؤولين متورطين بجرائم حرب بينها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وإلى جانب وزراء الدفاع الروسي والسوري، ورد اسم العقيد الجنرال سيرغي فلاديميروفيتش سوروفكين، إلى جانب ضباط وعسكريين روس، كمسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا.
ملفات فساد في سوريا
عام 2022، خلص تحقيق استقصائي إلى تورط قائد الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين في صفقات فساد في سوريا، شملت أعمالًا تجارية لزوجته، وصفقات في مناجم فوسفات سورية وتلقي رشاوى من رجل أعمال مرتبط بالكرملين.
يقول التحقيق الذي أجرته منظمة لمكافحة الفساد يرأسها المعارض الروسي المعتقل أليكسي نافالني، إن سوروفيكين ربما استفاد ماليًا أثناء وبعد فترة قيادته للقوات الروسية في سوريا.
أورد التحقيق حينها، اسم رجل أعمال المرتبط بالكرملين جينادي تيمشينكو، مشيرًا إلى أنه حقق المليارات من تجارة النفط والطاقة من خلال شركة تدعى “Gunvor”.
ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية فإن أعمال تيمشينكو “مرتبطة بشكل مباشر بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين” الذي يمتلك استثمارات في الشركة العاملة بسوريا.
وبموجب التحقيق، تمكنت شركة إنشاءات مملوكة لتيمشينكو تدعى “Stroytransgaz” من الوصول إلى حقلين سوريين لتعدين الفوسفات بالقرب من تدمر هما حقل “الشرقية” وحقل “خنيفيس” شمال شرقي حمص.
بدأت شركة “Stroytransgaz” باستخراج الفوسفات في صيف عام 2017، بعد حوالي عامين من تكثيف روسيا لتدخلها العسكري في سوريا.
يشار إلى أن سوروفيكين، الذي تولى القيادة العامة للحملة الروسية في سوريا في أوائل عام 2017، ظهر بنفسه في كانون الأول من العام نفسه على التلفزيون الروسي وهو يطلع بوتين على ما وصفه “تحرير” حقلي “الشرقية” و”خنيفيس” من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
التحقيق توصل إلى مستندات تتحدث عن أن شركة تابعة لشركة “Stroytransgaz” تدعى “STG Logistika” دفعت 104 ملايين روبل روسي (حوالي مليوني دولار) على شكل قروض لشركة أخشاب تدعى “Argus SFK” بين عامي 2020 و2021.
وبين التحقيق أن زوجة سوروفيكين، آنا بوريسوفنا سوروفيكينا، هي من أسست شركة “Argus SFK”، ومقرها في منطقة سفيردلوفسك في روسيا، إلى جانب ابنة “مسؤول محلي رفيع”.
فضائح
وعرض تقرير أعدته هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” حول الجنرال سوروفكين، في تشرين الأول 2022، مجموعة من “الفضائح” تعرض لها خلال مسيرته العسكرية، إذ ألقي القبض عليه وأمضى سبعة أشهر رهن الاعتقال قبل بدء المحاكمة، ولكن أسقطت عنه جميع التهم بحجة أنه كان ينفذ الأوامر الصادرة له.
وفي عام 1995، اتهم ببيع سلاح بشكل غير قانوني، وأدانته محكمة عسكرية في موسكو وحكمت عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، وفي وقت لاحق أُلغيت التهمة من سجله.
وتخرج سيرغي سوروفيكين من الأكاديمية العسكرية عام 2002، وسرعان ما أصبح قائد فرقة عسكرية في مدينة يكاترينبروغ، وبعد عامين كان في قلب فضيحة أخرى عندما أطلق زميل مقرب له النار على نفسه في مكتب سوروفكين.
وفي عام 2004، عين الجنرال سوروفكين قائدًا لفرقة عسكرية في الشيشان، حيث كانت روسيا تكافح للسيطرة على مقاتلي “حرب العصابات المحليين” المناهضين لموسكو، في ذلك الوقت.
واتُهم عدة مرات علنًا من قبل مرؤوسيه بارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين المحليين، بحسب “BBC”.
وأضافت “BBC” أن شهود عيان تحدثوا عن أن إحدى الكتائب التابعة له نفذت “عمليات تطهير” في إحدى المناطق الشيشانية، حيث اقتحمت منازل المدنيين، واقتادت عشرات الرجال إلى باحة مدرسة محلية، وضربوهم وأجبروهم على الاستلقاء على أرض موحلة وطُلب منهم البقاء هناك تحت المطر.
ورفض سوروفكين تلك الاتهامات، من جانبه، بحسب “BBC”.