عنب بلدي – يامن مغربي
تخطت التحركات السعودية تجاه النظام السوري خلال الشهرين الماضيين الشأن السياسي لتشمل الجوانب الاقتصادية، وهو ما يتطلع له النظام، ويعبر عنه صراحة كما جرى خلال حضوره الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية (جدة- أيار 2023)، التي دعا خلالها إلى دعمه اقتصاديًا والاستثمار في سوريا.
بين نيسان الماضي وحزيران الحالي، ظهرت ثلاثة مؤشرات حول هذه التحركات، الأول نشر الجريدة الرسمية في سوريا حصول شركة سعودية على ترخيص للعمل في سوريا تحمل اسم “السبع بيار للأسمنت البورتلاندي”، تعود ملكيتها لثلاثة مواطنين سعوديين، وآخر سوري، برأس مال قدره 60 مليون ليرة سورية (حوالي ستة آلاف و666 دولارًا أمريكيًا).
ويتعلق المؤشر الثاني بتصريحات رئيس اتحاد غرف التجارة السعودية، حسن معجب الحويزي، في 14 من حزيران الحالي، خلال اجتماعه مع نظيره السوري، محمد أبو الهدى اللحام، وأشار فيها الحويزي إلى “تطلع الشركات السعودية للمساهمة الكبيرة في الاستثمار والشراكة مع الشركات السورية، وإطلاق ورشة عمل كبيرة في سوريا”، دون تحديد موعد مؤكد لها.
فيما نقلت صحيفة “الوطن” المحلية المقربة من النظام السوري عن رئيس غرفة تجارة ريف دمشق، أسامة مصطفى، قوله، إن اتحاد الغرف السعودية سيزور دمشق قريبًا “للاطلاع على الفرص الاستثمارية المتاحة”.
كما سبق لرئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية في مجلس الشعب السوري، بطرس مرجانة، أن اعتبر في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في نيسان الماضي، أن “التقارب السوري- السعودي سيفتح الباب أمام تنشيط حركة التجارة بين البلدين، وعودة العلاقات المصرفية المهمة بينهما”، وهذا هو المؤشر الثالث.
لذا فإن السؤال الأبرز المتعلق بهذه المؤشرات، بما في ذلك ما سبقها من تحركات إماراتية في الشق الاقتصادي، هو إمكانية تأثيرها بشكل إيجابي على السوريين القاطنين في مناطق نفوذ النظام السوري.
لا يُعرف حجم الاستثمارات السعودية في سوريا لغاية انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، إذ توقفت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.
رغم القطيعة المعلَنة، فتحت السعودية أبوابها لدخول الشاحنات القادمة من سوريا إلى السعودية عبر الأردن، إذ أشار موقع “ملفات سوريا للدراسات” إلى أن السعودية تحتل المرتبة الأولى كأكثر الدول استيرادًا من سوريا، وتحديدًا في قطاعي الغذائيات والألبسة الجاهزة، بما يقارب 140 مليار ليرة سورية (حوالي 55 مليون دولار) في 2020.
وفي عام 2021، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري عن حصول شركة “نهلة الرياض” على ترخيص للعمل في سوريا، ضمن أنشطة المقاولات والتعهدات وتجارة مواد البناء والديكور والإكساء والمواد الغذائية والأجهزة الكهربائية، برأس مال خمسة ملايين ليرة سورية.
ووفق هيئة الإحصاء السعودية، بلغت الصادرات السعودية إلى سوريا 83 مليون ريال سعودي (حوالي 22 مليون دولار أمريكي).
كيف تنعكس هذه التحركات؟
أعلنت الإمارات في عام 2018، إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وأُعلن بعدها عن ترخيص عشرات الشركات الإماراتية في سوريا، دون أن تمارس نشاطًا فعليًا على الأرض.
وعلى الرغم من أن الإمارات سبقت السعودية في تأسيس الشركات، يبدو أن السعودية تتجه في الفترة المقبلة نحو تأسيس عدد من الشركات ضمن رؤية استراتيجية عامة، تتعلق بجوانب سياسية واقتصادية ورياضية لا ترتبط بالرياض وحدها، بل تشمل الشرق الأوسط ككل.
لكن السؤال الأبرز هو كيف يمكن أن تنعكس هذه التحركات على الاقتصاد السوري والواقع المعيشي للسوريين في مناطق النظام السوري، التي تعاني أزمات اقتصادية ومعيشية حادة.
الدكتور في العلاقات الاقتصادية الدولية عبد المنعم الحلبي، قال لعنب بلدي، إن التأثير الإيجابي قد يأتي من خلال التنافس الإقليمي الإيراني- السعودي- التركي في المنطقة، وهذه الدول التي تنافست سياسيًا وعسكريًا في الماضي القريب، نقلت تنافسها إلى الميدان الاقتصادي.
وأوضح الحلبي أن نقل التنافس من الحالة العسكرية والسياسية إلى الاقتصادية قد يؤدي إلى تحسن الوضع الاقتصادي السوري في حال سارت الأمور وفق المخطط الإقليمي، وهو ما سينعكس على الوضع المعيشي للسوريين.
ويرتبط هذا التحسن وفق الحلبي بعودة حركة السوريين إلى الخليج لطبيعتها، وإعادة الاعتبار للهوية السورية، ووجود استثمارات مباشرة ودعم للاحتياطيات النقدية، وعودة قنوات الاستثمار المالي مجددًا، وكذلك للبنوك ورأس المال الحكومي.
في المقابل، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أن حركة الانفتاح على النظام السوري، وما قد نشهده من تطورات في مجال تمويل مشاريع التعافي المبكر في مناطق النظام من قبل عدة جهات وتحت مسميات عدة، لن تكون لها آثار كبيرة وملموسة على الوضع المعيشي للسكان والاقتصاد بشكل عام في مناطق سيطرة النظام.
وقال الباحث، إن ما يضعف أثر الانفتاح الاقتصادي على النظام، هو تحكم شبكات أمراء الحرب والمحسوبيات في الاقتصاد، وضعف الحوكمة القائمة في ظل ما تعانيه من ترهل وفساد، وبالتالي هي مكاسب سيحصدها المنتفعون، بحسب رأيه.
وحول بدء شركات سعودية الدخول إلى السوق السورية في مناطق سيطرة النظام السوري، أشار الدسوقي إلى أن تأسيس هذه الشركات ليس جديدًا، لكنها اكتسبت زخمًا بعد التطورات السياسية الأخيرة والتقارب بين دمشق والرياض.
وفي تقرير “البنك الدولي” لممارسة الأعمال، الصادر في عام 2020، حلّت سوريا في المرتبة 176 من أصل 190 دولة، وبالمرتبة 143 في بدء النشاطات التجارية، و186 في استخراج تراخيص البناء.
ويرى الدسوقي أن البيئة لا تزال غير مشجعة لبدء استثمارات جدّية في سوريا للأسباب التي ذُكرت سابقًا، وأن الوضع الحالي يأتي في إطار الحفاظ على قنوات اقتصادية على شكل زيارات وتأسيس شركات، يمكن توظيفها لاستطلاع فرص الاستثمار وإمكانية العمل ومساحاته، وتفعيل الانخراط في السوق السورية بشكل جدّي في حال توفر الشرط السياسي وزال العائق الاقتصادي.
ماذا تريد السعودية من هذه التحركات؟
ترتبط التحركات السعودية الأخيرة تجاه النظام السوري بتحركاتها أيضًا تجاه حليفه الرئيس في المنطقة، إيران، وهو ما يشير إلى أن الرياض تعمل وفق رؤية استراتيجية لا تتعلق فقط بنظرتها إلى النظام السوري، أو محاولة تأهيله وتعويمه مجددًا، رغم أن الاقتصاد السوري متنوع الموارد بين الزراعة والسياحة والفنون والصناعة والموارد الطبيعية.
ذكرت دراسة أجراها “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية” ونشرها في 13 من نيسان الماضي، أن هناك مكاسب عدة للسعودية، تتمثل في تعزيز موقعها الاستراتيجي، وتحقيق مشاريعها التنموية، والخروج من مناخ المواجهة إلى تصفير المشكلات وإزالة العقبات الدبلوماسية، والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة ترتيب البيت العربي تحت قيادتها، والتخلص من تهريب المخدرات.
الدراسة أشارت إلى أن الاقتصاد السوري أصبح أسيرًا لتجارة “الكبتاجون” في إطار ما يُعرف بـ”اقتصاد الظل”، وهو ما يمثّل تهديدًا مباشرًا للسعودية ودول الخليج الأخرى.
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، يرى أن توجه السعودية قائم على الحفاظ على الاستقرار، وتنشيط دورها إقليميًا بما ينعكس على الاستقرار الداخلي، وتولي دور قيادي في تهدئة النزاعات وتسويتها كي لا تتحول إلى ساحة استقطاب دولية أو أزمات مزمنة، وهذا يساعدها في توفير بيئة جاذبة للاستثمارات، وتنشيط الروابط الاقتصادية كمصلحة مشتركة بين عموم دول المنطقة.
كما تسعى للانفتاح على الجميع، ودعم الدولة بمؤسساتها للتعامل معها لحل الأزمات الإنسانية والأمنية التي أفرزتها الصراعات في المنطقة، وفق الدسوقي.
بينما يرى الدكتور في العلاقات الاقتصادية الدولية عبد المنعم الحلبي، أن السعودية ترى أهمية تنوع الاقتصاد السوري وفعاليته وإمكانية إيجاد مكان لها فيه، ولكن الأمر يتعلق بالسيولة المعطلة بسبب العقوبات، وخروج موارد النفط من أيدي النظام، وبالتالي قد تسعى إلى إعادة تفعيل الاقتصاد برؤوس أموال سعودية مباشرة أو عبر شركات استثمارية.