“القرار 307” يعطّل أدوار نقابة مهندسي إدلب
شهدت مدينة إدلب وقفة احتجاجية لمهندسين ومهندسات أمام مبنى نقابة “المهندسين السوريين الأحرار”، احتجاجًا على قرار لحكومة “الإنقاذ” العاملة في المنطقة، يقضي بسحب بعض مهام من النقابة وتنفيذها من قبل مديرية أُنشأت حديثًا.
واعتصم السبت 17 من حزيران، أكثر من 100 مهندس ومهندسة أمام مبنى النقابة، احتجاجًا على القرار رقم “307”، الصادر عن وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة “الإنقاذ” في 22 من أيار الماضي.
ما القرار؟
نص القرار “307” على إحداث مديرية الشؤون الهندسية وتتبع لوزارة الإدارة المحلية، وحددت مهامها بستة بنود:
- تدقيق جميع المخططات الهندسية الخاصة بالمعاملات الإدارية في وزارة الإدارة المحلية، وتدقيق دراسات المشاريع الهندسية في جميع فطاعات العمل.
- منح مزاولة المهنة للكوادر الهندسية بجميع الاختصاصات.
- تصنيف المكاتب والشركات الهندسية ومنح الرتب الهندسية للمهندسين بمختلف اختصاصاتهم.
- إقامة الدورات التدريبية والبرامج التأهيلية لجميع الاختصاصات الهندسية.
- تصنيف المقاولين العاملين في المنطقة ومنحهم وثيقة مزاولة المهنة.
- اعتماد الكوادر الهندسية الدارسة والمشرفة على جميع الدراسات والمشاريع المقامة في المنطقة.
ونص القرار بشكل واضح على إلغاء الصلاحيات الممنوحة للجهات المرتبطة بتنفيذ المهام السابقة (في إشارة إلى نقابة المهندسين الأحرار)، واعتبار مديرية الشؤون الهندسية هي الجهة الوحيدة المخولة بتنفيذها في المنطقة، ويعتبر القرار نافذًا من تاريخ صدوره.
إقصاء للنقابة وأدوارها
مؤسس فرع نقابة المهندسين في إدلب، المهندس علي غبشة، قال لعنب بلدي إن القرار “307” يخالف بشكل واضح قانون النقابات المهنية الصادر عن مجلس “الشورى”، والذي يلزم النقابات بتسوية أوضاعها القانونية خلال مدة معينة ويمنع أي جهة ممارسة أعمال النقابات.
كخطوة أولى، نظم المهندسون استبيانًا بينهم للتشاور حول القرار المذكور، واعترض على القرار 600 مهندس ومهندسة من أصل 850 مهندسًا منتسبًا لنقابة المهندسين، وعند تعذر جميع الحلول قرر المهندسون الاعتصام أمام نقابة المهندسين إلى حين حل مشكلاتهم، وفق غبشة.
عضو نقابة المهندسين، المهندس تيسير الإبراهيم، قال في حديث لعنب بلدي، إن القرار “307” ينهي فرع نقابة مُشكل قبل 70 عامًا بشكل كلي من خلال تجريده من جميع صلاحياته.
ويتساءل الإبراهيم عن قدرة مديرية شؤون المهندسين على تدريب وتأهيل الكوادر الهندسية المتخرجة حديثًا بعيدًا عن النقابة والخبرات والكفاءات العالية فيها.
من جانبها قالت المهندسة أمون نعسان إن النقابة تجمع هندسي علمي اجتماعي وثقافي، لها خصوصيتها واستقلالها عن السلطات السياسية وتعمل تحت إشراف وزارة الإدارة المحلية، وليس الوصاية عليها.
وقالت نعسان لعنب بلدي، إن القرار اختزل الخبرات الهندسية في الشمال السوري في دائرة محددة من المهندسين وأبعد النقابة عن لعب دورها في المجتمع، لافتة إلى أن النقابة مركز تدريب المهندسين الخريجين الجدد، وصلة الوصل بين العلوم النظرية التي تلقوها في الجامعة والتطبيق العملي.
وتلزم النقابة الخريجين بمرحلة تدريب مدتها ثلاث سنوات في مكتب هندسي، ثم يخضع الخريج لاختبار ليرتقي لمرتبة مهندس ممارس تليها مرتبة المهندس الاستشاري ومهندس الرأي، وهذه الدرجات المهنية يتم منحها بقرار من مجلس الفرع، ويصادق من النقابة المركزية، بينما في ظل القرار “307”، فالمديرية الجديدة هي من سيشرف على التدريب وتمنح التدرج المهني، وفق نعسان.
وترى المهندسة أن القرار مسيء جدًا للمهندسين، لأنه يفرض قيودًا مركزية، وسيتركز القرار بيد عدد محدود من المهندسين الموظفين، ما سيؤدي إلى “الاستبداد” على حد قولها لعنب بلدي.
إفقار المهندسين.. المخططات بيد النقابة
بدوره طرح المهندس جميل طكو عضو نقابة المهندسين مشكلة أخرى ستترتب على القرار، وتتعلق بالمسائل المالية ودخل المهندسين من النقابة، فالنقابة تمتلك صندوقًا مشتركًا لمساعدة المهندسين، وتأتي الإيرادات لهذا الصندوق من أجور تدقيق المشاريع الهندسية في النقابة.
وقال طكو، في حديث إلى عنب بلدي، يوجد في النقابة 210 مهندسين مستفيدين من صندوق التدقيق، لافتًا إلى أن عملية تدقيق المشاريع والمخططات الهندسية في الوزارة بدل النقابة، سيؤدي إلى توقف إيرادات الصندوق ما يعني تضرر المهندسين المدققين.
وأضاف طكو أن إيرادات النقابة التي كانت توزع على المهندسين ستتوقف وتتحول إلى الوزارة، مقابل منح عدد محدود جدًا من المهندسين رواتب عالية، ما سيؤدي لتدهور الحالة المالية للمهندسين الآخرين.
الأمر لا يتوقف عند المسائل المالية للمهندسين في النقابة، وفق طكو، إذ تحتفظ النقابة بالمخططات الهندسية منذ عام 1960، وباستطاعة جميع المواطنين ذوي المصلحة الاطلاع عليها لحماية حقوق المهندس المشرف على البناء، أما الوزارة فلا تمتلك أي مخططات.
المهندس رمضان سليمان يملك خبرة 40 سنة في العمل الهندسي، قال لعنب بلدي إن كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط الماضي، أبرزت بشكل كبير أهمية وجود النقابة ودورها في حماية المواطنين، مشيرًا إلى جهود النقابة بعد الزلزال في زيارة الأبنية المتضررة وتقديم النصائح للمواطنين.
وبحسب المهندس سليمان، فإن المشروع السكني في بسنيا الذي انهار بفعل الزلزال تم تنفيذه من دون مخططات هندسية وإشراف هندسي، ما أدى إلى التلاعب من قبل المقاولين، لافتًا إلى أنه في حال حرصت الوزارة على أرواح المدنيين، فيجب عليها بالدرجة الأولى إلزام المواطنين بالتقيد بالمخططات الهندسية المصدقة في النقابة وتحت إشراف الخبرات المختصة.
ويجب على الوزارة مكافحة ومنع أي عملية بناء بدون إشراف هندسي، وفي حال سقوط البناء يمكن العودة إلى المخططات ومحاسبة المهندس المشرف، وليس إقصاء المهندسين على حد قول سليمان لعنب بلدي.
وأكد المهندس أن نقابة المهندسين تضم 90 مهندسًا مدنيًا، 50 منهم تزيد خبرتهم عن خمس سنوات، وأكثر من 60 مهندسًا معماريًا بخبرات واسعة تم إقصائهم والاعتماد على عشرة مهندسين مدنيين وثلاثة مهندسين معماريين.
“الإنقاذ”: تنظيم ورقابة
مستشار وزارة الإدارة المحلية في حكومة “الإنقاذ”، سعيد الأشقر، قال لعنب بلدي، إنه بعد الانتقال إلى نظام البلديات في الوزارة كان لابد من تنظيم العمل الهندسي في المنطقة، ويأتي إحداث مديرية الشؤون الهندسية في هذا الإطار وخاصة بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة.
وأضاف أن حدوث الزلزال أكد ضرورة العناية أكثر في الملف الفني للمجالس المحلية، وإحداث جهات إدارية فنية مختصة بمتابعة تنفيذ هذا الملف، وإيجاد نوع من الرقابة على المشاريع المنفذة في المنطقة، والتأكد من مدى مطابقتها للشروط الفنية الصحيحة.
وبحسب المستشار، يهدف إحداث المديرية إلى الرقابة على جميع الدراسات الهندسية المقدمة من قبل المكاتب الهندسية والشركات، والتأكد من دراستها على الزلازل وتطبيق “الكود” السوري المعتمد في البناء، وتدقيق المخططات المعمارية بما يخص تطبيق نظام ضابطة البناء، خاصة بعد “الفوضى” التي عانت منها المنطقة خلال السنوات الماضية.
وقال الأشقر، إن نقابة المهندسين تنظيم إداري مهني اجتماعي، وتم تشكيل لجنة من سبعة مهندسين من النقابة والوزارة لدراسة النظام الداخلي الناظم لعمل النقابة، وانتهت اللجنة منذ أيام من إعداد هذا النظام.
ولفت إلى وجود انتخابات مقبلة على مستوى النقابة، تتابع مسيرة التنظيم الإداري والمالي للمهندسين والمكاتب الهندسية المعتمدة في المنطقة والحاصلين على شهادة مزاولة مهنة الهندسة.
