اللاإنجابيون.. نزلاء دور العجزة القادمون

  • 2023/06/18
  • 2:20 م
صفوان قسام

صفوان قسام

صفوان قسام

يعتقد اللاإنجابيون أن إنجاب الأطفال قد يكون المسؤول عن مشكلات العالم، كزيادة السكان، والفقر، والتلوث البيئي، ونقص الموارد الطبيعية.

ويتأسس موقفهم عن وعي أو من دونه على أسس فكرية مختلفة كالنظرية البيئية والأخلاق البيئية، وربما كان أهمها مقولات “المالتوسيين الجدد”، الذين استندوا إلى نظرية العالم والقسيس مالتوس في أن الموارد الطبيعية لن تصبح كافية بعد حين، بسبب الزيادة السكانية التي تتضاعف بسرعة، وأن الطبيعية تعيد موازنة أعداد السكان من تلقاء نفسها، من خلال الزلازل والفيضانات والبراكين والأوبئة، أو من خلال عوامل بشرية كالمجاعات والحروب، فقرروا أن يسيروا خطوة إلى الأمام وألا ينتظروا الطبيعة لتفعل فعلتها، فبدؤوا بتسميم المياه أحيانًا، واختراع الأوبئة والفيروسات، وأحيانًا إقناع النساء بالتعقيم كما حصل في الهند أواسط تسعينيات القرن الماضي، حين عرضن عليهن المال مقابل أن يجرين عملية تعقيم، وتعود معظم اختراعات وسائل تنظيم الأسرة ومنع الحمل إليهم.

المشكلة الكبرى أن المجتمعات المتحضرة هي التي استخدمت عمومًا هذه الوسائل، بينما ما زالت المجتمعات النامية ترزح تحت تأثير التضخم السكاني، وهو ما نشاهد آثاره اليوم وسنشاهدها مستقبلًا عندما تصبح المناطق النامية موطنًا ومصدرًا للمشكلات الاجتماعية العالمية بسبب ارتفاع عدد السكان وانتشار الفقر ونقص التعليم والطبابة وانتشار المخدرات والسلاح.

لذا يرفض اللاإنجابيون إنجاب الأطفال، ويعتبرونه خيارهم الشخصي، وتهدف حركتهم إلى تعزيز الوعي بالمسائل البيئية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالنمو السكاني، وتشجيع الناس على اتخاذ قرارات منع الحمل أو عدم الإنجاب.

ويعتبر بعض اللاإنجابيين هذا الاختيار جزءًا من النضال البيئي أو التضامن الاجتماعي، بل ويذهب بعضهم إلى تشجيع التبني من البلدان النامية لللإسهام في توفير حياة كريمة لبعض الأطفال البؤساء.

وهم يعتقدون أن الحصول على الراحة الشخصية وتحقيق التطور الذاتي يعني تجنب الالتزامات العائلية وتحمّل المسؤولية الأبوية، ويركزون على تحقيق أهدافهم الشخصية ومستقبلهم المهني، فبعضهم يعتبر أن العائلة والتكاثر ضمن النظام الاجتماعي التقليدي هو بديل للحياة الشخصية والتطلعات الفردية، فتصبح العائلة بنظرهم مصدرًا للقيود والتضحيات، ويرفضون تبني هذا النمط العائلي التقليدي.

ويؤمن بعض اللاإنجابيين بأنه يمكن تحقيق السعادة والإشباع الشخصي من دون الإنجاب والأبوة والأمومة، وبدلًا من ذلك، يركّزون على تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية، وتطوير علاقات صحية ومعنوية، واستكشاف العالم وتجربة تجارب جديدة.

ويرون أن الإنجاب يعزز التفاوت الاجتماعي ويزيد من حدّة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وأن عدم الإنجاب يمكن أن يؤدي إلى توازن أفضل في الموارد والفرص الاقتصادية، ويعتبرون أن زيادة السكان تزيد من الطلب على الموارد الطبيعية كالمياه والغذاء والطاقة، ما يؤدي إلى تلوث البيئة ونضوب الموارد وانخفاض التنوع البيولوجي.

ربما يعارض بعض اللاإنجابيين استخدام أي وسيلة غير طبيعية لمنع الحمل، ويرونها تدخلًا في العملية الطبيعية للجسم أو يعتبرونها ضارة بالصحة، ويفضّلون الاعتماد على الطرق الطبيعية، مثل تحديد فترات العقم الطبيعية أو التحكم بالتوقيت.

وفي نفس الوقت يوجد لاإنجابيون يعتبرون استخدام وسائل منع الحمل الآمنة والفعالة ضرورية لتحقيق أهدافهم الشخصية والبيئية.

المشكلات التي تترتب على هذا التفكير وهذا التيار، أن تراجع معدلات الإنجاب في بعض البلدان قد يؤدي إلى تحولات ديموغرافية، مثل زيادة نسبة الشيخوخة في السكان، وتراجع النسبة العمرية للشباب، ما سيؤثر على هيكل السكان ويطرح تحديات اجتماعية واقتصادية، مثل تكاليف الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي للمسنين، وقد يؤدي أيضًا إلى تغيرات في النمط الاقتصادي للبلدان، إذ تتضاءل القوى العاملة وتتزايد حاجة البلدان إلى العمالة، ما يمكن أن يؤثر على النمو الاقتصادي والقدرة على تلبية الاحتياجات الاقتصادية للمجتمع، وقد يتسبب ذلك في التأثير على السياسات الحكومية والتشريعات المتعلقة بالأسرة والإنجاب، ويتم تعديل السياسات والقوانين لتلبية احتياجات ومتطلبات هذه الفئة السكانية.

قد يواجه الأشخاص الذين يتخذون قرار عدم الإنجاب تحديات وضغوطًا اجتماعية، مبينة على التوقعات الثقافية للأسرة والمجتمع، من بعض الأشخاص الذين يرون الإنجاب واجبًا أو جزءًا من الهوية الشخصية والثقافية، وقد يؤثر هذا القرار على هيكل الأسرة والعلاقات الأسرية، لعدم وجود أبناء أو إخوة، وعلى التواصل العائلي والدور الاجتماعي المألوف للأفراد، وقد يصبح الإنجاب أمرًا غير مألوف أو غير متوقع في بعض المجتمعات، ما يؤدي إلى تغييرات في القيم والتصورات الاجتماعية.

تتفاوت وجهات النظر والمواقف من اللاإنجابية، ويتم تبادل الحجج والأدلة والتجارب الشخصية لدعم المواقف المختلفة، وتشير التجارب الشخصية للأشخاص الذين تركوا تيار اللاإنجاب وقرروا الإنجاب، إلى أنهم اكتشفوا فرحة الأبوة والأمومة، وقرروا تكوين أسرة، يمكن أن تكون سندًا لهم عندما يتقدمون في العمر، وقد تكون قصصهم ملهمة للآخرين الذين يتفكرون في موقفهم. ورغم أن قرار الإنجاب أو عدمه هو قرار شخصي يعتمد على الظروف والقيم والرغبات الفردية، ولا ينبغي أن يستند إلى قصص الآخرين فحسب، فالطبيعة البشرية تفرض على حامليها أن يتماشوا مع هذا الجزء الحي منهم الذي يطالبهم بالاستمرار من خلال التكاثر، فمن المعروف أن الخلية الحية تسعى نحو الخلود إما من خلال البقاء حية إلى الأبد، وهذا مستحيل، وإما بصنع نسخة عنها من خلال التكاثر، وكل خلية في جسم الإنسان تسعى لذلك أيضًا.

كمان أن المجتمعات التي يجب عليها أن تقود الحضارة هي التي تتبنى اللاإنجابية، وبالتالي سنعيش أزمة ندرة في الفئة الراعية والمسؤولة مستقبلًا، أمام تكاثر المجتمعات النامية غير المضبوطة والتي تحتاج إلى كثير من الرعاية والاهتمام والتنمية حتى لا تتحول إلى مصدر للمشكلات والأزمات الاجتماعية، ومع أن هناك فئة ترفض الإنجاب فإنها تقوم بالتبني كما قلنا، لتعوض الأدوار التي لم تعشها بيولوجيًا، بل تمارسها اجتماعيًا ونفسيًا، ومن هنا فإن تجربة اللاإنجابيين الذين لا يريدون حتى تبني الأطفال، وهم قادرون على ذلك، قد تكون رد فعل على شيء ما وهو غير متوازن غالبًا.

إن اللاإنجابيين فئة تعتبر نفسها من النخبة المثقفة وتتبنى أفكارها عن دراسة، ومع ذلك ربما تكون ظروفهم الشخصية قد أدت إلى تبنيهم تلك الأفكار، كالطفولة غير المتوازنة التي عايشوها مع عائلتهم، وربما المشكلات النفسية والاجتماعية التي عانوها، وربما لعدم قدرتهم على الإنجاب أساسًا، فيكون لجوؤهم لهذه الأفكار رد فعل يريحهم، ومستقبل هذه الفئة هو أن يكونوا في ملاجئ للمسنين قريبًا، ويشرف على رعايتهم أبناء وبنات الإنجابيين، بدلًا من أن يكونوا في بيوتهم وحولهم أبناؤهم وأحفادهم يردون لهم الجميل إن هم ربوهم بطريقة حسنة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي