اعتادت خلود عساف (26 عامًا) شراء ملابس العيد لأطفالها قبيل عيد الفطر، وبعد انتهاء العيد تغسلها وتحتفظ بها لعيد الأضحى، وهي حال معظم العائلات شمال غربي سوريا، لكن الوضع بات مختلفًا عليهم هذا العيد.
غياب القدرة الشرائية لدى الأهالي في الشمال السوري، وعدم تمكنهم من شراء كسوة العيد لأطفالهم، ليس جديدًا على المنطقة التي تعيش أوضاعًا اقتصادية ومعيشية متردية، لكن الأمر مختلف قبيل عيد الأضحى الموافق لـ28 من حزيران الحالي.
ويكمن الاختلاف بأن الأهالي لا يمكن أن يعتمدوا على ملابس عيد الفطر الذي وافق في نيسان الماضي وكان الجو ربيعيًا مائلًا إلى البرودة، والتي لا تتوافق مع ارتفاع درجات الحرارة خلال عيد الأضحى بعد يومين.
وقالت خلود لعنب بلدي، وهي من سكان مدينة إدلب، إنها شعرت بهذه المشكلة قبل شراء الملابس لعيد الفطر، لذلك اشترت ملابس صيفية للأطفال وسترة من “الجينز” لارتدائها فوق الملابس، وبذلك لم تضطر لشراء ملابس لعيد الأضحى.
بدوره، قال الثلاثيني أسامة خزامة، إن الأطفال يكبرون بسرعة، وبداية كل صيف تحتاج العائلة إلى شراء ملابس للأطفال، وبجميع الأحوال يكون عيد الأضحى في بداية الصيف، لذلك يشتري الملابس الصيفية فيفرح بها الأطفال ويرتدونها في العيد وبقية فصل الصيف.
وأضاف الشاب لعنب بلدي أنه في عيد الفطر الماضي لم يشترِ ملابس لأطفاله، وأمضوا العيد بالملابس المتوفرة في المنزل، والآن بات مجبرًا على شراء الملابس لعيد الأضحى ولفصل الصيف.
من جهته، يتنقل عبد الحميد بين محال الملابس في مدينة إدلب، وينظر بعين الإحراج والعجز إلى الأسعار المعروضة على الواجهات، لمعرفته بعدم قدرته على شراء ملابس العيد لأطفاله، ولا يستطيع إخفاء أساه على هذه الحالة.
وقال عبد الحميد المرعي (39 عامًا) مهجر يقيم في مدينة إدلب، “لم نشترِ كسوة العيد قبيل عيد الفطر، لوجود ملابس للأطفال من الأعوام السابقة، ولضعف الحالة المادية”.
وأضاف لعنب بلدي أن وجوه أطفاله كانت حزينة لعدم شرائهم كسوة العيد، لذلك اجتهد وعمل ساعات إضافية على سيارة الأجرة (تاكسي)، بهدف تأمين مبلغ بسيط لإدخال الفرحة على قلوب الأطفال بشراء ملابس لهم.
وتابع أنه قصد قبل يومين الأسواق لشراء كسوة العيد، وتفاجأ بالأسعار التي ارتفعت بشكل كبير عن عيد الفطر الماضي قبل شهرين تقريبًا، إذ تكلّف كسوة العيد للطفل الواحد أكثر من 500 ليرة تركية.
وكحل بديل، قرر عبد الحميد شراء قطعة لكل طفل، والبحث عن ملابس جيدة في محال الألبسة المستعملة (البالة) لتكملة النقص حتى يدخل البهجة إلى قلوب أطفاله.
كساد في الأسواق والإقبال ضعيف
رامز البستان صاحب محل “البستان” لتجارة الألبسة قال لعنب بلدي، إن حركة البيع والشراء شبه معدومة قبيل العيد مقارنة بالأعوام الماضية.
وبحسب التاجر، فإن اضطراب قيمة العملة التركية مقابل الدولار خلق حالة عدم استقرار في السوق، وكبّد التجار خسائر كبيرة، فهم يبيعون البضائع بالليرة التركية وفي اليوم التالي يذهبون لتصريف العملة التركية بالدولار ليكتشفوا الخسارة.
ودفعت هذه الحالة عشرات التجار إلى رفع السعر المعروض أو تحمل الخسارة حتى لا تكسد البضاعة لديهم.
وبلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل كل دولار واحد 24.6 للمبيع، و25.3 للشراء، وفق تسعيرة “اتحاد الصرافين” في إدلب المعتمدة في المنطقة.
وأضاف التاجر أنه جهز 50 صنفًا من الملابس المخصصة للإناث، و50 صنفًا للذكور، كاستعدادات لعيد الأضحى، ولتجنب كسادها يضيف إلى سعر الجملة الذي اشترى فيه البضاعة مقدار دولار ونصف للقطعة الواحدة، ورغم ذلك، اضطر لبيع بعض الأصناف بأقل من رأس مالها.
محمد ياسر لاذقاني تاجر آخر في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن غلاء الأسعار “قصمت ظهور العباد”، وارتفاع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار أرهق المواطنين الذين يتقاضون أجورهم بالليرة التركية، ويدفعون سعر المواد الاستهلاكية محسوبة بالدولار.
وتتراوح رواتب العمل بالمياومة في مدينة إدلب بين 30 و70 ليرة تركية باختلاف المهنة، كالإنشاءات والزراعة وتحميل البضائع، واختلاف عدد ساعات العمل.
وأضاف محمد أنه لم يشترِ هذا العيد بضائع لعرضها لعدة أسباب، منها أن أغلب المواطنين اعتادوا شراء ملابس العيد لأطفالهم في عيد الفطر، وقلة من يشترون الملابس قبيل عيد الأضحى.
والأمر الآخر بحسب التاجر، هو ارتفاع الأسعار وانعدام قدرة المواطن الشرائية، لافتًا إلى أن سعر الجملة لفستان البنات هو 20 دولارًا أي ما يعادل 500 ليرة تركية، وبحساب بسيط يحتاج العامل إلى العمل حوالي 20 يومًا لشراء كسوة ثلاثة أطفال.
تسويق وعروض لتجنب الخسارة
رامز البستان يعمل في تجارة الملابس منذ 20 عامًا، قال إنه بذل جهدًا مضاعفًا حتى استطاع استقطاب الزبائن لا سيما أن محله التجاري بعيد نسبيًا عن السوق، ولا يطل بشكل مباشر على أحد الشوارع الرئيسة.
وقال التاجر إن الأسعار الرخيصة والجودة العالية هي السياسة التي اعتمدها لاستقطاب الزبائن، فكل زبون يخبر أقاربه وأصدقاءه عن الأسعار المناسبة لقدرة المواطن البسيطة وجودة الملابس وتعدد “موديلاتها”.
وعن منافسة السوق، أوضح التاجر أن الأسعار المنخفضة و”الموديلات” الجديدة غير كفيلة بجذب الزبائن، لأن المحل بعيد عن السوق، وقد لا يعلم الزبائن بهذه الأسعار أو “الموديلات” الموجودة، لذلك يعتمد اليوم على الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي لعرض البضاعة.
وبحسب التاجر، فإن مواقع التواصل الاجتماعي خلقت أساليب جديدة في التجارة والمنافسة، وكان سابقًا موقع أي محل يلعب دورًا رئيسًا في التجارة، أما اليوم فباتت الخبرة ومعرفة احتياجات المواطنين بشكل دقيق وكيفية تلبيتها هي العامل الأبرز في التجارة، ثم تأتي الدعاية لتعريف المواطن بعروض الأسعار والموديلات المتوفرة بدلًا من عرضها على واجهات المحال، وفق التاجر.
بالمقابل، اشتهر التاجر محمد لاذقاني في مدينة إدلب بغزارة العروض والتنزيلات على الملابس، وقال لعنب بلدي إن رخص البضاعة هو العامل الأبرز لاستقدام الزبائن، لأن السكان منهكون ماليًا ويبحثون عما يسد الرمق ولا يشترون إلا الضروري.
وكحل لركود الأسواق، أوضح التاجر محمد ياسر لاذقاني أنه شكّل مجموعة تواصل عبر تطبيق “واتساب” تضم 300 مندوب ومندوبة موزعين في عموم المناطق في الشمال السوري.
وأضاف أنه يرسل إليهم صور البضائع المتوفرة والمقاسات بأسعار رخيصة جدًا وأقل من أسعار الملابس في مناطقهم، وهم بدورهم يعرضون البضاعة على معارفهم ويضيفون شيئًا من الربح، ويتلقى بهذه الطريقة عددًا كبيرًا من الطلبات.
اقرأ أيضًا: “البالة” وتزيينها.. وجهة الراغبين بشراء كسوة العيد في إدلب
–