“بروكسل 7”.. لا مخرجات أبعد من التعهدات

  • 2023/06/18
  • 3:34 م
أطفال سوريون على تلة فوق مخيم للاجئين في بلدة بر الياس في سهل البقاع اللبناني- 13 حزيران AP) 2023)

أطفال سوريون على تلة فوق مخيم للاجئين في بلدة بر الياس في سهل البقاع اللبناني- 13 حزيران AP) 2023)

جنى العيسى | محمد فنصة | حسام المحمود

بمبلغ 9.6 مليار يورو، تعهدت الدول المشاركة في مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي عُقد في 14 و15 من حزيران الحالي بالعاصمة البلجيكية، بروكسل، بنسخته السابعة، بمواصلة مساعدة السوريين داخل سوريا وفي دول الجوار.

بلغت المنح المالية لعام 2023، 4.6 مليار يورو، ومليار يورو لعام 2024 وما بعده، بينما أعلنت المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة عن أربعة مليارات يورو على شكل قروض، على أن يساعد التمويل السوريين في سوريا ودول الجوار المضيفة للاجئين سوريين (تركيا، والأردن، ولبنان، ومصر، والعراق).

وسبق المؤتمر موجة تطبيع عربية مع النظام السوري، وسط حديث عن ضغوط تمارَس على الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه، ولم تخرج عنه مواقف جديدة سوى تأكيد رفض التطبيع من قبل الدول الرافضة أساسًا، قابله تبرير لمواقف بعض الدول التي خطت نحو النظام بعد سنوات من القطيعة.

ملف اللاجئين الذي يتصدّر اللقاءات والتصريحات السياسية لمسؤولي الدول المضيفة كان حاضرًا أيضًا، بينما شهد المؤتمر حضورًا مكثفًا لمنظمات المجتمع المدني السورية على اختلاف أماكن وجودها، وتضمّن نقاشات شاركت بها المنظمات في أول أيام المؤتمر، تخللها انقسام على أولوية المواضيع محلّ النقاش.

تستعرض عنب بلدي في هذا الملف المواقف السياسية التي صدّرها المؤتمر، إلى جانب انعكاسها على ملف اللاجئين أو قضية التطبيع مع النظام.

كما تناقش عبر خبراء حضروا المؤتمر جدوى نقاشات اليوم الأول منه بمشاركة واسعة لمنظمات المجتمع المدني، والمأمول من هذه النقاشات.

“بروكسل”.. تأكيد المواقف الأوروبية

جدّد الخطاب السياسي في مؤتمر “بروكسل 7” المواقف الأوروبية من النظام السوري، سواء من ناحية إعادة العلاقات أو إزالة أو تخفيف العقوبات، أو فيما يخص رفض المشاركة بإعادة الإعمار قبل الانتقال السياسي، في ظل عودة النظام للجامعة العربية، وإعادة الدول العربية علاقاتها معه.

وأكد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، في خطاب افتتاح اليوم الثاني من المؤتمر، أن الاتحاد الأوروبي لن يتراجع عن التزامه بقرار مجلس الأمن “2254”، وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غير بيدرسون، لتوليد زخم للعملية السياسية، معتبرًا أن “السبيل الوحيد للخروج من هذا الصراع” هو العملية السياسية.

وذكر بوريل أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بتحقيق العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة على مدار أكثر من عقد في سوريا، مشيرًا إلى دعم الاتحاد عمل لجنة التحقيق في سوريا.

صورة جماعية لممثلي الدول المانحة في مؤتمر “بروكسل 7”- 15 من حزيران 2023 (الاتحاد الأوروبي)

محاولات عربية.. صد أوروبي

علّق الاتحاد الأوروبي في “بروكسل” على إعادة العرب النظام السوري للجامعة العربية في أيار الماضي، وبدء عملية تطبيع بين عدد من الدول العربية والنظام، والتقارب التركي أيضًا.

وقال بوريل في خطابه بالمؤتمر، “ليس هذا المسار الذي كان سيختاره الاتحاد الأوروبي، قريبًا جدًا سنرى ما إذا كانت هذه الجهود قد أقنعت النظام في دمشق بالدخول في حوار مع دول الخليج والدول العربية حول مختلف جوانب قرار مجلس الأمن الدولي (2254)”.

وظهرت تقارير صحفية تتحدث عن ضغوط عربية لتغيير شكل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والنظام أو لتخفيف العقوبات عنه.

ونشرت صحيفة “البيان” الإماراتية تقريرًا، في 2 من حزيران الحالي، نقلت فيه عمن وصفتها بـ”مصادر مطلعة”، أن المجموعة العربية المشكّلة في اجتماع القاهرة من أجل متابعة الملف السوري، تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي من أجل تخفيف العقوبات والانفتاح على دمشق وفق سياسة “خطوة بخطوة”.

ونقلت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، منتصف حزيران الحالي، عن “مصادر مطلعة”، أن السعودية والإمارات تضغطان على حلفاء في أوروبا لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وتخفيف العقوبات.

وترى دول الخليج وفق التقرير أن “إنهاء الحرب في سوريا يتطلب إنعاش الاقتصاد”، في حين لا تدعم ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الطلبات الخليجية.

محللة الملف السوري في “مجموعة الأزمات الدولية”، دارين خليفة، قالت لعنب بلدي، “من الصعب جدًا على الدول الأوروبية والولايات المتحدة تغيير سياستها تجاه النظام حتى لو أرادت ذلك”، مستندة إلى أن تغيير منظومة العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام “أمر معقد وذو تكلفة سياسية عالية”.

ويتفق مع هذا الرأي مدير “المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية” في الولايات المتحدة، رضوان زيادة، الذي قال لعنب بلدي، “لا أعتقد أن موقف الدول الأوروبية سيتغير بعد مؤتمر (بروكسل)، بل بدا موقفها واضحًا ومتناغمًا مع الموقف الأمريكي”.

وبما يخص مسألة الضغوط العربية على أوروبا، يرى زيادة أن أوروبا تحتاج إلى أمريكا الآن أكثر من حاجتها إلى العرب بسبب حرب أوكرانيا، لذا هي ملتزمة بالموقف الأمريكي من النظام السوري.

بينما يرى الباحث في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، في حديث إلى عنب بلدي، حدوث “تغير طفيف” في التعامل الأوروبي على المستوى الإنساني ومستوى التعافي المبكر، مستندًا إلى زيارة البعثة الأوروبية لأول مرة إلى مناطق نفوذ النظام عام 2022، ودعوة “الهلال الأحمر السوري” للمشاركة في فعاليات مؤتمر “بروكسل”.

واعتبر سالم دعوة “الهلال الأحمر”، “اعترافًا ضمنيًا” بإمكانية التعاون مع منظمات إنسانية في مناطق نفوذ النظام، وهو ما يعني تمويل هذه المنظمات، واستفادة النظام من هذا التمويل، كونه “عمليًا يتدخل بشكل خفي في عمل تلك المنظمات”. وأشارت عديد من التقارير الصحفية والأبحاث إلى هذا التدخل، وبشكل أوضح في منظمات الأمم المتحدة.

من جانبه، يرى زيادة أن دعوة “الهلال الأحمر” تأتي من زاوية إنسانية وليست سياسية، ولا يعتقد وجود أي دلالات سياسية من طرف الاتحاد الأوروبي، مع وجود احتمال أن يفهم النظام الدعوة بطريقة مختلفة، لكن دون وجود أي جدوى.

وشارك “الهلال الأحمر السوري” في اليوم الأول من أعمال مؤتمر “بروكسل” المخصص لمنظمات المجتمع المدني، عبر الأمين العام للمنظمة، خالد عرقسوسي، متحدثًا عن ضرورة زيادة الدعم للفئات الأشد ضعفًا في سوريا.

تقدمت عنب بلدي في حديث سابق إلى المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، باستفسارات حول تأثير الدول العربية في تخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي على النظام، ليوضح أن الاتحاد لا يخفف أو يرفع العقوبات عن النظام السوري، بل يناقش آخر التطورات مع “الشركاء” في جامعة الدول العربية.

وأكد أن أي تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي سيحدث بمجرد استيفاء الشروط المنصوص عليها في استنتاجات المجلس الأوروبي لعام 2018، وعبر عملية التصويت المعتادة في المجلس.

وقال بوينو، “ما زلنا نعتقد أن أي تطبيع، بما في ذلك من خلال تخفيف العقوبات، هو مشروط بالمشاركة الحقيقية من جانب النظام السوري في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم (2254)”.

دور “بروكسل” السياسي.. رسائل فقط

يبرز دور مؤتمر “بروكسل” من الناحية الإغاثية، وتعهدات الدول المالية للسوريين في سوريا والدول المجاورة، في حين يقتصر دوره السياسي على خطابات تحمل في طيات بعضها رسائل سياسية توضح موقف الدول.

ويعتبر الهدف الدائم من مؤتمرات “بروكسل” السنوية، “إظهار منارة أمل للشعب السوري، والمساعدة في الحفاظ على هذا الأمل حيًا، ومواصلة البحث عن طريق إلى الأمام”، وفق تعبير الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، في خطاب الافتتاح.

محللة الملف السوري في “مجموعة الأزمات الدولية”، دارين خليفة، ترى أن الخطاب السياسي الأوروبي “لم ولن يتغير كثيرًا”، على الرغم من أن سوريا ليست من أولويات الدول الغربية، ولكن هذا لا يعنى استعداد الأوروبيين لتغيير مواقفهم تجاه النظام.

الباحث في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، يرى أن عدم وجود تغيير كبير في الخطاب السياسي “أقرب للحياد واللاموقف والنأي بالنفس، وليس أقرب للإدانة”، واصفًا إياه بـ”الصدى أو وجه آخر للموقف الأمريكي”، الذي لم يمانع عمليًا التطبيع، وإنما انتقده بشكل “خفيف لفظيًا فقط”.

لا توجد جدوى كبيرة للمؤتمر من الناحية السياسية، بحسب الباحث محمد سالم، باعتبار أن الفاعل الأساسي فيه هو الاتحاد الأوروبي، وهو لا يملك أوراقًا كبيرة، ولا يتدخل في الصراع السوري بشكل فاعل سياسيًا، وغالبًا ما تغلب “المسحة الإنسانية” عليه، وهذا طبيعي ويتماشى مع طبيعة تدخل الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول إدارة الأزمة من ناحية إنسانية متعلقة بملف الهجرة إليه بالدرجة الأولى.

الدول والمؤسسات الدولية والجهات المانحة تلتقي قي مؤتمر بروكسل- 15 من حزيران 2023 (الاتحاد الأوروبي- لقطة شاشة).

زيادة الدعم والدعوة لـ”العودة”..

مطالب الجوار في “بروكسل”

خلال المؤتمر المعني بتقديم تعهدات إنسانية، ورغم الاختلاف على تسميتهم وتفاوت حدة الخطاب، وتقديمهم أو تأخيرهم فيه، كان اللاجئون السوريون قاسمًا مشتركًا، أو عامل أرق مشتركًا بالنسبة لدول جوار سوريا، وفق ما جاء على لسان ممثليها في المؤتمر.

وخلال الكلمات التي ألقوها، اتفق الخطاب الدبلوماسي لدول جوار سوريا على مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، بمعزل عن التقارير والمؤشرات التي تؤكد أن سوريا غير آمنة، متأثرين بالحراك السياسي الذي طار بالأسد إلى جدّة، في 19 من أيار الماضي، لحضور القمة العربية، ومطالبين في الوقت نفسه بدعم أكبر لسد احتياجاتهم في البلدان المضيفة.

“العودة حق”

أكثر هذه المواقف وضوحًا جاء على لسان وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، بما لا يخرج عن سياق ما يصدر عادة عن المسؤولين اللبنانيين حيال هذا الملف، فمن بين ثلاثة أرقام متضاربة لأعداد اللاجئين السوريين (وصولًا إلى مليوني شخص)، قال الوزير اللبناني، إن لبنان يستقبل 1.5 مليون لاجئ سوري.

وفي معرض تلخيصه للحالة الاقتصادية والمعيشية المتردية التي يغرق بها لبنان منذ سنوات، اعتبر بوحبيب أن اللاجئين السوريين يمثّلون عبئًا على البينة التحتية من ناحيتين، مادية واجتماعية، إلى جانب تأثيرات بعيدة على البيئة.

وتحت شعارات أن “العودة حق” وأن “لبنان لا يستطيع تحمل خطر التحول إلى مخيم شاسع للاجئين”، شدد الوزير اللبناني على ضرورة عودة اللاجئين إلى سوريا، مطالبًا أيضًا بالمساعدة أكبر بقوله، “كنا سباقين لتقديم المعونة، وأتى دورنا لنطلب المساعدة لقاء ما قدمناه من قبل”.

وتصدّرت كلمة الأردن التي ألقاها وزير الخارجية، أيمن الصفدي، بعض الأرقام والتفاصيل حول اللاجئين السوريين، كنسبة الولادات والخصوبة، وصولًا إلى التركيز على انخفاض الدعم الدولي للاجئين لدرجات قصوى، مقارنة بما كان عليه في 2016، وهي نقطة أكدتها دول الجوار مجتمعة.

في الوقت نفسه، طالب الوزير الأردني بمواصلة الدعم بالمستوى المناسب، وإنشاء صندوق دولي لدعم “العودة الطوعية” عبر خلق بيئة آمنة في سوريا، وفق رأيه.

السفير التركي لدى الاتحاد الأوروبي فاروق قايماقجي يلقي كلمة عن اللاجئين السوريين ومشروع العودة الطوعية خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل- 15 من حزيران 2023 (الاتحاد الأوروبي- لقطة شاشة)

مخيم “الهول” ومليون سوري في مصر

لم يركّز وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، على مسألة “أعباء وجود السوريين”، على اعتبار أن نسبة السوريين في العراق لا تقارَن بمثيلاتها في دول أخرى، مثل تركيا ولبنان، إذ يتركّز الحضور السوري في إقليم كردستان العراق، بنحو 260 ألف سوري، وفق تصريحات حسين، لكنه طالب بدعم دولي لحل مسألة مخيم “الهول” في محافظة الحسكة، الذي يضم عائلات عناصر لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

الوزير العراقي شدد على ضرورة تسوية الأزمة في سوريا عبر حل سياسي، داعيًا من وصفهم بـ”أطراف الصراع” إلى الجلوس على طاولة حوار وإظهار العزم والجدّية لحل الأزمة، لافتًا إلى فداحة الوضع الإنساني في سوريا، وتحديدًا بعد الزلزال في 6 من شباط الماضي.

السفير المصري في بلجيكا، بدر عبد العاطي، الذي تحدث عن استضافة بلاده مليون سوري، لا تعتبرهم لاجئين، وتتعامل معهم بمساواة، ذكّر بالمساعدات المصرية لمتضرري الزلزال في سوريا، وأكد ضرورة التمسك بالحل السياسي.

وبالنسبة لتركيا التي تستقبل الحصة الكبرى بين دول الجوار (أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري)، طالب السفير التركي لدى الاتحاد الأوروبي، فاروق قايماقجي، الدول الإسهام ليس فقط بالمال، بل عبر زيادة حصصها من أعداد اللاجئين الذين تستقبلهم من خلال إعادة التوطين، على اعتبار أن الأعداد الحالية قليلة.

وطالب أيضًا بمساعدة اللاجئين في تركيا، موضحًا أنها حصلت على ستة مليارات يورو منذ 2016، تُوزّع خمسة مليارات منها على السوريين في تركيا، إلى جانب تخصيص ثلاثة مليارات إضافية منذ 2021، وهو ما اعتبره غير كافٍ، فتركيا على مفترق طرق لتدفق اللاجئين، وبحاجة إلى مزيد من المشاركة المباشرة في إدارة دعم اللاجئين وتبسيط القوانين والحد من تدخل أطراف ثالثة، وفق السفير.

وتطرّق قايماقجي لمشروع “العودة الطوعية” الذي تعمل عليه تركيا لإعادة مليون سوري من أراضيها إلى مناطق شمال غربي سوريا، بعد تهيئة المأوى والبيئة الملائمة لهم، وفق التصريحات التركية.

لا نيات للحماية

مدير مركز “وصول” لحقوق الإنسان اللبناني- الفرنسي، محمد حسن، اعتبر الأرقام المطروحة حول أعداد اللاجئين والدعم المقدم لهم غير دقيقة، موضحًا لعنب بلدي أن مطالب دول الجوار المضيفة للاجئين لا تعبر عن نيات واضحة لتقديم مزيد من الحماية للاجئين.

كما اعتبر أن الإدارة “غير المكتملة والعشوائية” لملف اللاجئين منحت الدول المضيفة نطاقًا واسعًا من عمليات الضغط على المجتمع الدولي للحصول على تمويل.

ولفت حسن إلى حالات الترحيل القسري التي تحصل من بعض الدول، ومنها لبنان، للاجئين سوريين، في ظل تأكيدات دولية بأن سوريا غير آمنة.

وحول ما إذا كان ملف “العودة الطوعية” بوابة لطي الملف السوري، قال مدير مركز “وصول”، إن الدول المضيفة لا تكترث لطي أو فتح الملف السوري، وتتعامل مع اللجوء السوري على أراضيها كورقة سياسية، ولا سيما دول الجوار، وتحديدًا التي تعاني بالأصل من مشكلات وأزمات داخلية وتتغذى بالوضع الطبيعي على المساعدات.

فعاليات مؤتمر بروكسل لدعم سوريا ودول المنطقة – 15 حزيران 2023 (Dr Dan Stoenescu/ تويتر)

المجتمع المدني..

حضور “بروتوكولي” لقضايا “ملحّة”

ضمن ثلاث جلسات نقاشية، اجتمع ممثلو منظمات المجتمع المدني من داخل سوريا على اختلاف مناطق السيطرة، ومنظمات تُعنى بشؤون اللاجئين في دول الجوار، إلى جانب خبراء أوروبيين وممثلين عن وكالات الأمم المتحدة الإغاثية والإنسانية، في اليوم الأول من مؤتمر “بروكسل 7”.

تعددت عناوين الجلسات الثلاث بين “معالجة الاحتياجات والوصول إلى الخدمات الأساسية والتعافي المبكر في السياق السوري، وتطوير الفرص على المستوى المحلي: تمكين القيادة المحلية وحمايتها”، بالإضافة إلى “تعزيز العدالة والمساءلة للشعب السوري- حالة الجهود المستمرة من قبل المجتمع المدني والمنظمات الدولية والسلطات القضائية الوطنية وسبل المضي قدمًا”.

حظي اليوم الأول من المؤتمر بحضور واسع لمنظمات المجتمع المدني السوري المنتشرة في عموم الجغرافيا السورية ودول الجوار، وسط انتقادات لمحاور بعض الجلسات من قبل الحضور، كاختيار “مشاريع التعافي المبكر” عنوانًا لجلسة تضمنت مناقشة الاحتياجات الأساسية في سوريا.

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن معايير تحديد الحضور بالنسبة للمنظمات في مؤتمر “بروكسل” ترتبط بشكل أساسي بمشاركتهم النشطة في المشاورات قبيل عقد المؤتمر، مضيفًا أن هذه المشاورات استخدمت أيضًا كأساس لاختيار المواضيع ذات الصلة لمناقشتها في أثناء المؤتمر، كما اقتُرح المتحدثون المحتملون للمؤتمر من خلال عمليات التشاور التي شاركت بها بعثات الاتحاد الأوروبي، جنبًا إلى جنب مع مختلف أصحاب المصلحة.

واعتبر بوينو أنه تم ضمان التوازن في مشاركة منظمات المجتمع المدني السورية عبر عدة معايير، من حيث التمثيل الإقليمي، والتنوع الجندري والعمري، ومجالات الاهتمام المواضيعية، والتاريخ الواضح من النشاط والالتزام بمبادئ الإدماج والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، لضمان مشاركة واسعة وتمثيلية من مختلف الجغرافيا السورية.

كما أجرت بعثات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مشاورات مع منظمات في دول الجوار، واعتمدت البعثات على منصة افتراضية للتواصل مع المجتمع المدني تضم الآن أكثر من 700 ناشط ومنظمة، ما يوفر منظورًا وافيًا حول القضايا قيد المناقشة، وفق بوينو.

عقبات أمام الحضور

المدير التنفيذي لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، وهو مدير الجلسة الحقوقية في “يوم الحوار” ضمن المؤتمر، قال لعنب بلدي، إن كثيرًا من ممثلي منظمات المجتمع المدني السوري، خاصة في مناطق شمال غربي وشمال شرقي سوريا، لم تتمكن من حضور المؤتمر بسبب عقبات متعلقة بالأوراق الثبوتية وتأشيرة الدخول وغيرهما، ما يجعل الحضور “غير متنوع” وفق شكاوى عديدة استمع إليها من قبل المشاركين بالمؤتمر في أحاديث جانبية.

من جهتها، قالت المحامية ومديرة منظمة “دولتي”، رولا بغدادي، الحاضرة ضمن جلسة “”تمكين القيادة المحلية” بصفتها المقرر الوزاري الذي سيحضر جلسة وزراء الخارجية في اليوم التالي من المؤتمر، إن اليوم الأول شهد غيابًا “كبيرًا” لعدد مهم من المنظمات العاملة على الأرض سواء داخل سوريا أو في دول الجوار، لأسباب تتعلق بتأشيرة الدخول، بالإضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يتحمل تكاليف الإقامة أو الطيران التي قد تصل إلى نحو ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ قد لا تقوى عليه المنظمات العاملة في سوريا أو لبنان وتركيا بحسب ميزانيتها وأولوياتها.

وأشارت بغدادي، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن المشكلة المتكررة في المؤتمرات الدولية حول سوريا، غياب دور الشباب، إذ كان معظم الحاضرين في “بروكسل” ممن هم فوق الـ35 عامًا، مشيرة إلى ضرورة حضورهم لأنهم قد يحملون تصورات مختلفة حول القضايا المختلفة، وإعطاء فرصة وصول وجوه جديدة إلى مراكز صنع القرار.

بينما اعتبر المدير التنفيذي لوحدة مجالس الإدارة المحلية (LACU)، بهجت حجار، وهو أحد متحدثي الجلسة النقاشية المتعلقة بـ”تمكين القيادة المحلية”، أن هذه النسخة من المؤتمر تعتبر الأكثر تنوعًا من ناحية حضور المنظمات، عبر حضور منظمات دولية وإقليمية من دول الجوار، ومنظمات محلية توزعت بنسب غير متكافئة بين مناطق السيطرة الثلاث، وبأغلبية واضحة للمنظمات العاملة في شمال غربي وشمال شرقي سوريا.

انقسام في الأولويات

ناقشت منظمات المجتمع المدني الحاضرة في اليوم الأول من المؤتمر مختلف المواضيع بعناوين محددة، بعضها لم يلقَ القبول من قبل عدد من الحاضرين.

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، قال إنه تم تحديد مواضيع وعناوين الجلسات استنادًا إلى سلسلة من المشاورات بين الاتحاد الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم من الشركاء، واستهدفت هذه المشاورات تحديد أكثر المسائل إلحاحًا التي يتعيّن معالجتها خلال فعالية “يوم الحوار”، التي تعكس الأولويات الحالية ومجالات التركيز داخل قطاع المجتمع المدني.

بينما قال الحقوقي محمد العبد الله، إنه يختلف بشكل مطلق مع بعض العناوين التي نوقشت خلال “يوم الحوار”، فمثلًا اقتراح مناقشة التعافي المبكر يعني انطباعًا بانتهاء المعارك في سوريا وأن الوضع استقر، وفيه إغفال لفكرة أن البلاد بمعظم سكانها على اختلاف مناطق السيطرة تعتمد على المساعدات الإنسانية، وسط غياب أي انفراج قريب في موضوع العقوبات أو الاستثمار الدولي وغيرهما من القضايا الملحة.

وفي جلسة “تعزيز الشراكات المحلية”، اعتبر العبد الله أن ما ذُكر خلالها كان “جيدًا”، كاللحمة والتآخي بين السوريين على اختلاف مناطق السيطرة في كارثة الزلزال، لكنه حديث يقفز على الواقع ويغفل عنه، إذ كانت حالة التضامن تلك مؤقتة ووجيزة، في ظل وجود اقتتال بين مناطق الحكم ورفض للمساعدة أحيانًا لأسباب سياسية.

بينما اعتبر بهجت حجار أنه لتحديد ما إذا كانت القضايا التي نوقشت مهمة أم لا يجب تحديد ذلك وفق وجهات نظر متعددة، فقد تكون قضايا ملحة ومطروحة من وجهة نظر السكان المحليين أو دول الجوار، مشيرًا إلى أن مسألة التعافي المبكر هي قضية إشكالية وحساسة جدًا، لكنها أصبحت أمرًا واقعًا كأحد المواضيع المطروحة على الطاولة وهي أولوية للسوريين، وفق رأيه.

المحامية رولا بغدادي أشارت إلى وجود انقسام في قضية التعافي المبكر بين قسم يراه حاجة ملحّة ويطالب بنقاشه، وآخر يرى أن من المكبر الحديث عن القضية، وكل منهما لديه حجج وأسباب منطقية، لكن قد يكون هناك التباس حول ما يقصده المانح بموضوع التعافي المبكر من جهة، وبين القسمين من السوريين المختلفين على أولوية القضية.

وحول الجلسة الأخيرة التي تضمنت مناقشة حقوقية حول الملف السوري، قال محمد العبد الله، إن النقاش عكس التباين في وجهات النظر وبفهم الواقع بين الأطراف في سوريا، مشيرًا إلى أنه رغم أثر الحديث المحدود، فمن المهم مناقشة هذه القضايا في “بروكسل”.

ويرى بهجت حجار أن الملف الحقوقي والمساءلة من المهم مناقشته بحيث تكون حقوق الإنسان ملفات حاضرة في هذا النوع من المؤتمرات الدولية، ليتم التأكيد على وجوب وجود المساءلة، وضمان عدم إيصال الدعم المالي لمرتكبي ومنتهكي حقوق الإنسان.

واتفقت رولا بغدادي، مع بهجت حجار، على أن قضية المعتقلين والانتهاكات السابقة والمستمرة حتى اليوم لحقوق الإنسان بكل مكان في سوريا، يجب أن تُطرح بأي حدث يرتبط بسوريا، ويجب الحديث عنها بمعزل عن أي شي آخر.

من فعاليات اليوم الأول لمؤتمر “بروكسل 7”- 14 من حزيران 2023 (الاتحاد الأوروبي)

يوم “بروتوكولي”

تثير القضايا التي تناقَش سنويًا وحجم ونوع الحضور التساؤلات حول جدوى المناقشات التي تسبق إعلان الدول قيمة التعهدات التي ستتعهد بمنحها في الملف السوري، وأثرها في قيمة التعهدات والقضايا المختلفة التي يعانيها السوريون والمأمول منها في هذا السياق.

لويس ميغيل بوينو قال، إن بنية مؤتمر “بروكسل” وتصميمه الذي يشمل “يوم الحوار” ويتبعه في اليوم الثاني الاجتماع الوزاري، هو بطبيعته يهدف للسماح بالتوصيات الناتجة عن اليوم الأول أن تثري المناقشات والمقررات في اليوم الثاني، مشيرًا إلى أن مشاورات الاتحاد الأوروبي مع المجتمع المدني التي تحدث قبل المؤتمر وفي أثنائه وبعد انتهاء فعالياته، تهدف إلى ضمان استمرار الحوار والمشاركة بشأن أكثر الأمور إلحاحًا التي تواجه المجتمع المدني السوري.

واعتبر بوينو أن أهمية هذه القضايا تمتد إلى ما هو أبعد من المؤتمر، ويجب إيصال تأثيرها وأهميتها إلى المجتمع الدولي لتعزيز التفاهم والدعم والعمل، لذا، في حين أنه من الصعب تحديد التأثير الدقيق لمناقشات اليوم الأول على التعهدات التي تم التعهد بها في اليوم الثاني، فمن الواضح أن بنية المؤتمر وعمليات التشاور المستمرة تهدف إلى تيسير هذا التأثير.

لا علاقة بمناقشات اليوم الأول بقيمة التعهدات التي ستنتج عن المؤتمر، والتي تجهزها الدول المانحة بناء على اعتبارات كثيرة، منها موازناتها ومواردها المتاحة. الحقوقي محمد العبد الله، اعتبر أن المؤتمر لمنح الأموال وليس مؤتمرًا لحل الأزمة السورية أو للمفاوضات، مضيفًا أن مناقشات اليوم الأول لا تحمل أي أثر على الواقع، وجزء منه “بروتوكولي” لا أكثر.

مدير وحدة مجالس الإدارة المحلية، بهجت حجار، قال إن أبرز ما جاء في اليوم الثاني إلى جانب التعهدات هو مواقف الدول السياسية خاصة من قضية التطبيع مع النظام التي كانت القضية الأبرز التي تمحورت حولها كلمات ممثلي الدول المانحة.

بدورها، ترى المحامية رولا بغدادي أن نقاش المجتمع المدني يمكن أي يُرى أثره في اليوم الثاني عبر تحديد طريقة صرف الأموال التي تعهدت بها الدول، دون أن يكون له أثر مباشر في قيمة تلك التعهدات.

مقالات متعلقة

  1. مانحو "بروكسل" يتعهدون بـ9.6 مليار يورو لدعم سوريا
  2. "بروكسل 3" يخرج بسبعة مليارات دولار لدعم السوريين عام 2019
  3. الاتحاد الأوروبي يعلن موعد مؤتمر "بروكسل" الثالث بشأن سوريا
  4. مؤتمر "بروكسل" لدعم السوريين يجمع نصف المبلغ المطلوب

تحقيقات

المزيد من تحقيقات