بيت جن.. اقتتال طويل يحوّل حياة الأهالي إلى جحيم
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
يعيش أهالي بلدة بيت جن بسفح جبل الشيخ في محافظة ريف دمشق حالة توتر أمني بين فترة وأخرى، ضمن منطقة لم يجرِ البتّ بمصيرها منذ “التسوية” التي انضمت بموجبها إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.
وما إن يخيّم الهدوء على البلدة، ويحظى السكان بحياة يومية طبيعية، حتى تعود الاشتباكات بين عائلاتها، لتجبر بعضهم على النزوح، وبعضهم الآخر على التحصن بمنازلهم، بحسب ما قاله بعض الأهالي لعنب بلدي.
في 2 من حزيران الحالي، شهدت بيت جن الواقعة جنوب غرب دمشق والتابعة لمنطقة قطنا اشتباكات متقطعة على خلفية قتل ثلاثة شبان من أبناء البلدة، تبعها خلاف عائلي تطور إلى استهداف الحارة الجنوبية من البلدة بأكثر من 30 قذيفة هاون.
نزاع لا حل له
يزداد وضع الأهالي سوءًا يومًا بعد يوم، خصوصًا مع تزايد وتيرة الاشتباكات والقصف الذي يتبادله أطراف النزاع، وفي كل مواجهة من هذا النوع يقع السكان المحايدون ضحية الاشتباكات.
يعمل يوسف بأرضه المزروعة بأشجار المشمش والجوز والزيتون في بيت جن، يعيش هو وعائلته من مدخول الأرض في ظل الوضع المعيشي السيئ بسوريا عمومًا.
يوسف، فضّل عدم ذكر اسمه الكامل، قال لعنب بلدي، إن النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات ليس فيه طرف منتصر، لكن الخاسر حتمًا هم سكان المنطقة.
وأضاف أنه صار يبحث عن مأوى جديد له خارج بلدته، إما في مزرعة بيت جن وإما على أطراف بلدته بعيدًا عن مركز المواجهات، خوفًا على عائلته وبحثًا عن حياة آمنة.
وتتجدد الخلافات في البلدة بشكل متقطع منذ سيطرة النظام السوري على المنطقة الجنوبية، ضمن اتفاق “التسوية” منتصف عام 2017.
خلافات بين عائلات تربطها علاقات بالنظام وأجهزته العسكرية، وأخرى في البلدة لها ماضٍ في معارضة النظام وحكمه، تتجدد كل فترة حاصدة مزيدًا من القتلى والجرحى، تحت أعين النظام الذي ينأى بنفسه عن أي تدخل بعد “التسوية”، تاركًا أمر حقن الدماء للوجهاء والعشائر.
منطقة سياحية بلا سياح
يملك محمد، وهو من أهالي بلدة بيت جن، مطعمًا قرب نبع “بيت جن” في سفح جبل الشيخ، ويعتمد على السياحة في فصل الربيع والصيف كمصدر دخل له منذ سنوات، لكن التوتر الأمني في المنطقة حرمه من مدخوله الوحيد، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن الخلافات في البلدة حالت دون دخول السياح إلى البلدة، إلى جانب ممارسات الحواجز الأمنية التابعة للنظام في المنطقة، إذ تمنع الحواجز دخول السائحين إلى بيت جن، خوفًا عليهم من أي مشكلة قد تحدث، حسب قوله، وبحسب ما سمعه من عناصر قوات الأمن في البلدة.
ويبحث محمد، حاله كحال كثير من سكان البلدة، عن فرصة عمل جديدة لكي يعيش وعائلته منها، في ظل الوضع المعيشي الذي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
وبالنسبة لمحمد، يعتبر الرحيل عن البلدة خيارًا مطروحًا، إذا استمر الوضع الأمني على ما هو عليه اليوم.
الحياة متوقفة
يعمل معظم أهالي بلدة بيت جن بالزراعة أو التهريب أو تربية المواشي، وأكثرها الماعز كون المنطقة جبلية، وبسبب الاشتباكات وتوتر الأوضاع الأمنية، تتوقف الحياة بشكل كامل بين الحين والآخر، فلا عمل ولا سياحة ولا راحة نفسية.
ضغوط الحياة تمنع السكان حتى من التفكير بحلول بديلة، بحسب ما قاله بعض سكان المنطقة لعنب بلدي، ويعتبر الرحيل باتجاه القرى المجاورة أو الخروج من البلدة، وبناء منازل في الأراضي الزراعية بعيدًا عن التجمع السكاني داخل البلدة، أحد الحلول التي يفكر بها الجميع.
كان أحمد قائدًا لمجموعة عسكرية تتبع لـ”الجيش السوري الحر” في بلدة بيت جن سابقًا، عندما كانت تسيطر المعارضة على المنطقة، ويمضي وقته اليوم في محاولات حل الخلاف بين الأطراف المتقاتلة في البلدة، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف قائد المجموعة الذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل، أن النظام لطالما كان يحاول إشغال سكان البلدة ببعضهم، وهو دافعه اليوم لحل هذه الخلافات، كون المتقاتلين من أبناء بلدة واحدة، ويتسببون بضرر للأطفال والنساء والشيوخ في المنطقة، ناهيك بأن أغلبية الأهالي توقفوا عن العمل، وصاروا أمام خيارين، إما حل المشكلة وعودة الحياة إلى طبيعتها، وإما مغادرة البلدة وبدء حياة جديدة.
الخلاف نفسه منذ سنوات
تزداد الأوضاع توترًا مع الوقت، ويصعب حل الخلافات بين الأطراف المتقاتلة، في حين تحاول لجان “المصالحة” في القنيطرة ودرعا وريف دمشق الغربي وبعض وجهاء المناطق حل النزاع، لكن دون جدوى.
ومع كل اشتباك يحاول وجهاء القرى المجاورة لبلدة بيت جن الدخول إليها، وتهدئة الوضع وحل الخلاف عشائريًا، دون تدخل من قوات النظام.
وتكمن صعوبة حل الخلاف بارتباط عائلة حمادة (أحد أطراف الخلاف) مع النظام، وتحميلها دم من قُتلوا خلال دعمها محاولات النظام اقتحام البلدة من عائلات أخرى (كان أفرادها في “الجيش الحر” سابقًا)، منذ سيطرة فصائل المعارضة على بلدة بيت جن ومزرعتها عام 2014، بحسب ما قاله عضو لجنة المصالحة في القنيطرة محمد الحسن (أبو صهيب)، في حديث سابق لعنب بلدي.
ويلعب النظام دورًا رئيسًا في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصًا “الفرقة الرابعة”، في محاولة للسيطرة ووضع حواجز تقسم المنطقة، كونها ذات موقع استراتيجي، وتعتبر أحد أهم طرق التهريب من جهة لبنان إلى المنطقة الجنوبية ما يزيد الأمر تعقيدًا، بحسب الحسن.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في القنيطرة زين الجولاني
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :