سارة الإبراهيم
“الله يوفقك يا ابني استر علي.. بلا ما روح ع الأمنية بتبهدل”، جملة رددتها أم مصطفى، وهي امرأة في الأربعينيات، من مدينة إدلب على مسامع “مجاهدٍ” أصر على أخذها إلى اللجنة الأمنية، لتكتب تعهدًا أمام القاضي بالالتزام بـ “الحجاب الشرعي”.
لا تجبر النساء على ارتداء اللباس الشرعي في إدلب، لكن لجنة نسائية تتبع للهيئات الشرعية في المدينة، بدأت أعمالها قبل فترة لمراقبة تطبيق قرار جيش الفتح، الصادر نهاية تشرين الأول الماضي، ويقضي بمنع التبرج وإلزام النساء ارتداء اللباس الشرعي، وإلزام محلات الألبسة النسائية بوجود امرأة تبيع الزبائن.
بادئ الأمر كانت الجوامع هي الوجهة الوحيدة للدعوة “الموحدة”، كما يقول أهالي إدلب، حتى أصبح سكانها يعلمون قبل الذهاب لحضور خطبة الجمعة موضوعها، ويقول أحمد، من سكان المدينة، “خطب الجمعة باتت تنحصر في مواضيع محددة، إما الجهاد ووجوب التحاق الرجال في صفوف المجاهدين، أو عن حجاب المرأة والتهديد والوعيد بالجلد لمن تخالف أخته أو زوجته اللباس الشرعي”.
لكن دعوات “الالتزام” لم تقتصر على المساجد، بل توسعت إلى مراكز الدعوة والإرشاد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تبنتها مجموعة من الفصائل العسكرية، لتوزع منشورات بشكل يومي على المارة في الأسواق، وبدأت بتعليق لوحات على طرق المدينة ومداخلها الرئيسة تدعو النساء للحشمة والالتزام.
من يدخل سوق إدلب يلحظ وجود نساء مهمتهن تقديم النصائح للـ “مخالفين” ورفع الشكاوى إلى اللجان الأمنية في حال تكرار المخالفة.
ترتدي من يطلق عليهنّ “الداعيات” لباسًا أسود من خمار طويل وجلباب يصل الكاحل، مغطين وجوههن ومرتدين كفوفًا، وتحمل كل منهن “قبضة لاسلكية” للتواصل مع اللجنة الأمنية، في حال رفضت النساء الإصغاء لهن.
وتروي زينة، فتاة في العشرينيات من عمرها، ما حدث لها مع داعيات السوق “كنت ألبس مانطو بني اللون أقصر من الكاحل بقليل، فاستوقفتني إحدى الداعيات تنصحني، لكنني نهرتها بالقول: من أنت حتى تنصحينني؟”.
فوجئت الفتاة بوصول شابين مسلحين من اللجنة الأمنية، أطلق أحدهما الرصاص في الهواء، واقتاداها إلى اللجنة، وفق ما تقول، مضيفةً “دخل رجل عراقي الجنسية إلى المكتب وأخذ مني وعدًا بأن ألتزم العباءة”.
لكن الفتاة تصر أنها لم تلتزم بما يريده الشيخ، بل فضلت عدم الذهاب للسوق مرة أخرى، أو إلى الأماكن التي يتوقع وجود هذه اللجان.
ولا يقتصر وجود الداعيات في الأسواق، بل خصصت “هيئه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لكل مدرسة داعية، مهمتها إلزام الفتيات وإلزامهن باللباس “الشرعي”، ليواجه الأهالي، في حال رفضهم الالتزام، قرار فصل الفتاة والجلوس في المنزل.
لا يعترض الناس هنا على الحجاب الشرعي بل ينظرون إليه على أنه جزءٌ من تعاليم دينهم، ويعتبرون أنفسهم ملتزمين قبل “تحرير” المحافظة بالحجاب والدين، لكنهم يتذمرون مما يصفونه “إهانات وإذلالًا” بحق السكان، في المدينة الخارجة عن سيطرة النظام منذ آذار 2015.
–