الليرة السورية تترنح مع “إنجازات” جيش الأسد في حلب
مراد عبد الله – عنب بلدي
تراجعت الليرة السورية أمام الدولار بشكل قياسي خلال شهر شباط الجاري، ليصل سعر الدولار لأول مرة في تاريخ سوريا إلى حدود 440 ليرة.
وتراجع سعر صرف الليرة بشكل بطيء من 45 ليرة للدولار بنهاية 2010، أي قبل بدء الثورة السورية، إلى نحو 75 ليرة بنهاية العام 2011، ليصل في مطلع 2012 إلى حدود 113 ليرة، ليبدأ بالتراجع شيئًا فشيئًا إلى أن وصل في أيلول 2014 إلى 190 ليرة للدولار الواحد.
ولكن أمام هذا التراجع في سعر الصرف، يرى محللون اقتصاديون أن الليرة السورية بقيت صامدة رغم حالة التدهور الحاد الذي شهده الاقتصاد السوري نتيجة مرور أربع سنوات على الحرب، وأن سعر الصرف الحالي متوازن أمام حجم الخسارة الاقتصادية المقدرة بحوالي 247 مليار دولار، وفق أرقام المركز السوري لبحوث السياسات 2015.
وأرجع المحللون ذلك إلى سببين: تدخلات البنك المركزي السوري وضخ ملايين الدولارت في السوق من احتياطات العملة الصعبة لتثبيت سعر صرف الليرة، إضافة إلى الدعم المقدم من إيران وروسيا والصين الذين كانوا يدعمون النظام بمقدار نصف مليار دولار شهريًا، بحسب تصريحات نائب رئيس الوزراء المكلف بالشؤون الاقتصادية حينها، قدري جميل.
وبالرغم من استمرار دعم الحلفاء اقتصاديًا وماليًا، إلا أن الليرة شهدت تراجعًا حادًا في 2015 لتصل في 9 تموز 2015 إلى 300 ليرة للدولار الواحد، وانخفضت قيمتها بمعدل 83%، وهذا يعني أن القوة الشرائية لليرة انخفضتْ بمعدل 20.75% في كل سنة.
المركزي: المسلحون سبب انهيار العملة
ومع إعلان رفع العقوبات عن إيران مطلع العام الجاري توقع الكثيرون زيادة دعمها لحليفها في دمشق، ما سيؤدي إلى تحسن في سعر صرف الليرة السورية، ولكن ما حصل هو العكس تمامًا، فبعد أن كان سعر الصرف بداية 2016 عند 391 ليرة تراجع خلال شهرين أكثر من 50 ليرة ليصل إلى 442 ليرة في ظل توقعات وصوله إلى حدود 500 ليرة للدولار الواحد.
المصرف المركزي أوضح أن سبب تراجع سعر الصرف في دمشق خلال اليومين الماضيين، هو هروب المسلحين وعائلاتهم إلى تركيا، ومعهم كميات كبيرة من الدولار بسبب تقدم الجيش، واحتياج كل عائلة إلى عشرة آلاف دولار لاجتياز الحدود التركية والوصول إلى أوروبا، وهو ما أدى إلى انتقال جانب من هذا الطلب المتصاعد نحو محافظة دمشق التي تعتبر المركز الرئيسي لتدخل مصرف سوريا المركزي وتوافر معروض القطع الأجنبي، وساهم ذلك في رفع سعر الصرف فيها بشكل كبير، على حد قوله.
وكان أديب ميالة، حاكم المصرف، يخرج في كل مرة للقول إن تقدم الجيش حسّن سعر الصرف، لكن الأمر هذه المرة مخالف تمامًا، لأن تقدمه في حلب تزامن مع تدهور الليرة، ما يشير إلى أنه لا يوجد علاقة رابطة بين تقدم قوات الأسد ومستويات سعر الصرف، “القضية اقتصادية بحتة أي عرض وطلب”، بحسب تعبير أحد المحللين لعنب بلدي.
الأسباب الحقيقية لتراجع الليرة
وقال محلل اقتصادي من دمشق لعنب بلدي، رفض الكشف عن اسمه، إن “السماح لشركات الصرافة بلعب دور الوسيط بين المصرف المركزي والمستوردين خطأ فادح لا يجوز السماح به ولا التهاون معه، لأن السلعة الوحيدة التي تتعامل معها هذه الشركات هي القطع الجنبي والليرة السورية، إذًا مهمتها الوحيدة: تحويل عمليات نقدية وبالتالي ستعمل على المضاربة على الليرة السورية”.
“الحقيقة أمر مخيف ومربك، المشكلة هي حرب إعلامية إضافة للحرب العسكرية تشن على الاقتصاد السوري، قوامها الإشاعات والقرارات الاقتصادية غير المدروسة”، بحسب المحلل، الذي عزا ارتفاع الأسعار الرئيسي إلى الإشاعات القوية جدًا حول منع الاستيراد، وما يعزز هذه القناعة هو عدم منح إجازات استيراد ما جعل المستوردين يمسكون بضائعهم”.
وأضاف المحلل ”أرى أن أفضل ما يمكن فعله هو طمأنة المستوردين فورًا بمنح إجازات الاستيراد، بشرط أن يؤمّنوا القطع الأجنبي بوسائلهم لكافة السلع، عدا الأغذية والأدوية والمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج (على اعتبارها سلعًا أساسيًا يتوجب على الدولة تأمينها“.
تراجع احتياطي المركزي يلعب دورًا
ومن أهم أسباب صعود الدولار أمام الليرة السورية، تراجع احتياطي البنك المركزي السوري من القطع الأجنبي من 19 مليار دولار إلى ما دون أربعة مليارات دولار، إضافة إلى تراجع إيرادات النظام السوري النفطية نحو أربعة مليارات دولار، نتيجة انخفاض الإنتاج من 400 ألف برميل يوميًا إلى ما دون تسعة آلاف برميل.
وبفرض الدول الغربية عقوبات على روسيا، حُرم النظام السوري من دعم مالي كان يقدمه الروس، بينما خفضت إيراداته، وهي قليلة أساسًا، بسبب تراجع أسعار النفط عالميًا.
وباستمرار الحملة العسكرية “الشرسة” التي يشنها النظام على كامل سوريا لإنهاءِ الثورة، يتخوف السوريون، الذين يعيش 85% منهم تحت خط الفقر، بانهيار عملتهم لتصبح مثل عملة زيمبابوي التي طبعت آخر ورقة نقدية بقيمة 100 تريليون دولار، ولم تكن كافية لاستقلال حافلة لمسافة صغيرة في العاصمة هراري عام 2008.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :