ورقتا خمسة آلاف في سوريا.. كيف يفسر خبراء الأسباب والأثر
عنب بلدي – جنى العيسى
أعلن مصرف سوريا المركزي، في 20 من حزيران الحالي، وضع أوراق نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية، إصدار العام الحالي، بالتداول بتصميم مختلف عن تلك التي طُرحت قبل نحو سنتين ونصف.
وجاء في بيان للمصرف، أن الطبعة الجديدة من العملة تحمل ذات التصميم المتداول حاليًا، مع اختلاف بحجم رقم الفئة الموجود على الوجه الأمامي للورقة النقدية، والاستعاضة عن ميزة التخريم المجهري لرقم 5000 بطباعة نافرة للرقم.
وبرر المصرف قراره بتعزيز المزايا الأمنية للورقة النقدية، مشيرًا إلى أنه تم الاحتفاظ ببقية المواصفات الأمنية دون تعديل.
سنتان ونصف على التداول
في 24 من كانون الثاني 2021، أعلن مصرف سوريا المركزي طرح أوراق نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة سورية للتداول في الأسواق، طُبعت قبل عامين من طرحها.
وحين طرح الورقة، قال بيان صادر عن المصرف، إن الأوراق النقدية من فئة خمسة آلاف ليرة سورية تتمتع كسابقاتها بمزايا أمنية عالية يصعب تزويرها أو تزييفها، ويسهل تمييزها، ومن هذه المزايا:
● طباعة نافرة تضفي على الورقة خشونة متميزة منها (رقم الفئة، النقوش، التواقيع، علامة للمكفوفين على طرف كل عرض من الورقة النقدية).
● علامة بشكل نجمة في أسفل يسار الورقة تظهر بلون موحد عند النظر إلى الورقة بشكل مباشر، ويظهر رقم الفئة 5000 بألوان متعددة عندما تلوى الورقة.
● علامة على شكل نجمة تكتمل معالمها الموجودة على وجهي الورقة عند النظر إليها عبر الضوء.
● رقم 5000 مطبوع بحبر مرئي متغير اللون ذي تأثير حركي يتموج شاقوليًا بلون ذهبي ذي خلفية ذات لون أخضر فاتح، ويظهر التموج في منتصف رقم الفئة في حال النظر إليها مباشرة، وعند إمالة الورقة النقدية يتحرك هذا التموج صعودًا ونزولًا من منتصف رقم الفئة.
● على الوجه الخلفي للورقة تخريم مجهري للرقم 5000، يظهر بشكل عمودي في وسط الجهة اليسرى من الورقة عند النظر إليها بمواجهة الضوء.
● الصورة المائية (العقاب)، وهو شعار الجمهورية العربية السورية، ورقم الفئة، يظهران عند النظر إلى الورقة في مواجهة الضوء.
● شريط عمودي فضي لامع ذو تأثيرات حركية، ويحتوي على كتابة لأحرف “CBS” مكررة تتحرك عند إمالة الورقة، وعند النظر إلى الشريط بمواجهة الضوء يظهر رقم 5000.
التزوير غير مجدٍ
بعد نحو سنتين ونصف على طرح الورقة، أوردت صحيفة “الوطن” المحلية، في 21 من حزيران الحالي، أن قرار المصرف المركزي بإصدار نسخة جديدة في العام الحالي وبتصميم مختلف، جاء بعد أن تعرض عدد من المواطنين لعدم قبول بعض الجهات مبالغ من فئة الخمسة آلاف بسبب رفض العدادات لها والظن بأنها مزوّرة.
يثير طرح نسخة جديدة من الورقة النقدية التي طُرحت قبل سنتين ونصف فقط التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء ذلك، وأثر وضع النسختين معًا في التداول، على اعتبار أن المصرف لم يوضح خططه بسحب النسخة التي تبيّن وجود مشكلات أمنية فيها.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن تغيير بعض المواصفات في العملة دليل على وجود خلل في السابق، وهو ما أدى إلى عدم قبول بعض الصرافات لها، وتعرضها للتزوير.
وأشار شعبو إلى أن قضية تزوير فئة الخمسة آلاف ليرة سورية لا يعد مجديًا، إذ تبلغ قيمتها نحو نصف دولار أمريكي، ما يعني أن تكلفة تزوير الورقة الواحدة يفوق قيمتها، لذا قد يعود سبب تغيير بعض مواصفاتها إلى وجود خلل أمني فيها، أو خلل تقني أو فني، يتطلب تعديله، مضيفًا أنه أمر ليس معهودًا في عُرف الدول، وهو دليل على سوء الإدارة واتخاذ القرار بالميزات الأمنية لهذه الورقة.
ومن الممكن أن يوجد الخلل الأمني في الأوراق النقدية الجديدة التي تُطرح، ولكن ذلك خلال الفترة التجريبية لطرحها لا بعد سنتين ونصف، الأمر الذي يعكس فشل النظام على جميع المستويات في الإدارة بشكل عام، وفق شعبو.
الباحث في الشؤون الاقتصادية، والمدير التنفيذي لمنصة “اقتصادي”، يونس الكريم، اعتبر أن جودة النسخة القديمة المنخفضة ربما تعود للتكلفة المنخفضة التي يدفعها النظام ثمنًا لطباعة هذه الفئات، وبالتالي رداءة طباعتها، ما يجعل العدادات تعتبر أن نوع الحبر وشريط الأمان غير دقيق.
كما أن انخفاض القدرة الشرائية يجعل عملية تدوير العملة سريعة جدًا، ما يسبب اهتراءها قبل المدة الزمنية المفترضة لذلك.
إشارات منها تغيير المطابع
ويعتقد الباحث يونس الكريم أن الأمر يتعدى كونه تغييرًا طفيفًا في مزايا الورقة النقدية، معتبرًا أنه قد يحمل إشارة إلى تغيير مكان الطباعة، “حيث طبعت النسخة القديمة من الورقة في الجزائر”، بينما قد تكون النسخة الجديدة طُبعت في مكان آخر خارج سوريا أيضًا.
ولا يعلن مصرف سوريا المركزي مكان طباعة العملة، بينما كانت تطبع قبل عام 2011 في مطبعة تابعة للبنك المركزي النمساوي، لكن العقوبات الغربية على النظام أجبرته على البحث عن خيارات بديلة.
وفي حزيران 2012، نقلت وكالة “رويترز” عن أربعة موظفين مصرفيين في دمشق (لم تسمِّهم) قولهم، إن النظام اتجه لطبع الأوراق الجديدة في روسيا.
موقع “coin update”، المتخصص بنقل الأخبار والمعلومات حول العملات في العالم، قال في تقرير له، تزامنًا مع طرح الطبعة الأولى من الخمسة آلاف في كانون الثاني 2021، إنه يعتقد أن تلك الأوراق التي يعود تاريخها إلى 2019، أُنتجت في منشأة طباعة أمنية تديرها الدولة في سوريا نيابة عن مصرف سوريا المركزي.
وأوضح الكريم، لعنب بلدي، أن القرار قد يشير إلى عدم وجود تفويض من قبل “مجلس الشعب” بطباعة فئات جديدة لمواجهة التضخم، لذا اختار المصرف الطريق الأسهل الذي يسمح له بطباعة عدد لا محدود من فئة خمسة آلاف ليرة سورية، وبالتالي يستطيع التلاعب بالحجم المعروض، تلبية لاستجابة السوق المحلية المتزايدة.
واعتبر الكريم أن وجود نسختين من فئة نقدية من العملة، واحدة جيدة وأخرى رديئة، يقود إلى شيء شبيه بما حدث في العراق، عندما طبع الدينار “السويسري” بجودة عالية، وكان هناك آخر بطباعة محلية، طُرح للتداول في المناطق الكردية الخارجة عن سيطرة الحكومة العراقية.
وقد يشير ذلك إلى رغبة النظام بجعل الفئات النقدية من الطبعة الجديدة محصورة بمناطق سيطرته، بينما قد يحصر استخدام الطبعة القديمة في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.
نسختان في السوق.. ما الأثر؟
حول وجود نسختين من العملة نفسها في التداول، يرى الدكتور فراس شعبو أن أثر ذلك على قيمة الليرة قد يكون طفيفًا، لكن قد تنشأ مع الأيام مشكلة في عدم قبول النسخة القديمة من العملة وخوف من تداولها، وقد تسبب مشكلات لبعض المواطنين من حيث التعامل اليومي بها، وبالتالي تصبح خارج التداول.
ورغم عدم إعلان المصرف المركزي نيته سحب النسخة القديمة من العملة، يعتقد شعبو أن المصرف سيسحبها رويدًا رويدًا، مع إحلال النسخة الحديثة مكانها.
ويرى شعبو أن الكتلة النقدية المعروضة في سوريا غير معروفة بالمطلق، وبالتالي فإن زيادة بضعة ملايين أو مليارات من الليرة أو إنقاصها لن يؤثر كثيرًا على مستوى التضخم، على اعتباره قائمًا بالتأكيد، وفق رأيه.
من جهته، اعتبر الباحث يونس الكريم أن المصرف المركزي لن يكون قادرًا على سحب النسخة القديمة من العملة من الأسواق لعدة أسباب، منها غياب الأدوات، إذ يعتبر جمع النقود من المواطنين أمرًا مكلفًا، ويتطلب تكلفة تجميع ونقل ومساحات، وهو أعلى تكلفة من الفائدة الاقتصادية من وراء ذلك.
ومن الأسباب الممكنة لعدم سحب النسخة القديمة، انهيار القدرة الشرائية وتمويل العجز الحكومي لمؤسسات الدولة، واحتمالات زيادة الرواتب، واحتمالات ضخ كميات من القطع الأجنبي آتية من دول الخليج في سوريا، وحاجتها إلى ما يقابلها من العملة السورية.
ويعتقد الكريم أن عملية زيادة المعروض النقدي سوف تبقي على مستويات التضخم مرتفعة، لكنها لن تقود إلى تضخم مفرط، بل على العكس، قد تؤدي إلى تحسن قيمة الليرة بشكل طفيف نتيجة تأمين السيولة للسوق، وبالتالي زيادة حركة الإنتاج والحركة التجارية البسيطة، وفق رأيه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :