سيرين عبد النور – أورفا
بعيدًا عن جمال وهدوء مدينة أورفا التركية، ذات الطابع الريفي البسيط، تشهد أزقة المدينة وحاراتها تجارة نشطة للمواد المخدرة، والتي أضحت مصدر رزق لعشرات الشباب السوريين. ويعتمد “الزبائن” على مصادر متنوعة لتأمين “الحشيش“، هربًا من واقعهم المتردي في مدن غريبة ذات تكاليف مرتفعة.
يقيم عمر، وهو سوري يبيع “الحشيش” في أورفا، داخل غرفة في أحد فنادق المدينة، وقد التقته عنب بلدي في مكان عام، وقال إنه كان يعمل حلاقًا في وقت سابق، إلا أنه نادرًا ما يخرج من غرفته حاليًا، “باستثناء بعض المشاوير القليلة لإحضار البضاعة وتخزينها”، على حد وصفه.
ويستلم عمر كمية من المخدرات، موزعة على عدة أكياس كل حسب وزنه، منها يحوي عشرة غرامات وأخرى 25 غرامًا من المواد المخدرة، موضحًا أنه يعتمد على أصدقائه الشباب في تسويق بضاعته، لـ “نبيعها في وقت أسرع ونصل إلى مناطق أوسع في المدينة، فضلًا عن تخفيف الخطر الأمني وتقليل الشبهات من خلال زيادة عدد الشباب الموزعين”.
الحشيش “للكيف”
يصرّ عمر على أن تجارة الحشيش “غير مؤذية”، ويقول ضاحكًا “لو نريد أن نضر الناس كنا وزعنا بودرة (كوكائين وهيروئين)، فهي أكثر ربحًا”، إذ طلب التجار منه توزيع “البودرة”، لكنه رفض خوفًا على حياة الناس، “فالحشيش للكيف أما البودرة تسبب الإدمان والموت”، على حد تعبيره.
عنب بلدي التقت مع حسين، وهو سوري يعمل في سوق الهاشمية بأورفا، وأوضح رواج أصناف من المخدرات على حساب غيرها، معتبرًا أن “الحشيش هو الأكثر تعاطيًا وانتشارًا، إذ يطلب أغلب المدمنين السوريين المادة لرخص أسعارها مقارنة مع باقي الأصناف”.
ويتراوح سعر عشرة غرامات من الحشيش بين 90 و100 ليرة تركية، بينما يتجاوز سعر الكمية نفسها من الهيروئين حاجز 1200 ليرة تركية، وفق حسين.
ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة التركية لمكافحة ترويج المخدرات، إلا أنها تبقى “قاصرة” عن تلافي المشكلة، بحسب وصف حسين، وعزا ذلك لعدة أسباب أهمها أن المروجين يتعاملون داخل التجمعات السورية، في المناطق والأحياء الفقيرة، “وهي بعيدة عن عيون البوليس التركي ومعزولة عنه بحاجز اللغة”.
أربع فئات تعمل في “تجارة الحشيش“
وصنّف حسين العاملين في تجارة الحشيش، إلى أربع فئات، على رأسها التجار الأساسيون “المعلمون الكبار”، الذين لا يظهرون مطلقًا ومعظمهم من الأتراك، ويعملون في هذا المجال منذ فترة طويلة، ويمولون التجارة ويحصلون على الأرباح فقط، على حد وصفه.
الفئة الثانية بحسب حسين تسمى “المحركين”، وهم من يتولى عقد الصفقات، بينما تتولى الثالثة “الحويصة” التنسيق مع المهربين، واستلام وتسليم البضائع وتقسيمها وتوزيعها على “المروجيين الصغار”، وهم الفئة الرابعة ويوزعون المادة بدورهم بحسب مناطقهم وزبائنهم.
وتنتشر أصناف عديدة من المواد المخدرة بين السوريين في أورفا، وفق حسين، وتقسّم المواد بحسب تأثيرها على الجسم إلى ثلاثة أصناف، المواد المنشطة مثل “الكبتكو”، والمسكنة (المثبطة) مثل الكودايين، والمورفيين، والميتادون، بينما يصنف “الحشيش” ضمن المواد المهلوسة.
“الشباب المستهتر يجلب السمعة السيئة“
يخشى أنس، وهو مدرس سوري في مدينة أورفا، من ارتباط السوريين بالجريمة والعنف والمخدرات بعيدًا عن بلادهم، وقال “يكفينا ما دمرته الحرب فينا وببلدنا، لماذا يصر البعض على قتل بقايا الروح؟”.
الشاب، الذي يُدرّس اللغة العربية اشتكى في حديثه لعنب بلدي، من “الشبهة والسمعة السيئة” التي لحقت بالشباب السوري في المدينة، معتبرًا أن “بعض الشباب المستهتر يجلب الشك بخصوص السوريين”.
وحذّر أنس من “خطورة السكوت عن هذه الأمور، التي قد تتفاقم أضرارها إذا وصلت المخدرات إلى المراهقين واليافعين، وأصبح من السهولة بمكان حصول الطفل الذي لا يتجاوز عمره 12 عامًا عليها من بائع بسطة على حافة الطريق”.
المدرس السوري وصف الجو في تركيا بـ “المشجع على التعاطي”، عازيًا السبب “لكثرة الضغوط النفسية التي تفرضها الغربة والبطالة، فضلًا عن اليأس والإحباط والخوف من المستقبل الذي ينتاب جميع السوريين هنا”.
واعتبر معظم من التقتهم عنب بلدي أن الشباب السوري ينقصه الاهتمام والرعاية، من الجمعيات المعنية والجهات المسؤولة عنهم في تركيا، لافتين إلى “ضرورة تدارك الأوضاع، وخاصة بعد لجوء قلة من الأفراد إلى السرقة، ما يطرح خطر تفشي الجريمة بين السوريين على نطاق واسع خلال السنوات المقبلة”.
وتستمر تجارة المخدرات من خلال شبكات خاصة، أسست طرقًا لنقلها من سوريا إلى تركيا، بحسب تقارير الحكومة التركية، التي ضبطت أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، مواد وحبوبًا مخدرة على حدودها مع سوريا.
لكن ما يثير القلق، بحسب الناشطين السوريين، أن غالبية أطراف هذه التجارة سوريون لأن التجار يستغلون حاجتهم المادية، إذ توزع المواد بعد تهريبها على يد مروجين 70% منهم سوريون.
وذكر الناشطون أن العديد من الأسماء المعروفة، ذاع صيتها في تجارة المخدرات ومنها، “أبو يوسف مرسين”، و”القزق الديري”، وأصبح لديهم شبكات ممتدة من أورفا إلى مرسين، واسطنبول، وإزمير، والعديد من المدن التركية الأخرى.