سببها وجود الأطفال والجهل بالقوانين
تعقيدات أمام عودة عائلات مرحّلين من تركيا إلى سوريا
عنب بلدي – محمد فنصة
“لا حل أمامنا غير التهريب حاليًا، لكن المهربين يطلبون مبلغًا من المال غير قادرين على تأمينه، بينما تنتظر العائلة في تركيا دون وجود حلول مرتقبة”، بهذه الكلمات شرح أحمد رجب لعنب بلدي، حال عائلة ابنه طارق، الذي رُحّل إلى سوريا، بينما ظلت زوجته الحامل وطفلته الرضيعة داخل تركيا.
يقيم أحمد في منزل مستأجَر بشمال غربي سوريا، أما ابنه طارق فقد رُحّل من تركيا إلى سوريا عبر المعابر الحدودية شمالي سوريا، بعد أن “أُجبر” على توقيع ورقة “العودة الطوعية”.
اشتهرت قصة طارق بعدما تعرض للضرب وكُسرت أسنانه على يد أحد عناصر الأمن الموجودين في في مخيم “ألبيلي” بولاية كلّس التركية، حيث كان محتجزًا، وفق قوله.
وتعتبر عائلة طارق إحدى عائلات عديد من السوريين في تركيا الذين ينفصلون عن أفراد أسرهم بسبب ترحيل رب الأسرة إلى الشمال السوري، وبقاء زوجاتهم وأطفالهم بلا معيل، فيما تزيد الأوراق القانونية التي تطلبها المعابر الحدودية التركية عند عودتهم إلى سوريا من معاناتهم في لمّ شملهم.
اضطرار للعودة
لم يكن خيار عودة عائلة طارق إلى سوريا نابعًا من رفاهية الخيارات المتاحة، بل أوضح والده أحمد أن المطالبات العديدة لتحصيل حقوق ابنه عن طريق مناشدة المنظمات الحقوقية للتحرك، أو تأمين مساعدات إنسانية لزوجته وطفله اللذين أصبحا دون معيل، لم تكن ذات جدوى.
وبسبب انعدام خيارات المساعدة وإمكانية عودة طارق لعائلته في تركيا، قررت العائلة البدء بإجراءات “العودة الطوعية”، والذهاب نحو ولاية أنطاكيا.
في معبر “Cilvegözü” التركي المقابل لمعبر “باب الهوى” السوري، منعت السلطات الطفل من العودة إلى سوريا، وسمحت لوالدته فقط، لعدم امتلاكه أوراقًا ثبوتية سوى شهادة الميلاد في المستشفى التركي، كما أن والدته لا تحمل بطاقة “الحماية المؤقتة” (كملك).
وطالبت السلطات بتسجيل الطفل بالنفوس التركية للسماح له بالخروج، وعلى الرغم من محاولة الأم تسجيله، طلب موظفو النفوس بوجود الأب والأم واشترطوا حيازتهما “كملك” لإجراء العملية، دون الأخذ بعين الاعتبار أن الأب مرحّل ولا يمكن قدومه من سوريا.
حتى هذه اللحظة، لم تجد عائلة طارق حلًا لدخول سوريا، سوى تأمين المبلغ المطلوب من المهرب لتهريبهما، وهو ما يصعب حياة العائلة في ظل ظروفها الاقتصادية الحالية.
عائلة يوسف بدورها استطاعت العودة إلى سوريا عن طريق معبر “كسب” الحدودي بين تركيا وسوريا، بعد صعوبات قانونية تتعلق بعودة الأطفال دون ذويهم.
ومنذ عام، قررت العائلة “العودة الطوعية” إلى سوريا عبر دفعات متتالية، بعد الصعوبات القانونية في تركيا لمن يحاول استخراج “كملك” لأول مرة، من بينها الاضطرار للتسجيل بولاية فرص العمل فيها نادرة، والتوقيع شهريًا لمدة تصل إلى ستة أشهر لإثبات البقاء في الولاية، وهو ما ولّد شعورًا بعدم الاستقرار.
يوسف، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، شرح لعنب بلدي الإشكالية التي بدأت حين طلبت السلطات التركية في معبر “Yayladağı” المقابل لمعبر “كسب” ورقة وصاية لطفلة زوجته الثانية، من والدها المقيم في دمشق، على الرغم من وجود والدتها وعدم امتلاكها هي وطفلتها “كملك”.
وبعد التواصل مع الأب واستخراج الورقة المطلوبة وتصديقها من القنصلية السورية باسطنبول، سمحت السلطات بخروج الطفلة مع عائلتها، بعد معاناة لعدة أشهر حتى اكتمال الإجراءات.
وتكررت هذه الحالة مع أقرباء يوسف، إذ كان يعيش معهم حفيدهم الطفل، الذي تخلت عنه والدته، بعد أن قُتل ابنهم في سوريا، إذ اضطروا للتواصل معها في دمشق لإرسال ورقة الوصاية حتى استطاعوا إعادته معهم من ذات المعبر.
بانتظار القرارات الوزارية
بعد رصدها عدة شكاوى تخص الحالة المذكورة، تواصلت “اللجنة السورية- التركية المشتركة”، عقب نهاية الانتخابات الرئاسية التركية، مع رئاسة الهجرة في أنقرة لإيجاد حلول تخص العائلات، ليكون جوابهم انتظار قرارات الوزير الجديد، وفق ما قالته مديرة الاتصال في اللجنة، إناس النجار، لعنب بلدي.
الناشط الحقوقي السوري ومدير مركز “عدالة لحقوق اللاجئين” في اسطنبول، أحمد قطّيع، تابع هذه الحالة مع عدة عائلات ومع المعابر الحدودية وغيرها، وذكر لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، أن الإشكالية تظهر لدى العائلات التي تقدم على “العودة الطوعية” ويكون لديها أطفال.
وأوضح قطّيع أنه في حال امتلاك والدة الطفل “كملك” بعكس ابنها المولود في تركيا، فعليها استخراج “كملك” له، وهو ما يتطلّب ورقة “وثيقة ولادة” (doğum belgesi) صادرة من إدارة النفوس التركية، لكن بعض موظفي النفوس لا يسلّمون هذه الوثيقة في حال عدم وجود الأب أو عدم امتلاك الطفل “كملك”، وهو خطأ ناتج عن “جهل بالقوانين”، وفق قطّيع.
ويمكن للأب في شمالي سوريا الذهاب إلى أحد المعابر الحدودية مع تركيا من الطرف السوري، وفي الوقت ذاته تكون عائلته موجودة في الطرف التركي، وتوقيع ورقة تؤكد موافقته على خروج الطفل من تركيا، وعبر التواصل المباشر بين إدارتي المعبرين تجري عملية الموافقة والسماح بخروج العائلة، وفق ما رصده الناشط الحقوقي.
وفي حال كان الطفل مولودًا في سوريا قبل دخوله إلى تركيا، يُطلب من الأبوين كبديل عن “الكملك” أو “وثيقة ولادة”، دفتر عائلة موثّق من الكاتب العدل (نوتر)، للسماح بخروج الطفل مع والدته من المعبر التركي.
أما في حال عودة السوريين عبر المطارات التركية أو من معبر “كسب”، فيُطلب بشكل حصري ورقة الوصاية من الأب، لإمكانية استخراج الورقة من الكاتب العدل في مناطق نفوذ النظام ثم تصديقها بالقنصلية السورية، وهو ما ليس متوفرًا في مناطق شمالي سوريا الخارجة عن نفوذ النظام.
ويعاني السوريون المقيمون شمال غربي سوريا، بعد ترحيلهم من تركيا، وضعًا معيشيًا مترديًا مقارنة بظروفهم خلال فترة إقامتهم في تركيا، ويبحث معظمهم عن فرص عمل توازن بين مصاريف عائلاتهم التي بقيت في تركيا وقيمة الدخل في سوريا.
ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و351 ألفًا و582 لاجئًا سوريًا، بموجب “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائيات المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية، الصادرة في حزيران الحالي.
ومع استمرار تحديث القوانين المتعلقة باللاجئين السوريين في تركيا بشكل دوري، وتضييق النطاق الجغرافي المتاح لإقامة السوريين في تركيا، بات من الضروري بالنسبة للعائلات السورية أن تكون قيودهم القانونية صادرة عن الولاية نفسها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :