عاد رجل الأعمال السوري أيمن أصفري إلى دائرة الضوء الإعلامي بعد إطلاقه مبادرة “مدنية” في العاصمة الفرنسية، التي تطالب بـ”الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”.
وبعد غياب عن المشهد السياسي لسنوات، برز أصفري إلى الساحة عبر مبادرة “مدنية”، التي أطلقها في “المعهد العربي” بباريس في 5 و6 من حزيران الحالي، بحضور ممثلين عن أكثر من 180 منظمة مدنية سورية، ومسؤولين ودبلوماسيين من عدة دول فاعلة بالملف السوري، وفق البيان الختامي للمبادرة.
تعرف مبادرة “مدنية” عن نفسها، التي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال السوري، بأنها “جهة مستقلة عن أي نفوذ سياسي أو أجنبي، تهدف إلى حماية الفضاء المدني السوري، وتعزيز فاعليته في منصات صنع القرار”.
طرحت عنب بلدي أسئلة على أيمن أصفري، لتوضيح دور “مدنية” بين منظمات المجتمع المدني السورية المتعددة، وخططها وطبيعة حشد هذا العدد من المنظمات في منصة واحدة مؤخرًا.
الحشد لا التمثيل
جمعت “مدنية” أكثر من 180 منظمة مدنية سورية تحت سقف واحد في مؤتمر انطلاقها، وهو يعد أكبر تجمع لمنظمات المجتمع المدني السوري، ويضاهي “غرفة دعم المجتمع المدني” (CSSR)، التي أعلن عنها المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، في جنيف عام 2016، حيث ألقت على عاتقها متابعة العملية السياسية.
ولم تحظَ هذه المنصة بالدعم من قبل أعضائها بعد فترة قصيرة من تأسيسها، ففي عام 2017، أصدرت عدة منظمات سورية بيانًا أعلنت فيه اعتذارها عن عدم تلبية دعوة رسمية وُجهت لها لحضور اجتماعات “غرفة المجتمع المدني”.
وأشارت المنظمات حينها إلى تنامي الشعور لديها بالافتقاد للجدّية المطلوبة في التعامل مع نقاشات “غرفة المجتمع المدني” ومخرجاتها.
في معرض رده على سؤال بشأن فرصة بروز “مدنية” كجهة قيادية للمجتمع المدني السوري، وهل كان ينتظر من الدول الفاعلة والأمم المتحدة دعمها، قال أيمن أصفري، “(مدنية) هي محاولة لجمع جميع الجهات الفاعلة والمنظمات المدنية تحت مظلة واحدة لاستعادة الفاعلية السياسية للفضاء المدني السوري، وكيفية مشاركة السوريين بصنع القرار في بلدهم”.
وأضاف، “لا تهدف (مدنية) إلى تمثيل منظمات المجتمع المدني السورية الأعضاء، عوضًا عن ذلك، تسعى جاهدة لحشد الأعضاء داخل مظلتها القائمة على القيم المشتركة لرفع مستوى وجودهم وتقديمهم كنظراء حقيقيين في عمليات صنع القرار المتعلقة بسوريا، وبذل الجهود كلها لتعزيز كفاءتهم على طول الطريق”.
وبخصوص جهة وطبيعة الدعم لـ”مدنية” ، أجاب أصفري أن “(مدنية) أُسست وستبقى بقيادة وتمويل سوري بحت، ولذلك من الضروري أن يُبنى أي دعم لـ(مدنية) من الدول النشطة في القضية السورية أو الأمم المتحدة على قيم المجتمع المدني السوري، وهذا يعني أن يتسم الدعم بالتزام حقيقي بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، مع التركيز على تمكين الفاعلين المحليين، وتسهيل مشاركتهم الهادفة في تشكيل مستقبل سوريا، واحترام الاستقلال الذاتي للمجتمع المدني السوري”.
“من الضروري أن تكمل مشاركة الجهات الخارجية أصوات وتطلعات مؤسسات المجتمع المدني السوري المحلية، عوضًا عن فرض جداول الأعمال أو تقويض الملكية المحلية”، أضاف الأصفري.
وتشارك منظمات المجتمع المدني السوري في عدة فعاليات دولية أحدثها مؤتمر “بروكسل” بنسخته السابعة، في اليوم الأول من المؤتمر، الذي حظي بحضور واسع لمنظمات المجتمع المدني المنتشرة في عموم الجغرافيا السورية ودول الجوار، وسط انتقادات لمحاور بعض الجلسات من قبل الحضور، كاختيار “مشاريع التعافي المبكر” عنوانًا لجلسة تضمنت مناقشة الاحتياجات الأساسية في سوريا.
رفض الدور السياسي
طُرح في الوسط الإعلامي عن محاولة أيمن أصفري دخول المعادلة السياسية السورية من بوابة “مدنية”، بعد أن أُعلن عنها، وهو ما نفاه رئيس مجلس إدارتها، مؤكدًا أنه لا يتطلع لأي طموح سياسي، ولا أحد من أعضاء المبادرة يتطلع لتأسيس حزب سياسي، أو أخذ دور الأجسام السياسية الحالية، ضمن مقابلات إعلامية سابقة.
وسبق أن رفض أيمن أصفري أي دور سياسي ضمن المعارضة السورية عام 2016، بعد أن شارك في مؤتمر المعارضة بالرياض عام 2015، الذي انبثقت عنه “هيئة التفاوض”، ليتردد اسمه كأحد المسؤولين في “الائتلاف الوطني السوري”، وخصوصًا بعد استقالة رئيسه الأسبق، أحمد الجربا، مؤكدًا حينها في مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (BBC) أنه لم يعرض عليه أي منصب في “الائتلاف”، وأنه لو عُرض عليه لرفض.
وحول أسباب رفض أيمن أصفري أي دور سياسي في سوريا، رغم علاقاته القوية واطلاعه على الملف السوري منذ البدايات، قال لعنب بلدي، “كرجل أعمال، رفضت الانخراط في أي جسم سياسي، لأن هذا يتوافق مع دوري المدني وثقتي بمؤسسات المجتمع المدني السوري”.
“منذ البداية، كانت مساعي ذات طبيعة مدنية بحتة، مدفوعة بإيماني الراسخ بأن المجتمع المدني السوري هو اللبنة التي ستعزز التغيير المستدام في سوريا، وإدراكًا للدور المحوري للفضاء المدني السوري، كرست جهودي لدعم وتمكين المجتمع المدني السوري، مع التركيز بشكل خاص على المبادرات الإنسانية”، وفق ما قاله.
وبشأن دوره الحالي مع “مدنية”، قال أصفري، “في الوقت الحالي، من خلال (مدنية)، نسعى جاهدين لتسهيل التعاون بين مختلف منظمات المجتمع المدني السوري، ما يعزز رؤيتنا لمستقبل حر وديمقراطي لسوريا”.
وبعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، وبسبب وقوفه في صف المعارضة، حاول النظام تشويه سمعته، عبر اتهامه “بالفساد” عبر وسائل إعلام موالية، والادعاء في عام 2013 بأنه حصل على قروض بمئات ملايين الدولارات من المصارف السورية، وهرب بها، دون تقديم أي دلائل على ذلك.
رؤيته للمستقبل السياسي السوري
يشهد الملف السوري نشاطًا ملحوظًا منذ كارثة الزلزال في شباط الماضي، تمثّل بتطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع النظام السوري، وإعادته إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية، وظهور مبادرات جديدة مثل “مدنية”، ومبادرة العميد المنشق مناف طلاس لمرحلة انتقالية في سوريا تشمل جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي بهدف الوصول إلى حل سياسي.
وفي إجابته عن سؤال بشأن توقعاته للمرحلة المقبلة السياسية في سوريا، في ظل عودة النشاط للملف السوري، قال أيمن أصفري، “في الوقت الحالي، من الواضح أن تصرفات النظام السوري عاقت أي عملية سياسية ذات مغزى، علاوة على ذلك، نشهد اتجاهات مقلقة للتطبيع، حيث لم يُحاسب النظام على عدم اتخاذ أي إجراءات جوهرية تأذن ببدء العملية السياسية”.
وأكد أصفري أهمية دور وموقف “مدنية” في هذا السياق، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن “2254”، و”رؤيتها في تمكين الصوت السوري الحر، الذي دعا باستمرار إلى تلبية مطالبه منذ انطلاق الثورة السورية قبل 12 عامًا”.
وأوضح أصفري علاقته مع المبادرات المطروحة مؤخرًا قائلًا، “نحن لا ننسق أو نشارك في أي مبادرات ناشئة حديثًا، ومع ذلك، نأمل بشدة أن تعطي أي مساعٍ مستقبلية الأولوية لإدراج الأصوات السورية المتنوعة، ودعم حقوق الإنسان، والسعي لتحقيق الاستقرار المستدام. داخل (مدنية)، يبقى تركيزنا الوحيد على المجتمع المدني ومنظماته”.
وأضاف، “هدفنا هو دمج المجتمع المدني في العملية السياسية، وتأكيد قدرة المجتمع المدني السوري على سد الفجوة بين السياسة والشعب، في حين أننا قد لا نمتلك السلطة لتحديد موعد تفعيل العملية السياسية، فإننا في (مدنية) نعمل بلا كلل لممارسة دور مؤثر في مجال صنع القرار، ما يضمن أن تصرفات الكيانات السياسية والدولية المختلفة تصب في رؤيتنا”.
واختتم رجل الأعمال السوري حديثه قائلًا، “في حال وجود أي عملية أو حل سياسي من دون المجتمع المدني السوري، سيكون هناك فراغ، وهو الوحيد القادر على ملء هذا الفراغ، المجتمع المدني هو الحامل الأساسي لمطالب الثورة والصوت السوري الحر، وسيبقى حاملًا لهذه المطالب مهما طال الوقت”.
–