يونس الكريم – كاتب وباحث سوري
يعمل الروس على تغيير خريطة سيطرة السلاح بين النظام والمعارضة على جغرافية سوريا، لصالح حليفهم الأسد، الذي بات العالم يعتبر وجوده خارج أي حل للقضية السورية، وخاصة أن مؤتمر جنيف بنسخته الجديدة (2016) بات يعتبر بوابة الحل السوري، بحسب إجماع الدول الكبرى، وينص على انتقال سياسي لا مكان للأسد فيه.
وتعمل العديد من الدول على دعم حلفائها من المعارضة بطريقة أو بأخرى، لكن هذه الجهود سرعان ما تتبخر مع تعدد الجهات واختلافها. هذا الوضع غير قابل للاستمرار مع تقدم النظام ما يرسم سناريوهين عن سير المعارك خلال الأشهر القلية المقبلة.
سيناريو النظام
استطاع النظام إعادة سيطرته على بلدة نبل والزهراء وبعض القرى المحيطة بها، لينتقل بعدها إلى درعا وقرية عتمان بالتحديد، مع غطاء قصف جوي روسي استمر لأكثر من 48 ساعة، ليسيطر عليها وسط تسريبات أن مقاتلي المعارضة هناك بصدد الاستعداد لاسترجاعها، دون أن يوقف النظام إلقاء جام غضبه على معضمية الشام ومدينة داريا.
وهذا يشير إلى أن النظام يريد تحقيق مكاسب سريعة لأجل جنيف، المؤجل حتى 25 من شباط الجاري، من خلال استراتيجيته المفاجئة مع إدراكه أنه لا يمكن الاحتفاظ بهذه المدن لعدم توفر المقاتلين لديه، الأمر الذي صرح به على لسان الأسد في تموز 2015، رغم الدعم الهائل من قبل الميليشيات الشيعية المختلفة التي هي الأخرى بدأت تسأم من حرب لم تقدم لها إلا خسائر بشرية ولم تعد التعويضات المالية تغطيها.
ولا نهمل العوامل الأخرى التي مهدت سقوط هذه المدن بيد النظام، وهنا نقصد دخول المعارضة بمجال التجارة والنزاعات الداخلية، إضافة إلى أطماعها بإقامة كيانات لها بمحافظة إدلب مدفوعة بدعم إقليمي، وامتهان الابتزاز والضغوطات الإقليمية بسبب مصالح الممولين بالسلاح.
أعتقد أن النظام سيحاول خلخلة الوضع بإدلب، وإن نجح سيتفرغ لدير الزور وبعدها مناطق الإدارة الذاتية، التي يعتقد مدراؤها أن الأمريكيين والروس حلفاؤهم، رغم أن القوى العالمية لا تتحالف مع ميليشيات وإنما تستخدمها على رقعة المصالح وتضحي بها لأجل المصالح نفسها، والأسد حجره أقوى من هؤلاء الذين اعتبروا بدلاء بوقت ما عن الأسد، وقد ينتهي دورهم قريبًا.
سيناريو المعارضة
ربما يتدفق السلاح إلى المعارضة وتعيد سيطرتها على المناطق التي خسرتها وتسيطر على بعض من نقاط النظام، لكن مع كل تقدم للمعارضة سيتم التغير ببنيتها، إذ سيتم التركيز على إعادة بناء مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، لكن هذه المرة سيكون للمنظمات المدنية دور كبير بالعملية، وهذا ما يمكن قراءته من تنامي هذه المشروعات وتنوعها بمناطق سيطرة المعارضة، ويعني أن الحرب ستستمر إلى ما بعد 2016 وحتى منتصف 2017، ليخرج الأسد إلى منفاه الأخير مع عائلته ومقربيه.
بين هذين السيناريوهين أرجح أن يتحقق سيناريو المعارضة، وخلال أيام قليلة نشهد ذلك نظرًا لعدة أسباب:
- يقطن حلب و درعا عددٌ كبير من معارضي النظام، ما يجعل أي اختلال في ميزان القوى يسبب حدوث نكسة كبيرة على الدول المجاورة للمدينتين، والتي تعيش أصلًا تدفقًا للهاربين من المعارك، إذ تشير تقارير دولية إلى أن عدد النازحين إلى الحدود التركية وصل مؤخرًا إلى 70 ألفًا، بينما صرح ملك الأردن بأن دولته باتت على “صفيح من نار”، بسبب تزايد أعداد النازحين.
كمان أن هذه الدول لن تستطيع منع اللاجئين إليها من التوجه إلى أوروبا، الأمر الذي يرفضه الاتحاد الأوروبي ويتخوف منه. - خسارة المعارضة تعطي لمحور النفط الإيراني الروسي صعودًا كبيرًا، على حساب محور النفط التركي القطري السعودي، وهو ما لن يسمح به المحور الأخير، بعد الاتفاق النووي الإيراني.
- انتصار النظام يقوي من الحوثيين باليمن وهي الخاصرة الرخوة للخليج، وأسواق العالم غير جاهزة حاليًا لهزة كبيرة في أسعار النفط تودي إلى خلخلات كبيرة بالاقتصاديات الكبرى.
- انتصار المحور الروسي الإيراني سوف يعمل على رفع أسهم صناعة السلاح لديهم، وهو ما يعني السيطرة على جزء من حصة السلاح للغرب وحلفائه.
- ستفقد معارك محاربة “داعش” الحاضنة الشعبية لها، وذلك من خلال دخول كثير من مقاتلي الجيش الحر تحت عباءة داعش للثأر من الروس والنظام، وما عملية قتل ضابط روسي على يد “داعش”، حسب بيان وزارة الدفاع الروسية، إلا بطاقة دعوة لهؤلاء المقاتلين للانضمام إلى صفوفهم.
أخيرًا، إن انتصار روسيا سيجعل دولًا كثيرة تعيد التفكير بولائها للأمريكيين وأوروبا، وأولهم أوكرانيا واليونان، وسيكون لذلك تبعات كثيرة على تشكل القوى العالمية وخرائطها الاقتصادية لمئة عام مقبلة.