وأضاف المستشار أن مهام نقابة المهندسين ستتحدد في ضوء النظام الداخلي المعد من قبل المهندسين في اللجنة، بالإضافة إلى دورها في تسجيل المهندسين في النقابة وتنظيم عمل المكاتب والشركات الهندسية، ووضع نظام مالي يحقق للمهندس دخلًا دوريًا يعينه على ظروف الحياة بما لا يشكل عبئًا على المجتمع والمهندس، وتنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئة العامة المنتخبة لنقابة المهندسين وهي أعلى سلطة للمهندسين والمشكلة للنقابة.
تاريخ فرع النقابة
مؤسس فرع نقابة المهندسين في إدلب، المهندس علي غبشة قال لعنب بلدي، إنه بعد جهود حثيثة ولقاء العديد من المهندسين لسنوات، استطاعوا تأسيس فرع إدلب التابع لنقابة المهندسين السوريين عام 1972، واختير علي كرئيس لمجلس الفرع.
وبعد تأسيسه، بدأ الفرع في ممارسة مهامه في متابعة المهندسين والنظر في مشكلاتهم الاجتماعية والمهنية، ومارس رئيس التظام السوري السابق حافظ الأسد، ضغوطات كبيرة وتهديدات واعتقالات ما أرغم معظمهم إلى مغادرة سوريا، وفق غبشة.
في عام 1979 عمل الحاكم العرفي لمحافظة إدلب حينها، توفيق صالحة، على تشكيل مجلس فرع نقابة مهندسي إدلب “على مزاجه من بعض المهندسين الفاسدين ليتراجع دور النقابة في تطوير العمل الهندسي”، على حد قول غبشة لعنب بلدي.
وأوضح غبشة أنه بعد انطلاق الثورة السورية، جرى تأسيس ثلاث نقابات هندسية نقابة في معرة النعمان ونقابة في إدلب ونقابة في سلقين، ثم دمجت النقابات في نقابة واحدة وانتخب مجلس فرع برئاسة المهندس عماد شعبان وأمانة السر المهندس جابر العليان.
جذور الخلاف
قال غبشة إن الخلاف بين وزارة الإدارة المحلية ونقابة المهندسين ليس وليد القرار “307”، إنما سبقه خلاف منذ سنوات، عندما طالب وزير الإدارة المحلية في “الإنقاذ”، النقابة بإعداد دراسة لتخفيض أجور المهندسين.
وأوضح غبشة أن النقابة استجابت لطلب الوزارة وخفضت الأجور بنسبة الثلث، لكن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة للوزارة، وطالبت بالمزيد من التخفيض، لكن النقابة اعترضت بحجة أن التخفيض وصل للحد الأقصى، ليصدر وزير الإدارة المحلية قرارًا يمنع المجالس المحلية والبلديات من قبول أي مخطط هندسي مصدق في نقابة “المهندسين الأحرار”.
قرار المنع أزّم الموقف حينها وأدى إلى أخطاء كبيرة في المخططات التي باتت تصدق في البلديات والمجالس المحلية بدون إبداء رأي مهندس بمرتبة الرأي، بالإضافة إلى أخطاء كبيرة في تنفيذ المخططات، ما سبب الكثير من الكوارث، ومنها في أثناء الزلزال المدمر، وفق غبشة.
بعد تأزم الموقف بين النقابة والوزارة تم عقد عدة جلسات وتشكيل العديد من اللجان وتلقي العديد من الوعود بالتراجع عن قرار المنع، في المقابل تم حل مجلس النقابة وتشكيل مجلس نقابة جديد أكثر مرونة، ولكن دون أي تجاوب لحل الخلاف على حد قول المهندس لعنب بلدي.
وما زاد “الطين بلة”، وفق غبشة، تشكيل نقابة مهندسين ثانية في ريف حلب وضم النقابتين تحت نقابة مركزية، مارست جميع أنواع “الدكتاتورية” بحق المهندسين وابتعدت عن وضع نظام داخلي ناظم لعمل النقابة.
وأدت ممارسات النقابة المركزية إلى المزيد من الاحتقان في نفوس المهندسين ليتم حل مجلس النقابة المركزية، ويشكل وزير الإدارة المحلية لجنة لتسيير أمور النقابة، وهذه الممارسات أدت إلى اعتصام عدد من المهندسات الإناث داخل النقابة احتجاجًا على تدخلات الحكومة في تنظيم النقابة، وفق المهندس علي غبشة.
بعد الاعتصام، تم تشكيل لجنة ووفد للقاء الوزير، وتلقى المهندسون الكثير من الوعود بحل المشكلات التي تواجههم، ووضع نظام داخلي ناظم للنقابة ليتفاجأوا لاحقًا بصدور القرار “307” من وزارة الإدارة المحلية والذي يقضي على النقابة بشكل كامل، وفق غبشة.
اقرأ أيضًا: بعد ضغط “الحكومة”.. نقابة المهندسين في إدلب تستقيل
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :