بعد سنوات الحرب الطويلة وتعدد الكوارث
هل قلّت نسبة التضامن بين السوريين
يامن مغربي – عنب بلدي
شوارع خالية في الجنوب، ووجوه يعلوها الحزن في الشمال الغربي، مشهدان يلخصان رد فعل شعبيًا على وفاة سوريين بحادثة غرق قارب ضمن المياه الإقليمية اليونانية.
خلت شوارع درعا جنوبي سوريا، في 17 من حزيران الحالي، من المارة، إعلانًا للحداد على وفاة سوريين حاولوا الوصول إلى أوروبا، بينهم من أبناء المحافظة نفسها.
وفي اليوم التالي، نظم متطوعو “الدفاع المدني السوري“ (الخوذ البيضاء) بإدلب، أقصى الشمال الغربي لسوريا، وقفة تضامنية أشعلوا خلالها الشموع وحملوا اللافتات المطالبة بالتحقيق في أسباب الحادث، وعبارات عاطفية تجاه درعا والغرقى من السوريين.
في المقابل، لم يكن حجم التعاطف عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع ضحايا القارب الغارق في مستوى الحدث، وهو ما يفتح الباب أمام السؤال حول غياب التعاطف أو قلّته مع تتالي كوارث السوريين.
منذ مطلع العام الحالي، شهد السوريون حادثتين كبيرتين وثالثة تعيد إلى ذاكرتهم صورًا لبعض مما عانوه، الأولى كانت الزلزال الذي ضرب مدنًا سورية على الساحل والشمال الغربي لسوريا، في 6 من شباط الماضي، وأوقع آلاف الضحايا، وملأت وسائل التواصل الاجتماعي، حينها، منشورات تضامن مع الضحايا تدعو إلى المساعدة ونشر أرقام الإسهام بالمواد الإغاثية والمساعدات المادية، بغض النظر عن السلطات المسيطرة على الأرض، سواء كانت قوات النظام السوري أم المعارضة.
الحادثة الثانية تتعلق بأحداث العنف في السودان والنزاع هناك بين قوتين عسكريتين، هما الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، ليصحو آلاف السوريين على وقع المعارك والقصف دون وجود جهات حكومية لإجلائهم كما فعلت بقية الدول.
أما الحادثة الثالثة فكانت غرق المركب الذي يقل مهاجرين غير شرعيين بالقرب من اليونان، وتوفي إثر ذلك 81 شخصًا بينهم سوريون، ومعظمهم من أبناء مدينة درعا.
لم تحظَ الحادثتان، الثانية والثالثة، بالقدر نفسه من التعاطف أو التضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على عكس الأولى التي عُدّت “كارثة وطنية”، إلى جانب مواضيع أخرى أثارت تعاطف السوريين تجاه بعضهم على مدى السنوات الماضية.
ما التضامن؟
للتعاطف تعريفات عدة في علم الاجتماع، أحدها هو التضامن والمناصرة التي تمارسها عدة مجموعات أو تجمعات أو شرائح اجتماعية تجاه قضية معيّنة أو مجموعة أشخاص يعانون مظلومية ما، ويعد آلية قوية توفر الجهد والوقت والأمور اللوجستية، بحسب ما قالته الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك لعنب بلدي.
كما أنه يشكّل نوعًا من أنواع التعاطف والمساواة، وهو أمر ضروري ومطلوب للمجتمع، ويأخذ أشكالًا مادية ومعنوية ونفسية أيضًا، بحسب الاستشارية النفسية هناء مجاهد.
فيما تعرف الأمم المتحدة التضامن بأنه إحدى القيم الأساسية للعلاقات الدولية في القرن الـ21، حيث يستحق الذين يعانون، ومن لم يستفيدوا كثيرًا من العولمة، المساعدة والعون ممن استفادوا كثيرًا منها، وهو أمر لا غنى عنه.
وأنشأت الأمم المتحدة صندوق تضامن عالميًا للقضاء على الفقر، وأعلنت 20 من كانون الأول يومًا عالميًا للتضامن.
في حين ذكرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، عبر موقعها الرسمي، أن التضامن هو تعبير عن روح الوحدة التي تجمع الأفراد والشعوب والدول، ويشمل اتحاد المصالح والمقاصد والإجراءات، والاعتراف بالاحتياجات والحقوق المختلفة لتحقيق أهداف مشتركة.
استنزاف المشاعر يجعل الكوارث اعتيادية
على مدى سنوات، وتحديدًا منذ اتباع النظام السوري الحل الأمني في مواجهة المظاهرات الشعبية التي نادت بإسقاطه في 2011، اختبرت شريحة واسعة من السوريين ظروفًا قاسية للغاية، تمثلت بالاعتقال والإخفاء القسري والقتل، بالإضافة إلى الهجرة الخارجية والنزوح الداخلي والصعوبات الاقتصادية والأزمات المعيشية المتلاحقة، مع غياب أي أفق لحلول سياسية في الملف السوري.
هذه الظروف المتلاحقة والأزمات، التي يحتل الموت مساحة واسعة منها، تؤدي إلى “استنزاف للمشاعر” لدى الناس والمجتمع، بحسب الاستشارية النفسية هناء مجاهد.
وأوضحت مجاهد لعنب بلدي، أن شريحة واسعة من السوريين الذين تعرضوا بشكل شخصي أو أقاربهم ومحيطهم لخطر الموت أو الاعتقال ونجوا منهما، استنزفوا مشاعرهم على مدى سنوات، وتحول الأمر ليصبح اعتياديًا، وبالتالي تتراجع عمليات التضامن والدعم، لأن هذه الشريحة نفسها بحاجة إلى من يدعمها ضمن الصعوبات التي تعيشها بشكل مستمر منذ فترة طويلة.
لم يكن غياب التضامن على المستوى الشعبي مستمرًا، ولكنه أصبح أكثر ارتباطًا بكوارث كبرى، كالزلزال في شباط الماضي.
الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك قالت لعنب بلدي، إن كثرة الظواهر الاجتماعية الداعية للتضامن، وكثرة المظلومية، وتشابه القصص، حوّلت الحوادث الكبرى التي تحتاج إلى التضامن إلى أمر اعتيادي.
الباحثة عبد الملك أشارت إلى حادثة غرق المركب الأخيرة، دون أن تأخذ زخمًا كبيرًا أو يسلّط عليها الضوء.
وتابعت أن كثرة الموت والحوادث تجعل الأمر يأخذ منحى الاعتياد، كما أن ازدياد الحملات وعدم الاستجابة لها أو ظهور نتائج ملموسة تدفع الناس للتفكير بشكل مختلف.
وتقوم التغطيات الإعلامية بدور واسع في تحفيز الناس للحديث عن الكوارث، عندما تتوفر للأخيرة مساحة أكبر في المواد الإعلامية، قالت هناء مجاهد.
التضامن في اللغة العربية
تضمنت معاجم اللغة العربية عدة معانٍ للتضامن.
جاء في معجم “المعاني الجامع” تعريف التضامن بأنه “التزام كل شخص بأن يؤدي عن الآخر ما يقصر عن أدائه”.
وفق قاموس “المعجم الوسيط”، يعني التضامن “التزام القوي أو الغني معاونة الضعيف أو الفقير”.
آثار سلبية لغياب التضامن
للتضامن أثر إيجابي في المجتمع عمومًا، وتنطبق الحال على الواقع السوري في ظل الظروف الحالية.
وغياب التضامن له آثار سلبية عدة على المجتمع ككل وكذلك على الفرد، وقد يؤدي إلى ظواهر اجتماعية سلبية، أو تغوّل لآليات القمع والفساد على المستوى الحكومي.
وفق عائشة عبد الملك، فإن هذا الغياب يؤدي بشكل مباشر إلى ازدياد الظواهر السلبية، وبالتالي ازدياد المظلومية في المجتمع، ويصبح هناك تغاضٍ عن النظر إليها، حتى وإن كانت هناك حاجة للمناصرة والضغط والمساندة، والمطالبة بحلول ضمن آلية التعاطف نفسها.
الاستشارية مجاهد قالت لعنب بلدي، إن غياب التضامن بين الأفراد في المجتمع، قد يدفع أيضًا لمزيد من الجرائم، أو تعرض فئات اجتماعية مستضعفة لمظلوميات جديدة، بالتزامن مع الشعور بغياب أي نوع من أنواع التعاطف أو التضامن أو الضغط الشعبي، وهو ما ينعكس سلبًا على المجتمع في نهاية الأمر.
كما يؤدي غياب التضامن إلى شعور الأفراد بغياب قيمتهم في الحياة، ويتسبب لهم بمزيد من الشعور بالوحدة، وهو ما يعني وجود تأثيرات على الصحة النفسية بشكل مباشر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :