مع ساعات الصباح الأولى، يتجمع العشرات من العمال في نهاية شارع “الحمّام” أو مقابل مبنى البلدية في مدينة القامشلي، ينتظرون لساعات الحصول على فرصة عمل لدى أحد المقاولين أو غيرهم ممن يحتاجون إلى إنجاز أعمال يومية مؤقتة لقاء أجر يومي “زهيد”، لا يتجاوز في أفضل الأحوال 15 ألف ليرة سورية.
فاضل الخليف (46 عامًا) من مدينة القامشلي، أحد عمال المياومة الذين يُعرفون في المنطقة أيضًا باسم “عمال الساحة”، قال لعنب بلدي، إن الشيء الوحيد الذي يتقنه هو “العتالة”، وهي مهنة العشرات ممن يقفون معه طوال النهار وفي حر الصيف حتى ساعات الظهيرة بانتظار الأمل للحصول على قوت يومهم.
اعتبر فاضل أن ما يحصل عليه لقاء عمله في المياومة غير كافٍ لتأمين الحاجات الأساسية لعائلته المكوّنة من ثلاثة أطفال، خاصة مع تدهور قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، وما يرافقه من ارتفاع متكرر للأسعار، ما يصعب عليه تلبية الاحتياجات اليومية بشكل مناسب، وفق تعبيره.
تحدٍّ آخر يؤرّق العمال، بحسب ما قاله فاضل، يتمثّل بتغطية النفقات الطبية الطارئة التي تعترضهم، فمثلًا تبلغ تكلفة المعاينة الطبية نحو 30 ألف ليرة سورية، فضلًا عن ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى.
المصاريف مضاعفة
في الطرف المقابل من الشارع، يقف حسن رضوان (43 عامًا) إلى جانب دراجته الهوائية، وقد حمل عليها مجرفة ودلوًا كبيرًا يستخدمه لتعبئة الرمل والأسمنت، في داخله زوجان من القفازات الجلدية المهترئة بانتظار قدوم أحد المقاولين أو السكان المحليين ممن هم بحاجة إلى عملية إصلاح سريعة لأحد جدران منازلهم أو ملحق على أحد الأسطح.
انتصف النهار وارتفعت الشمس، ومعها زادت درجات الحرارة وأصبح “الجو لا يطاق”، لكن أحدًا لم يأتِ لطلب العمل من حسن، بحسب ما قال لعنب بلدي، موضحًا أنه منذ ثلاثة أيام يأتي إلى مكان تجمع العمال للحصول على فرصة للعمل لكن دون جدوى.
ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يجد العامل حسن نفسه في موقف “صعب”، إذ لم يتمكن من توفير مصاريف العيد لعائلته من لباس وضيافة، فسعر “طقم الأطفال” حوالي 500 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ ضخم يصعب توفيره من الأجور اليومية التي لا تتجاوز 15 ألف ليرة سورية.
يعاني عديد من العمال المياومين في المنطقة نفس التحديات، إذ يكافحون لتوفير احتياجات أسرهم بأجورهم المحدودة، في حين تتزايد تكاليف المعيشة والأسعار، ويجد هؤلاء العمال الذين قد يبلغ عمر بعضهم نحو 60 عامًا نفسهم في “دوامة مالية” تجعل من الصعب عليهم تلبية احتياجات أسرهم، في حال توفر عمل يومي لهم.
لا قانون يحميهم
المحامي عبد الرحيم سليمان (40 عامًا) من سكان مدينة القامشلي، قال إن عمال المياومة لا يشملهم قانون العاملين الموحد الصادر عن “الإدارة الذاتية”، كما لا تتوفر إحصائية رسمية عن عددهم في القامشلي والحسكة، وهذا يجعلهم عرضة لـ”الاستغلال” وضياع حقوقهم.
وفي المنطقة، يوجد عديد من العمال المياومين الذين يواجهون صعوبات في الحصول على حقوقهم العمالية والتمتع بالحماية القانونية المناسبة، ورغم الإسهام الكبير الذي يقدمونه في الاقتصاد المحلي والمجتمع، فإنهم يعانون انخفاض الأجور وعدم شمولهم بقانون العاملين الموحد الصادر عن “الإدارة الذاتية”، وفق المحامي.
وأضاف المحامي أن عمال المياومة تأثروا بتلك الثغرة القانونية بشكل كبير، إذ يعملون بأجور منخفضة وغير منتظمة، ما يؤثر على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية وتأمين حياة كريمة لأنفسهم وعائلاتهم.
واعتبر المحامي أن من المهم عمل الجهات المعنية في القامشلي، بما في ذلك “الإدارة الذاتية” والسلطات المحلية، على تعزيز وتحسين وضع عمال المياومة، إذ ينبغي دراسة وتعديل التشريعات العمالية المحلية بحيث يتم توفير حماية قانونية وحقوق عمل عادلة لهؤلاء العمال، وفق رأيه.
–