عنب بلدي – محمد فنصة
أعلنت محكمة العدل الدولية أن كلًا من هولندا وكندا رفعتا قضية ضد النظام السوري بخصوص التعذيب في السجون السورية، بناء على عدم التزام سوريا باتفاقية “مناهضة التعذيب”، وطالبت الدولتان باتخاذ “تدابير طارئة” لحماية المعرضين لخطر التعذيب.
وجاء في بيان المحكمة الدولية، الصادر في 12 من حزيران الحالي، أن كندا وهولندا ذكرتا في الدعوى المقدمة، أن النظام ارتكب انتهاكات “لا حصر لها” للقانون الدولي، ابتداء من عام 2011 على الأقل.
وتشمل الانتهاكات، بحسب الدعوى المرفوعة، “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.
ومن هذه الانتهاكات أيضًا، استخدام الأسلحة الكيماوية، التي وصفها مقدمو الدعوى بـ”الممارسة البغيضة”، لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، ما أدى إلى عديد من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة.
ويطالب مقدمو الدعوى بفرض المحكمة “تدابير طارئة”، تشمل إصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفيًا، والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.
ما المرتجى من الدعوى؟
قال وزير الخارجية الهولندي، وبكي هوكسترا، في بيان تعليقًا على الدعوى التي قدمتها بلاده، “يعتبر إرساء المساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب عنصرين مهمين لتحقيق حل سياسي دائم للصراع في سوريا، لذا فإن تقديم هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية هو خطوة تالية رئيسة على الطريق الطويل لتحقيق هذا الهدف”.
المحامي السوري- البريطاني في مركز “جيرنيكا 37” إبراهيم العلبي، قال لعنب بلدي، إن الدعوى تنقسم إلى جزأين فيما يخص ما قد تحكم به المحكمة، الأول عبارة عن “تدابير مؤقتة” طالبت بتنفيذها هولندا وكندا بشكل فوري، من المتوقع أن تبت فيها المحكمة خلال فترة قصيرة.
.ويشارك العلبي كأحد مستشاري الحكومة الهولندية في هذه القضية
وإذا وافقت المحكمة على هذه التدابير المؤقتة، فإنها ستأمر النظام السوري بعدم ارتكابه أي انتهاكات تتعلق بموضوع المعتقلين وأوضاعهم في السجون، وغير ذلك من الإجراءات ذات الصلة، وفق العلبي.
وتعد الإجراءات أو التدابير المؤقتة “ملزمة قانونيًا” في حال أقرتها المحكمة الدولية على النظام، كونه منضمًا لاتفاقية “مناهضة التعذيب”، بينما تنفيذ النظام لهذه الإجراءات يرتبط بالجو السياسي العام، مع الإشارة إلى أن ضغط المحكمة الدولية في هذا الاتجاه يعد أكبر بالمقارنة مع طلبات أخرى من أطراف غير قضائية، وفق العلبي.
وتسعى الحكومتان (الهولندية والكندية) لتحميل النظام المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي صدّقت عليها دمشق عام 2004.
وإذا وجدت المحكمة أن لها اختصاصًا، فستكون محكمة العدل أول محكمة دولية قادرة على التوصل إلى نتيجة قانونية بشأن استخدام النظام للتعذيب في سوريا.
أما الجزء الثاني فهو ما يتعلق بالدعوى المرفوعة وما ستشكّله من اعتراف دولي من محكمة دولية بممارسة النظام التعذيب منذ عام 2011، وما ينتج عنها من مطالبة بالتعويضات ومطالبة بمحاسبة المجرمين، ووضع ملف جرائم التعذيب لدى النظام أمام أعلى محكمة دولية، وفق المحامي السوري- البريطاني.
وتأتي هذه التحركات في ظل حركة التطبيع العربي مع النظام، وإعادته إلى الجامعة العربية، وطرح مبادرة يقودها العرب لحل الملف السوري، وفق مسار “خطوة بخطوة” والقرار الأممي “2254”.
دعم دولي
رحبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بقرار كندا وهولندا المباشرة بإجراءات قضائية في محكمة العدل الدولية لمحاسبة النظام.
