نهائيات تُكسب ولا تُلعب
عروة قنواتي
وكأنها “تُكتب ولا تُلفظ “، على نفس الوزن تأتي عبارة “تُكسب ولا تُلعب” التي يشار بها إلى عدم قبول القسمة على اثنين، وأغلبها ضمن إقصاءات المسابقات الكبرى أو المباريات النهائية أو تصفيات التأهل للمونديال والبطولات القارية. لماذا؟
لأن الهم والاهتمام ينصب داخل المباراة على الفوز بأي ثمن وضمن أي خطة أو بالاستفادة من كل أنواع هفوات الخصم ولربما سوء تقدير الحكم. والوصف في أغلب الأحيان يشمل رواد النظريات والخطط الدفاعية واللعب بتكتيك عالٍ وبأقل الأضرار لفرق ومنتخبات قوية ومشهورة أو ضعيفة وخارج إطار الضوء. فالعنوان والوصف والنظرية ليست حكرًا على حالة معيّنة، وهذا ما شاهدناه في نهائي دوري أبطال أوروبا قبل أيام، الذي أفضى إلى نجمة أولى على قميص مانشستر سيتي، وحسرة وخيبة أمل على وجوه وقمصان إنتر ميلان.
السيد بيب جوارديولا الذي كان ملك الواقعية هذا الموسم، وعلى إثر واقعيته المرحّب بها إعلاميًا وكرويًا، حُصدت ثلاثية تاريخية في الدوري والكأس ودوري الأبطال، قد تتوسع إلى سداسية تاريخية إذا استطاع عبور مونديال الأندية والسوبر الأوروبي أمام إشبيلية ولقب الدرع الخيرية مع انطلاق الموسم الجديد في “البريميرليج”.
السيد سيموني إنزاجي فعل ما يجب فعله هذا الموسم، تميز بالشجاعة والتقنية في أغلب البطولات مع فريقه، صحيح أنه خسر لقب الدوري أمام صواعق نابولي التي أطاحت بكل الخصوم أرضًا ضمن منافسات “الكالتشيو”، لكن في المقابل، حصد السوبر الإيطالي وكأس إيطاليا، وذهب إلى المباراة النهائية في “الشامبيونزليج” ضمن دائرة التحدي التي كان عنوانها قبل انطلاق المواجهة مع السيتي: “مسكين إنزاجي وقع مع لاعبيه ضمن أنياب الفيلسوف”. راهن على حظوظه وكان سيد الموقف في أغلب أوقات المباراة وكاد أن يتعادل، ولربما كاد أن يحصد اللقب، إلا أنه سقط في امتحان بسيط مفاده أن “النهائيات تفاصيل بسيطة.. تُكسب ولا تُلعب”.
ما أحببت الإشارة إليه ضمن زاويتي هو أن إنتر ميلان خالف كثيرًا من التوقعات والنقاد والعشاق بأن النهائي سيكون صعبًا عليه، وبأنه سيكون أول من يجعل هذا النهائي مملًا ومن طرف واحد، فقط لصفة التصقت بالكرة الإيطالية، وهي الدفاع المستميت وإغلاق منافذ العبور والثغرات على الخصم، بما يعادل استخدام كل لاعبيه في صندوق الدفاع ومنتصف ملعبه والاعتماد فقط على المرتدات والكرات الثابتة إن سمح له الفريق الإنجليزي “سيد الانتشار ونقل الكرة والسرعة والمفاتيح والتيكي تاكا والضغط العالي”.
خالف إنزاجي كل هذه التوقعات والحالات الافتراضية، فكان مميزًا بالتحدي والندّية، وأضاع مهاجموه أربع فرص محققة بأسلوب غير معقول وبحالة تراخٍ لا مبرر لها، فيما كان حارس مرماه يقظًا عنيدًا ومحفزًا لزملائه، بل وكان يقوم بأدوار دفاعية عند تقدم الفريق للأمام بشكل كثيف. أيضًا أونانا ومدافعوه سقطوا في التفاصيل البسيطة بهدف رودري الجميل، الذي أهدى السيتي لقبًا طال انتظاره، وترك سفير إيطاليا بحسرة الفرص الضائعة من لاوتارو مارتينيز وروميلو لوكاكو.
السيتي حامل اللقب في الموسم الحالي لم يمتّع جمهوره وجمهور أوروبا في النهائي، ولعب بواقعية وتكتيك عالٍ وبأقل الأضرار، بما يشابه مواجهة الذهاب مع ريال مدريد حامل اللقب السابق في نصف النهائي التي انتهت بالتعادل بهدف لمثله، ويومها لم يجرِ السيد بيب جوارديولا أي تبديل خلال 90 دقيقة، إلا أن الإياب كان قاسيًا على بطل المسابقة الأكبر ريال مدريد، فسقط في ميدان الاتحاد برباعية دون رد، لم يتنفس خلالها ولم يتسلّم الكرة لينقلها بعض النقلات إلا في عارضة توني كروس ومحاولة بنزيما في الشوط الثاني.
هذا يؤكد أن جوارديولا درس إمكانية فريقه وأسلوب اللعب داخل وخارج الأرض بشكل مميز، وعرف أن لا جدوى من المجازفة الزائدة والمتهورة خارج الأرض، لأنه يعرف مكامن القوة والضعف في فريقه أكثر من أي محلل وأي ناقد أو عاشق لكرة القدم. يمتلك لاعبين ونجومًا على مستوى عالٍ، لكنه يحترم الخصم ويعرف أيضًا أنه مستعد للمواجهة.
فاز السيتي في النهائي بعنوان النهائيات تُكسب ولا تُلعب. ربح ذات الأذنين ورفع النجمة الأولى مع لاعبيه على قميص “السيتيزن”، فيما استحق إنزاجي ومجموعته الشجاعة واحترام وتشجيع من تابع المواجهة النهائية، وعاد إلى إيطاليا ليعلن التحدي الجديد للموسم المقبل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :