أرباح المركزي من فروقات السعر بين دولار الحوالات والسوق السوداء

  • 2016/02/14
  • 3:10 ص

عمر الحلبي – عنب بلدي

منذ تموز 2011  بدأت “سبحة” الليرة السورية “تكر” أمام الدولار لأسباب عديدة، أبرزها اندلاع الثورة وما من عقوبات اقتصادية فرضتها دول غربية على النظام. وقتها خرج حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة للقول إنّ الليرة قوية، وإن سعر الدولار وهمي، والمصرف قادر على تلبية احتياجات السوق من القطع الأجنبي، وليتهم مرارًا الإعلام بتأجيج السوق وتحميل الأمر أكثر مما يحتمل.

طيلة السنوات الخمس الماضية كرر ميالة الكلام نفسه، مع اختلاف جوهري في واقع الحال الاقتصادي، فعلى مرأى السوريين جميعهم تدرج سعر الدولار من 47 ليرة في آذار 2011 ليصل اليوم (شباط 2016) إلى 440 ليرة.

الارتفاع في سعر الصرف إلى هذا الحد جرّ معه “الويلات” على المواطنين لجهة ارتفاع الأسعار حوالي عشرة أضعاف، وكذلك ارتفاع مستويات التضخم 300%، وهذا ما خلّف حالة معيشية متردية ورفع معدلات الفقر إلى حوالي 90%.

لم يتمكن المصرف المركزي من الحفاظ على سعر الصرف عند الحدود التي وعد بتثبيته عندها في كل مرة، وعلى لسان حاكمه ومن يمثله. على العكس من ذلك، كانت الليرة تتراجع مع كل مطب وعند كل أزمة أمنية جديدة أو تهديد يطال النظام، وكان للقرارات التي أصدرها بهذا الشأن الانعكاس السلبي على سعر الصرف.

خلال العام 2013، أصدر المركزي القرار رقم القرار رقم 506/507 وألزم بموجيه شركات الصرافة العاملة والمرخصة في السوق بتسليم الحوالات الواردة إلى السوريين، والتي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دولار بالليرة السورية، وفق نشرة أسعار تحدّث يوميًا وتصدر عن المصرف المركزي، إلى جانب نشرات أخرى لأسعار القطع (المستوردات، التدخل، أغراض السفر .. إلخ).

قرارات بمفعول عكسي على الليرة

كان الهدف من القرار، وفق التبريرات التي ساقها المصرف، دعم الاحتياطي النقدي من القطع الأجنبي، وذلك بالتوازي مع شح الواردات، بعدما انقطع تصدير النفط ومعه صادرات النسيج والمواد الغذائية وغيرها “بسبب العقوبات وانتشار أعمال العنف”.

لكن القرار سرعان ما جاء بمفعول عكسي مغاير للهدف الذي وضع لأجله، فسعر دولار الحوالات بقي أخفض من سعر دولار السوق السوداء، وسرعان ما أصبح فرق السعر في النصف الثاني من 2015 نحو 40 ليرة، وهو ما دفع المواطنين لتجنب التحويل إلى ذويهم في الداخل عبر القنوات الرسمية، تفاديًا للخسائر التي سيمنون بها بعد تحويل المبلغ المرسل إلى الليرة السورية وبالسعر الذي يحدده المركزي، والذي يبتعد عن السعر الحقيقي في السوق السوداء.

هنا، حُرم المركزي إلى حد كبير من عائدات الحوالات المالية الكاملة، لأن الخسارة وقعت على المحولين أولًا وأخيرًا.

أحد المحللين الاقتصاديين من دمشق، اشترط عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي إن “قرار تسليم الحوالات بالليرة السورية عبارة عن سرقة لممتلكات المواطنين في الخارج، يريد من وضعه تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح من فارق السعر بين السوق السوداء والسعر الرسمي”.

ويلفت المحلل إلى أن قرار تسليم الحوالات بالليرة السورية، رفع سعر الدولار في السوق وجاء بمفعول عكسي عبر امتناع المواطنين عن التحويلات النظامية واللجوء إلى “تهريب العملة” عبر التحويل مع الأقارب أو المعارف، لافتًا إلى انتشار مهنة التحويل في مكاتب تكون في الظاهر تجارية تختص ببيع وشراء أي شيء، لكن جوهر عملها إرسال واستقبال العملات من وإلى مناطق النظام.

يؤكد المحلل أن المركزي سعى خلال الفترة الماضية من عمر الأزمة إلى إصدار قرارات للحد من الارتفاعات لسعر الصرف، وحرص على إقامة جلسات التدخل، لكن دون نتيجة، وقد جاء قرار تسليم الحوالات بالليرة في هذا الإطار، ورغبة منه في تعزيز الاحتياطي لديه، والبالغ وفق التقديرات 18 مليار دولار.

حجم تحويلات المغتربين السوريين

تشير الأرقام الرسمية المنشورة حول حجم تحويلات المغتربين السوريين من الخارج إلى أنها تقدر بحوالي 50 مليار دولار سنويًا بين الأعوام 1990 – 2007، ووفق بيانات مصرف سوريا المركزي، فإن قيمة التحويلات المالية وصلت خلال العام 2014 ما يقارب سبعة ملايين دولار يوميًا، أي ما مجموعه سنويًا 2.5 مليار دولار، وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من النظام، شهدت هذه التحويلات زيادة واضحة عن التقديرات الواردة في التقرير الاقتصادي العربي لعام 2014، التي بيّنت أن التحويلات الجارية إلى سوريا عادت وارتفعت عام 2012 لتصل إلى 1.035 مليار دولار، بعد أن سجلت عام 2011 مبلغًا قدره 837 مليون دولار، وفي عام 2010 نحو 949 مليون دولار.

جنبًا إلى جنب سار دولار السوق السوداء مع دولار الحوالات أمام الليرة السورية، وارتفع الأخير رسميًا بضغط دولار السوق، وكان الفرق حوالي 20 ليرة ووصل في بداية العام الحالي لنحو 40 ليرة، حيث وصل سعر دولار السوق السوداء إلى 440 ليرة في حين بقي سعر دولار الحوالات بـ 354 ليرة بفارق 86 ليرة، وهذا السعر هو “فرق عملة” يحصل عليه المركزي وشركات الصرافة من كل دولار يحول رسميًا إلى داخل سوريا فيما لو تم تصريفه في السوق السوداء.

فرق أرباح دولار الحوالات

يقول الباحث الاقتصادي إن عوائد التصريف تذهب إلى المصرف المركزي ويستفيد منها، “وهو الرابح الأول من فرق السعر بين دولار السوق ودولار الحوالات”، مشيرًا إلى أنه لا مصلحة للمركزي برفع سعر الحوالات لأن أرباحه ستتقلص تلقائيًا.

وإذا حسبنا أن الحوالات السنوية إلى سوريا ووفق الأرقام المصرح بها حوالي 2.5 مليار دولار، فيكون السعر على دولار 440 ليرة (سعر الدولار في السوق) يعادل 1100 مليار ليرة سورية.

وإذا حسبنا أن الحوالات السنوية إلى سوريا ووفق الأرقام المصرح بها حوالي 2.5 مليار دولار، فيكون السعر على 354 ليرة (سعر دولار الحوالات رسميًا) يعادل 885 مليار ليرة سورية.

وباحتساب الفرق بين الرقمين (1100 مليار ليرة – 885 مليارليرة) نجد أن أرباح المصرف المركزي تبلغ 215 مليار ليرة، أي 488 مليون دولار، يجنيها كـ “فرق” من الحوالات فقط.

ويفسر هذا المبلغ القادم من دولار الحوالات مدى لهفة الحكومة الحالية إلى البحث عن موارد مالية جديدة لسد العجز، بعدما انقطعت الموارد الأساسية المتأتية من تصدير النفط، ومن عائدات السياحة وتحويلات المغتربين بطبيعة الحال، ويفسر أيضًا سعي المركزي لتثبيت دولار الحولات عند حد معين بحثًا عن العوائد كما يقول مواطنون.

ومن المتوقع خلال الفترة المقبلة، فيما لو بقيت الأمور السياسية معلقة دون حلول، أن تلجأ الحكومة والمركزي لقرارات جديدة مشابهة من أجل تدعيم المركز المالي للنظام الذي بات يعتاش على الضرائب من المواطنين تحت سيطرته، ومن المساعدات من روسيا وإيران.

مقالات متعلقة

اقتصاد

المزيد من اقتصاد