وجاء في بيان للخارجية الأمريكية، في 14 من حزيران الحالي، ترحيب الولايات المتحدة بقرار كندا وهولندا المباشرة بإجراءات قضائية في محكمة العدل الدولية لمحاسبة النظام على تعذيب الآلاف بحسب ما تشير إليه التقارير الحقوقية.
ورحبت بريطانيا بدورها بالتحرك القضائي قائلة، “يستخدم النظام السوري التعذيب والعنف الجنسي الممنهج والأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري. لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي في سوريا دون محاسبة على هذه الجرائم”.
وطُرحت شكوك حول رفض محكمة العدل الدولية الدعوى القضائية من هولندا وكندا، بحجة عدم موافقة النظام على اختصاص المحكمة لقضية كهذه، وهو ما فنّده إبراهيم العلبي مستبعدًا هذا الأمر، ومستندًا إلى أن النظام وافق على اتفاقية “مناهضة التعذيب”، ولم يتحفظ على المادة “30” المتعلقة بحل النزاعات.
وتقول المادة، إنه في حال فشلت المفاوضات والتحكيم في حل النزاعات بين دولتين، فإنه يمكن اللجوء لمحكمة العدل الدولية لحلها، وهو ما يجعل لديها اختصاص في القضية، بحسب العلبي.
كما أوضح العلبي أن المحكمة اعتبرت في قضية سابقة أن التعذيب هو انتهاك يمس المجتمع الدولي ككل، وبالتالي تستطيع أي دولة التحرك ولو لم تتأذَّ منه بشكل مباشر.
وبدأت مجريات الدعوى منذ أن قدمت هولندا، في أيلول 2020، مذكرة إلى البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، تدعو فيها النظام إلى محادثات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها في سوريا.
لكن عدم التزام النظام بالمحادثات وإنكاره التعذيب، دعا هولندا إلى التحرك القضائي لدى محكمة العدل الدولية، وانضمت كندا إلى نفس الإجراء عام 2021.
ومنذ بداية التحرك الهولندي، رحبت عدة دول منها أمريكا وألمانيا وعديد من منظمات المجتمع المدني السورية بالتحرك، لكن فقط كندا من انضم للدعوى.
وحول هذا الموضوع، أوضح المحامي السوري إبراهيم العلبي أن موضوع الدعاوى في محكمة العدل الدولية “غير عددي”، إذ يمكن أن تختص في دعوى بين دولة ودولة، أو دولة ودولتين، وفي بعض الأحيان يمكن أن تتقدم أكثر من دولتين بدعوى ضد دولة واحدة، مثل الدعوى التي تقدمت بها سابقًا كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد قطر.
وستكون هناك مساحة لكل الدول التي تريد أن تعلق أو تقدم مداخلة في الدعوى، ولكن ليس كطرف فيها.
تابعة للأمم المتحدة
محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وتتولى المحكمة الفصل طبقًا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ويتمثل اختصاصها في دورين أساسيين: معالجة الخلافات القانونية بين الدول من خلال أحكام قضائية، وإصدار آراء استشارية بخصوص أسئلة حول القانون الدولي.
ولا يقع ضمن اختصاص المحكمة معالجة قضايا على المستوى الفردي، وبمعنى آخر ليس من اختصاصها تنفيذ القانون الجنائي الدولي الذي تتضمن مبادئه الأساسية المسؤولية الجنائية الفردية، بل هي محكمة تُعنى فقط بالشكاوى بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وتتناول محكمة العدل الدولية مواضيع جنائية، مثل موضوع التعذيب، من باب انتهاك الدول التزاماتها بموجب المعاهدات المصدّق عليها، وبما يشكّل أساسًا لما يُعرف بالخلاف القانوني بين دولتين.
وفي مثل هذه الحالة من الخلافات القانونية، لا ينحصر الأمر باعتباره يتناول علاقات ثنائية بين دولتين، ولكنه يتعلق بواجبات الدولة المنتهكة تجاه جميع الدول الأطراف الأخرى في المعاهدة، وواجب تلك الدول في التصدي لهذه الانتهاكات ووضع حد لها.
وتتألف المحكمة من 15 قاضيًا، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات، ويمكن إعادة انتخاب الأعضاء.
يُنتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات، ولا يُسمح بوجود قاضيين يحملان نفس الجنسية، وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يعاد انتخاب قاضٍ بديل يحمل نفس جنسية المتوفى فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته.