بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية
الهجرة تفرغ القامشلي من سكانها المسيحيين
الحسكة – مجد السالم
تشهد مناطق شمال شرقي سوريا تراجعًا في حضور أبناء المنطقة المسيحيين على خلفية الهجرة المتواصلة إلى دول أخرى، في ظل الظروف الأمنية والمعيشية التي تشهدها سوريا.
أبنية من عدة طوابق أصبحت كتلًا أسمنتية معتمة في الليل، وبلا حياة في النهار، بعد أن هجرها أصحابها وسافروا خارج البلاد بطرق مختلفة.
عيسى (56 عامًا)، من حي الأربوية في القامشلي شمال شرقي سوريا، طلب عدم ذكر اسمه الكامل، قال لعنب بلدي، إن عشر سنوات من الحرب كانت كفيلة بدفع مئات العائلات من المدينة إلى الهجرة واللجوء “بأي ثمن كان”.
لدى عيسى أربعة أولاد، هاجر ثلاثة منهم مع والدتهم وبقي مع ابنته التي تقدم امتحان الثانوية هذا العام، وهو ينتظر انتهاء الامتحانات لكي يلتحق ببقية عائلته التي سبقته إلى السويد قبل عامين.
يعتبر عيسى نفسه من الميسورين ماديًا، وما يدفعه للهجرة والهروب مع عائلته هو عدم الشعور بالأمان، فالرغبة بالاستقرار والأمان سبب أساسي لقرار عديد من المسيحيين بالهجرة للبحث عن أفق أرحب في أرض جديدة، وبيئة أكثر أمانًا حيث يمكنهم إعادة بناء حياتهم وتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم.
لا تتوفر أي أرقام أو بيانات رسمية حول أعداد المسيحيين في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، وكشف تقرير نشرته منظمة “Aid to the church in need” (مساعدة الكنيسة المحتاجة) الخيرية الكاثوليكية، في تشرين الثاني 2022، عن أن المسيحيين في سوريا يعانون تزايد القمع والاضطهاد حاليًا أكثر مما كانوا عليه عندما سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على مساحات شاسعة من البلاد خلال الأعوام السابقة.
وبحسب التقرير، فإن عدد المسيحيين في سوريا انخفض خلال عقد من الزمن من مليون ونصف (10% من السكان) قبل عام 2011 إلى نحو 300 ألف حتى تشرين الثاني 2022، (أقل من 2% من السكان).
تفريغ شبه تام لقرى وبلدات
حنا لياس (50 عامًا)، من حي الأشورية في مدينة القامشلي، قال لعنب بلدي، إن عشرات العائلات كانت تجلس أمام بيوتها العربية أو الطابقية في المساء وعند الغروب، يشربون القهوة والشاي ويتبادلون أطراف الحديث في عادة قديمة منذ عشرات السنين، لكن المتغيرات التي شهدتها المنطقة حرمت الأهالي من هذه العادة جزئيًا.
وأوضح حنا أن أعدادًا قليلة من المقيمين في الأحياء ذات الأغلبية المسيحية كالوسطى والأشورية، تحافظ على هذه العادة، في حين خلت المنازل من أصحابها وأقفلت أبوابها.
يبدو الوضع أكثر قتامة بالنسبة للقرى المسيحية المنتشرة في ريف القامشلي الجنوبي والشرقي وعلى ضفاف نهر “الخابور” وبريف مدينة المالكية، إذ خلت قرى كاملة من سكانها، ورحل عنها أصحابها ليستقروا داخل المدن الرئيسة في المحافظة، بعد التهديدات الأمنية التي طالت وجودهم عندما كان تنظيم “الدولة الإسلامية” يسيطر على مساحات واسعة من ريف القامشلي الجنوبي وصولًا إلى الحدود العراقية، وبعضهم ترك القرى وصار لاجئًا في دولة أوروبية.
وشهدت سنوات قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” شمال شرقي سوريا، قبل انتهاء المعارك في آخر معاقله بدير الزور 2019، تضييقًا على المسيحيين في المنطقة كغيرهم من أطياف الشعب السوري، وطالتهم استهدافات عديدة أعلن التنظيم مسؤوليته عن معظمها، وجرى تحويل كنائسهم إلى مقار عسكرية ومصادرة ممتلكاتهم.
من جهتها، قالت كريستين صبري (29 عامًا)، “بات من الصعب عليّ تحقيق حلمي بدراسة الهندسة المدنية في سوريا، في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها السوريون من قلة فرص العمل وسوء الأوضاع المعيشية والأمنية، إذ لم أستطع إكمال دراستي الجامعية بسبب الوضع المادي، ما دفعني إلى التوقف عن الدراسة والسفر مع عائلتي إلى السويد، والآن أنا معيدة في الجامعة”.
ورغم أن هجرة السوريين لا تقتصر على المسيحيين، فإن هجرة أبناء الريف من المسيحيين تبدو بوضوح مع تفريغ شبه تام لقرى وبلدات من سكانها، وتضاؤل أحد مكوّنات التنوع الديموغرافي والثقافي السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :