عنب بلدي – رأس العين
مع بدء موسم الحصاد منذ أيام، واجه مزارعو تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا مشكلات تمثلت بانخفاض تسعيرة شراء القمح، وفرض ضريبة بقيمة عشرة دولارات على كل طن من الحبوب، سبقها بشهر حفر خندق في أراضيهم الخاصة قرب الحدود السورية- التركية.
سادت حالة استياء عام واحتجاجات عقب هذه المشكلات، لتلغي المجالس المحلية الضريبة، وتنشر فصائل عاملة في المنطقة ووزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” بيانًا بعدم وجود أي فصيل يفرض “إتاوات”، في حين تلقى المزارعون وعودًا بتعويض مالي في قضية الحفر ضمن أراضيهم.
في المنطقة الواقعة تحت سيطرة “الحكومة المؤقتة”، تتداخل المسؤوليات بينها وبين المجالس المحلية التي تدير كل منطقة، فـ”المؤقتة” رافضة لوضع أي رسوم، في حين فرض كل مجلس محلي رسومًا مختلفة تحت اسم “رسم شهادة المنشأ الزراعي”، ثم أُلغيت.
رسوم “منشأ”
اشتكى مزارعون في تل أبيض ورأس العين من فرض “إتاوات وضرائب” من قبل فصائل عسكرية ومجالس محلية، ومن انخفاض سعر شراء القمح منهم، إذ حددت “المؤقتة” سعر طن القمح القاسي الصافي من الدرجة الأولى بـ330 دولارًا أمريكيًا، بينما حددت سعر طن القمح الطري بـ285 دولارًا للطن الواحد الصافي.
رسم المنشأ هو رسم يُفرض على المنتج الزراعي عند بيعه، وتُحدد قيمته بناء على قرارات المجالس المحلية أو الجهات المعنية، والهدف منه جمع الأموال التي تُستخدم لتمويل الخدمات العامة في المنطقة الزراعية، مثل تطوير البنية التحتية وتقديم الدعم للمزارع.
المزارع ياسر الزيد من رأس العين، قال لعنب بلدي، إن فرض رسم المنشأ يتسبب في تأثير كبير على المزارعين، ويزيد الضغط والعبء عليهم، وخاصة بعد صدور تسعيرة القمح من قبل “الحكومة المؤقتة”، التي لا تتناسب مع التكاليف.
وأضاف المزارع أن رسم المنشأ يزيد من تكاليف الإنتاج ويؤثر سلبًا على العائدات المالية، لافتًا إلى أن تسعيرة القمح المحددة لا تعكس الواقع الاقتصادي والمتطلبات الزراعية.
ولفت المزارع إلى أهمية مراجعة سياسات فرض رسوم المنشأ وتسعيرة القمح، وضرورة توفير حماية للمزارعين، وتشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي من أجل الحفاظ على استدامته وتحقيق رفاهية الفلاحين وتنمية المجتمع الريفي.
مزارعون في المنطقة قالوا لعنب بلدي، إن فصيل “أحرار الشرقية” في “الجيش الوطني” يملك حاجزين عسكريين على طريق رأس العين عند قريتي محيسن ورجم، ولا يمكن للمزارع صاحب المحصول أن يمر دون أن يدفع المال.
من جهته، قال الناشط الإعلامي محمود العمر لعنب بلدي، إن الوضع المعيشي في المنطقة تأثر سلبًا بسبب نتائج “الإدارة السلبية”، إذ أثرت على القطاع الزراعي بشكل خاص، الذي يعتبر الشريان الحيوي في المنطقة.
ولفت الناشط إلى ضرورة تعزيز التعاون بين المجالس المحلية و”الحكومة المؤقتة” لدعم جميع القطاعات في المنطقة وخاصة الزراعة، التي تلعب دورًا حاسمًا في توفير الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل للمزارعين المحليين.
أربع جهات ترفض الرسوم
في 17 من حزيران الحالي، قالت وزارة الدفاع في “المؤقتة“، إنها ترفض أي تجاوزات بخصوص فرض ضرائب أو رسوم من قبل التشكيلات العسكرية على المحاصيل الزراعية للأهالي والسكان في رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة.
وذكرت أنها أصدرت بهذا الصدد تعليمات إلى إدارة “الشرطة العسكرية”، لمنع حدوث أي تجاوزات، والاستجابة العاجلة لأي شكوى يقدمها المزارعون في المنطقة.
في 13 من حزيران، أعلن المجلس المحلي في مدينة تل أبيض “تنازله” عن رسم شهادة المنشأ، وفي 18 من الشهر نفسه، أصدر المجلس المحلي في رأس العين قرارًا مشابهًا بأنه “تنازل” عن قيمة الرسوم أيضًا.
ونشرت “حركة التحرير والبناء” التابعة لـ”الجيش الوطني” بيانًا، في 12 من حزيران، نفت فيه فرضها ضرائب على المزارعين، وذكرت أنها وجهت قواتها لتسهيل ومساعدة الفلاحين في أثناء عملية حصاد الحبوب، وحماية نقاط تجميع المحاصيل، ووضعت رقمًا للتواصل لتلقي أي شكوى والتجاوب معها.
مدير مكتب الزراعة في المجلس المحلي لمدينة تل أبيض، أيوب الحميدي، قال لعنب بلدي، إن المجلس أقر بإلغاء رسم شهادة المنشأ على الفلاحين، بعد مطالبة من مؤسسة الحبوب التابعة لـ”المؤقتة”، وذكر أن الموافقة تمت على هذا الإلغاء بشرط إضافتها إلى التسعيرة لمصلحة الفلاحين.
وهذه الحال مشابهة في رأس العين، إذ قال رئيس مكتب الزراعة في المدينة، عمر حمود، لعنب بلدي، إن المكتب ملتزم بتقديم أفضل الخدمات للمزارعين، والعمل لتعزيز القطاع الزراعي في المنطقة وتحقيق رفاهية المزارعين، ووضع سياسات تعزز قدرة الفلاحين على الاستفادة الكاملة من خدمات المكتب والحصول على الدعم اللازم.
وتتراوح توقعات الإنتاج من القمح في مدينتي تل أبيض ورأس العين بين 200 و250 ألف طن، وفي ريفي حلب الشمالي والشرقي تصل إلى 40 ألف طن، بحسب ما ذكره وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري.
ما قصة الخندق؟
في 13 من نيسان الماضي، أصدرت وزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة” تعميمًا، بإقامة منطقة عسكرية “محظورة” بعمق 300 متر في مدينتي تل أبيض ورأس العين.
بعد نحو أسبوع من القرار، بدأت آليات وعناصر للقوات التركية بحفر خندق محاذٍ للحدود السورية- التركية ضمن أراضٍ خاصة تعود ملكيتها للمزارعين، بمسافة تبعد 300 متر عن الحدود.
وأدت عملية الحفر إلى احتجاجات واسعة من قبل الأهالي رفضًا للقرار، وتنديدًا باقتطاع مساحات من أراضيهم التي تعد مصدر رزقهم في منطقة يعتمد معظم قاطنيها على الزراعة.
ولم تتحدث الوزارة عن إنشاء خندق ضمن الأراضي الخاصة للمزارعين، كما لم تذكر أن المنطقة محاذية للحدود التركية، وقالت إنها تبدأ من خط التماس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وعلى امتداد جميع الأرياف الواقعة على طول الحدود في مدينتي تل أبيض ورأس العين (منطقة عمليات “نبع السلام”).
وعود بالتعويض
المزارع محمود العشاير من متضرري حفر الخندق، قال لعنب بلدي، إن هذا الإجراء يشكّل تهديدًا كبيرًا على رزقه وأرزاق معظم المزارعين في الأراضي التي طالتها عمليات الحفر.
وأعرب المزارع عن قلقه من تأثير الخندق على الإنتاج الزراعي والعوائد المالية المتوقعة من محصوله، وذكر أن المزارعين اجتمعوا مع المجلس المحلي والمؤسسات الأمنية المعنية بهدف مناقشة القضية وإيجاد حلول للمشكلة.
في هذه اللقاءات، قدم المجلس المحلي برأس العين تطمينات للمزارعين المتضررين، وأكد استعداده لتعويض كل من تضرر من حفر الخندق.
رئيس دائرة الصلح والسلم الأهلي في مجلس القبائل والعشائر السورية بمدينة رأس العين، الشيخ سالم صالح السمير، قال لعنب بلدي، إنه تمت الاستجابة لشكاوى الأهالي والمزارعين بشأن تأثير حفر الخندق على الأراضي.
بعد تواصل المجلس مع الجهات المعنية ووالي المنطقة، جرى الاجتماع واتخاذ القرار بتقليص المسافة المسموح بها لحفر الخنادق من 300 متر إلى 20 مترًا، والحصول على وعود من الجهات المعنية بتعويض الأشخاص المتضررين في حالة اقتطاع أجزاء من أرضهم، من خلال تقديم تعويضات سنوية، بحسب الشيخ سالم صالح السمير.
وشُكّلت لجنة مختصة لعمل إحصاء للأراضي المتضررة، وتتولى هذه اللجنة تقدير الأضرار وتحديد التعويضات.
رئيس فرع “الشرطة العسكرية” برأس العين، المقدم محمود حمزة، قال لعنب بلدي، إنه بعد التشاور مع المعنيين والأهالي، حُفر خندق بعرض لا يتجاوز 20 مترًا، واتُّخذ هذا القرار بهدف الحفاظ على أمن المنطقة وحماية الأهالي من تهديدات المهربين وتجار المخدرات والعصابات.
واعتبر حمزة أن هذا الإجراء جزء من الجهود الأمنية للحد من نشاطات الجريمة، والحفاظ على النظام العام، وتعزيز الرقابة الأمنية وتحسين الرقابة على المناطق الحدودية والمناطق الحساسة من خلال وضع حدود جغرافية واضحة.
سيطر “الجيش الوطني السوري” مدعومًا من تركيا على مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة ومدينة تل أبيض شمالي الرقة بعد معركة عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في تشرين الأول 2019 ضد “قسد”.
شارك بإعداد التقرير مراسل عنب بلدي في رأس العين حسين شعبو