آلاف المشجعين في الصالات يهتفون لاسم فريقهم ويدعمونه حتى الثانية الأخيرة، ونقل إعلامي على القنوات الفضائية الحكومية وعلى الإنترنت من الإعلام الخاص، لمباريات كرة السلة في سوريا.
كما تتواجد شركات خاصة وبنوك راعية لبطولة الدوري، ومحترفون أجانب في صفوف الفرق.
يبدو من النظرة الأولى أن كرة السلة تمشي بتطور أكبر مما تشهده نظيرتها، كرة القدم، وبشعبية أكبر، ربما تحولها للعبة الشعبية الأولى في سوريا.
إقبال جماهيري في “الفاينال”
شهد دوري السلة في مناطق نفوذ النظام السوري مواجهات بين ستة فرق خلال الشهرين الماضيين، ضمن منافسات “الفاينال 6” و”الفاينال 4″، والأول يرتبط بكأس الجمهورية والثاني ببطولة الدوري.
تبدأ بطولات كرة السلة في سوريا بمواجهة الفرق المشاركة، وفي نهاية الموسم تتأهل الفرق الستة الأولى لخوض بطولة كأس الجمهورية (فاينال 6)، بينما يتنافس الأربعة الأوائل للحصول على لقب الدوري (فاينال 4).
الإقبال الجماهيري على منافسات البطولتين لا يقتصر على فريقي الوحدة وأهلي حلب، اللذين يخوضان سلسلة المباريات النهائية لتحديد البطل بينهما، بل كذلك يمكن ملاحظته لدى فرق أخرى تملك فرق كرة القدم فيها جماهيرية لا تمتلكها فرق كرة السلة.
عوامل عدة وراء الإقبال الجماهيري لحضور مباريات كرة السلة، سواء خلف الشاشات أم في الصالة، منها منافسة الفرق ذات الشعبية الكبيرة كالوحدة والأهلي، واللذان لم ينجحا بتقديم المأمول منهما على صعيد كرة القدم، محليًا أو قاريًا، بعكس نجاحهما محليًا في كرة السلة، وفق المدرب الأسبق لمنتخب سوريا، سامر كيالي.
وأوضح كيالي في حديثه لعنب بلدي، أن وجود المحترفين الأجانب، رفع قليلًا من مستوى مباريات كرة السلة، كما أن حضور المباريات يعد متنفسًا للجماهير التي تعيش أزمات عدة.
الحكم الدولي سامر طيفور يرى أن تراجع كرة القدم في سوريا جعلت الجماهير تلجأ لكرة السلة للهروب من الواقع السيء.
وقال طيفور، إن كرة السلة هي ثاني أكثر الرياضات شعبية في العالم خلف كرة القدم، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإن الإقبال بالشكل العام ليس جديدًا.
وقارن طيفور بين الفترة الحالية وفترة الثمانينيات من ناحية حضور الجمهور، والتي أسماها “الفترة الذهبية”، عندما كان الإقبال لمشاهدة المباريات كثيفًا لدرجة أن الكثيرين لا يستطيعون الدخول لامتلاء الصالات.
ويرى سامر كيالي أن كرة السلة، وبالتزامن مع سوء مستوى كرة القدم، قد تتحول إلى الرياضة الأكثر شعبية، خاصةً وأنها لعبة حماسية وقادرة على جذب الجماهير.
وكلما تراجع مستوى لعبة ما، تخسر جماهيرها والاهتمام بها في حال لم يتم إنقاذها، لذا وبشكل لا شعوري تذهب الجماهير إلى اللعبة التي تحتوي على منافسة أكبر، وفق الحكم سامر طيفور.
مستوى متوسط.. أين اختفت المواهب؟
نجح فريق الوحدة لكرة السلة، بتحقيق بطولة أندية آسيا في عام 2003، بعد تغلبه على نادي الريان القطري.
وكان هذا هو الإنجاز الأول من نوعه على صعيد كرة السلة السورية.
وبالإضافة لتحقيقه البطولة، حقق الوحدة لقب غرب آسيا مرتين متتاليتين في عام 2000 و2001، ووصل إلى المربع الذهبي لكأس الأندية الآسيوية أربع مرات متتالية، حقق خلالها الوصافة مرة.
ضم النادي في تلك الفترة أسماء لامعة، ما تزال تسجل حضورها في كرة السلة السورية عبر مناصب إدارية، كطريف قوطرش (رئيس اتحاد كرة السلة الحالي)، وأنور عبد الحي الذي تولى رئاسة نادي الوحدة في 2022.
بالإضافة إلى محمد أبو سعدة من الأهلي (الاتحاد سابقًا)، وشريف الشريف الذي لعب للوحدة والجلاء، ثم ميشيل معدنلي، وباسل ريا، وغيرهم.
في الوقت الحالي، لا يبدو أن كرة السلة السورية تحمل الأسماء اللامعة ذاتها التي قادت أنديتها في مطلع الألفية للتألق القاري، والحصول على مراكز متقدمة في أقوى البطولات السلوية.
عدم ظهور أسماء لامعة يفسره المدرب الأسبق لمنتخب سوريا، سامر كيالي، بعوامل عدة، تتعلق بالهجرة الكبيرة للسوريين خارج بلادهم خلال الـ12 عامًا الماضية، لذا لا دماء جديدة تظهر كما السابق، مع وجود فجوة عمرية بين اللاعبين، بالإضافة إلى أن الاهتمام ينصب على فرق الرجال فقط لا على القواعد والفئات العمرية، وهو ما يعطي تأثيرًا سلبيًا.
كيالي يرى في حديثه لعنب بلدي أن مستوى كرة السلة انخفض بطبيعة الحال، إلا أن التركيز الإعلامي عليها يعطي انطباعًا معاكسًا، وأصبحت الأندية والمنتخب السوري عاجزة عن تجاوز أدوار معينة في البطولات، عكس الماضي.
كما أن اللاعبين والمدربين يقدمون في الوقت الحالي أكثر مما يحصلون عليه بأضعاف، والموجودون حاليًا هم مواهب فطرية طورت نفسها وتدربت لساعات طويلة لتصل إلى مستوى مقبول، وفق كيالي.
كيف يمكن تطوير اللعبة؟
الوصول إلى النجاحات الرياضية، يتطلب وجود عمل أكاديمي محترف، وخطة طويلة الأمد لا تقتصر على عام أو عامين، وتوافر عناصر ضرورية إداريًا وعلى صعيد المنشآت، والاهتمام بالقواعد، سواء لدى اتحاد كرة السلة المحلي أو الأندية.
وخلال السنوات الماضية، أثار اتحاد كرة السلة الجدل عدة مرات ودخل بخلافات علنية مع الأندية السورية.
الحكم الدولي سامر طيفور، يرى أنه وبالإضافة إلى الخطوات الأساسية لنجاح أي لعبة، يجب تغيير المنظومة الرياضية في سوريا، وأن لا تسود ديكتاتورية الرأي الواحد، وأن يتولى أصحاب الاختصاص مواقعهم.
وليس بالضرورة، وفق طيفور، أن يكون كل لاعب كرة سلة إداريًا ناجحًا، فهذه الحالات ليست مضمونة النجاح في كل مرة، معتبرًا أن من حافظ على كرة السلة السورية خلال السنوات الماضية كان الاتحاد السابق برئاسة جلال نقرش، والذي حاول العمل بشكل أكاديمي وتدخل الكثيرون لإفشاله، بحسب رأيه.
ولا تملك الأندية السورية ملاعب وصالات خاصةً بها، لكنها تملك ملاعب تدريبية.
طيفور قال لعنب بلدي، إنه “علينا أن لا ننظر إلى صالتي الحمدانية والفيحاء في حلب ودمشق، بل إلى منشآت الأندية التي لا يمكن مقارنتها بالدول الأخرى”.
المنشآت الحالية لا تساعد على تطوير المواهب بحسب طيفور.
ويعمل طيفور حاليًا كحكم لمباريات الدوري التركي لكرة السلة، وسبق أن حكم مباريات هامة جمعت بين ناديي غلطة ساراي وفنربهشة، وهما من أكبر الأندية التركية.