علي عيد
عام 2013، وفي ذروة العمليات العسكرية بالمدن السورية، التي تسببت بموجات قاسية من التهجير، كنت أتجول في درعا (جنوبي سوريا)، بصفة مراسل صحفي مع زميلي وهو مصور تلفزيوني، وكانت إحدى المهمات رصد الواقع الإنساني لهؤلاء النازحين.
سرت شائعة أن معظم المقيمين داخل مركز يضم نحو 400 نازح، أغلبيتهم من النساء والأطفال جاؤوا من حمص ومحيطها، مصابون بمرض التهاب الكبد الوبائي، بسبب المياه الملوثة وسوء التغذية، وكانت فرصة لرصد حقيقة الأمر.
نصحَنا أحد الأطباء أن نرتدي الكمامة الواقية (Mask) أنا وزميلي المصور، وبمجرد دخولنا المركز، وهو مدرسة متهالكة في بلدة اليادودة أُفرغت من محتوياتها، تعرضنا لهجوم من قبل شبان يحملون السلاح بحجة أننا مشمئزون من النازحين، والدليل ارتداؤنا الكمامات، ولم يتطور الأمر بعد تدخل جهة محلية متنفذة، لكن المشكلة الثانية كانت في كيفية إتمام المهمة.
كيف سنقدم أنفسنا، أمام مئات زارهم قبلنا “صحفيون” قالوا إنهم يريدون نقل صوتهم لتأمين مساعدات غذائية طبية وأثاث، لكن ذلك لم يحصل.
مرافقون لنا حاولوا الإيحاء بأننا سنساعد في تأمين مطالبهم، وكان لا بد من تصحيح الغرض، بأننا مجرد صحفيين، واستطعنا تغطية ظروفهم بشكل مقبول، دون تعهدات بأننا قادرون على المساعدة.
سُقت القصة السابقة تمهيدًا لشرح قواعد تعامل الصحفي مع المصادر، والنصائح الضرورية لكسب المصدر وإقناعه دون وعود كاذبة، وهي قواعد مهنية وأخلاقية في المهنة.
يحتاج الصحفي، سواء كان مراسلًا أو محرر “ديسك”، وفي جميع الاختصاصات، إلى التواصل مع مصادر المعلومة، وشهود المكان، وهو ما يستدعي عددًا من الشروط.
– حدد شهودك ومصادرك، وعلاقتهم بما تقوم به خلال المهمة الصحفية، فهؤلاء الشهود يجب أن يكونوا جديرين وذوي صلة.
– عرّف عن نفسك وعن وسيلتك الإعلامية. وتختلف الطريقة حسب الظرف، فإذا كنت تخاطب مصدرًا عن بعد، يمكنك أن ترسل له ضمن التعريف رابطًا يثبت هويتك وهوية الجهة التي تعمل لمصلحتها، وإذا كنت في عين المكان (ميدان حرب أو حادث)، فأنت مطالَب بأشياء أخرى، منها مراعاة وضع الشهود الإنساني والأمني.
– اشرح طبيعة ما تقوم به، والمنتج النهائي الذي ستصل إليه إذا كنت في مهمة قصيرة، وإن كانت مهمة طويلة فعليك أن تحافظ على صلتك بالشهود تفاديًا لأي تغييرات تطرأ، وأن تطلعهم على تطورات القصة.
– إذا كنت تغطي أحداثًا في بيئة لا تعرفها فاحرص على التواصل مع أشخاص يؤمّنون لك سهولة الانتقال والحركة، فهؤلاء هم جزء من المصادر، لأنهم يعرّفونك إلى طبيعة ما يحصل، مع الحذر من ألا يؤثروا على قراراتك في التغطية والتعامل مع المصادر والشهود.
– كن صادقًا ومباشرًا مع الشهود والمصادر.
– احترم قرارهم في رفض أو قبول التعامل معك والإدلاء بمعلومات مهما كان موقفهم سيغير أو يضعف من تغطيتك، ولك أن تحاول أكثر من مرة، إلا إذا طلبوا عكس ذلك.
– تجنب الاحتيال في الحصول على المعلومة، كأن تقوم بسرد تفاصيل طُلب منك ألا تستخدمها في قصتك، وتذكّر أن بعض المعلومات تشكّل خطرًا على حياة الشهود والمصادر.
– التزم بتعهداتك بعدم كشف المصادر إذا طلبوا منك ذلك.
– تجنب المصادر المشبوهة، أو التي يمكن أن تمرر معلومات بهدف التضليل أو الإضرار بأطراف أخرى.
– لا تستفز المصدر أو الشاهد، وتعامل معه باحترام ومهنية، فقد تحتاج إليه لاحقًا، أو قد يغير قراره بعد حين.
– وثّق كل ما يقوله المصدر أو الشاهد، وكن صريحًا معه بأنك ستسجل شهادته.
– أخبره بأنك ستستخدم صورته أو صوته أو أي وثائق حصلت عليها منه في مادتك الصحفية.
– لا تستهِن بالمصادر التي تعتقد شخصيًا بأنها غير مفيدة، أو لأنك لا تعرف شيئًا عنها، فمهمتك فهم ارتباط تلك المصادر بالحدث والمعلومات التي تبحث عنها، وقد تجد ضالتك عندها.
– إذ كنت تخاطب المصدر عن بعد وليست بينكما معرفة مسبقة، وتستخدم تطبيقات عامة مثل “ماسنجر” أو “واتساب”، حاول أن تخبر المصدر مباشرة بما تريده وأهمية الموضوع، ودوره فيه، بعد التعريف عن نفسك ووسيلتك الإعلامية، ولا تنتظر أن يرد عليك إذا أرسلت له رسالة تقول: مرحبا، أنا الصحفي فلان العامل في جريدة كذا. كيف حالك؟ وتذكر أن بريده قد يتلقى عشرات الرسائل من هذا النوع.
– أرسل إلى مصادرك مادتك الصحفية بعد النشر، فهم يحبون ذلك، وسيكونون أكثر حماسة للاستجابة في مرات مقبلة.
– لا تقبل الهدايا التي يعرضها عليك المصدر لأنه سيشتريك بها، ولا تحاول أن تقدم له هدايا ما لم تنص سياسة وسيلتك الإعلامية على بنود تتعلق بالبدلات لنوع معيّن من المصادر، وبشكل مشروع.
– عرّف عن المصدر في مادتك الصحفية كما يجب، ولا تستجِب لبعض المصادر التي تبالغ في توصيفها لنفسها.
– إذا تقرر إلغاء المادة الصحفية فيجب عليك مراجعة المصدر، وإخباره بهذا التطور.
– إذا راجعك المصدر بعد نشر المادة، وطلب حذف تصريحاته أو شهادته لسبب غير مقنع يتعلق به شخصيًا، قدم له، بكل احترام، مبررات رفض الاستجابة، كالإضرار بالوسيلة الإعلامية، أو أن هذا يتعارض مع قواعد النشر في الوسيلة، واحرص على أن تكون قد وثّقت ما قاله وموافقته المسبقة على النشر.
– إذ راجعك المصدر في خطأ ارتُكب، مثل تغيير في المعنى، أو نقل معلومات غير صحيحة، راجع تسجيلاتك ووثائقك، وتأكد، ثم عد إليه بالنتيجة، ولا تتردد في التصحيح والاعتذار إن كان طلبه محقًا.
التعامل مع المصادر الحيّة جزء مهم من مهارات الصحفي وقدرته على التواصل، وهو ما يضمن نجاحه في تأدية المهمة، وتجنب المزالق والإحراج واهتزاز الثقة، أو تعريض نفسه ووسيلته الإعلامية لملاحقات قضائية، بسبب سوء استخدام معلومات المصادر أو الإساءة لها… وللحديث بقية.