رغم التهجير وقلة المعدات وضعف الدخل
مدارس الإنشاد السورية تجتمع في إدلب
عنب بلدي – أنس الخولي
ما إن ينشد محمد نسب الأناشيد والمواويل التي تصف مدن وبلدات سوريا وشعبها حتى تنساب دموع السامعين حنينًا إلى بيوتهم ومساكنهم وأيامهم الجميلة، ثم يغير الوتيرة إلى المدائح الدينية الإسلامية، لينتقل بعدها إلى أناشيد خاصة بالثورة السورية، وعندما تشتد الحماسة ينشد أغاني الفرح ليبدأ احتفال العرس.
محمد، هو رئيس فرقة “نور الهدى” الإنشادية، وتعلم الفن على يدي والده، أحد أبرز منشدي منطقة باب السباع في مدينة حمص، وسط سوريا، مذ كان في السابعة من عمره، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
أتقن محمد الإنشاد في سن الـ14 عامًا، وعمل في “الكورال” لعام واحد، ثم أكمل مسيرته في الإنشاد.
بعد الثورة السورية، تغيرت الظروف، وهُجّر محمد قسرًا من مدينته إلى إدلب شمال غربي سوريا، ليعمل في التجارة، ثم يعود للعمل في الإنشاد بعد حضوره أحد الأعراس في المدينة.
ردود الفعل خلال الحفل على إنشاد محمد، دفعته لتأسيس فرقة إنشادية خاصة به، وفق حديثه لعنب بلدي، وتكونت في البداية من ثلاثة أفراد فقط، وحملت اسم فرقة “نور الهدى”، قبل أن يرتفع عدد أفرادها إلى تسعة، وتقدم أنماطًا أخرى من الإنشاد، كالدمشقي والحلبي والإدلبي.
وتتكون عادة الفرق الإنشادية من رئيس الفرقة، الذي يدرب أفرادها على الإنشاد والمقامات، ونائبه، بالإضافة إلى “الكورال” وضابط الإيقاع والعازفين.
ويعدّ “الدولاب الشيخاني” أهم ما يميز الشكل الحمصي عن بقية أشكال الإنشاد السورية، وهو عبارة عن نقرات خفيفة على الطبلة، تشتد وتيرتها وتتسارع بشكل حماسي ليبدأ معها الغناء والإنشاد.
وعُرف في سوريا، خلال القرن الـ20، عشرات المنشدين الدينيين، ممن حازوا شهرة واسعة، وارتبط اسم بعضهم بشهر رمضان، كتوفيق المنجد وحمزة شكور وسليمان داود ومحمد الحكيم.
صعوبات تواجه الفرق الإنشادية
ورغم تزايد الطلب على الفرق الإنشادية في إدلب، فإن هذه الفرق تواجه صعوبات تتعلق بنقص المعدات والدخل المادي.
وفق محمد نسب، فإن الفرقة تحتاج إلى معدات صوتية وآلات معيّنة ليكون نتاجها متقنًا، منها آلة “درامز”، التي يصل سعرها إلى 1200 دولار، و”إذاعة” يبلغ ثمنها 700 دولار، عدا عن معدات التصوير واللباس الموحد للفرقة.
وفي المقابل، تتقاضى الفرقة 100 دولار كحد أقصى عن الحفلة الواحدة، بل وتحيي بعضها مجانًا في بعض الأحيان، وهو ما لا يجعل الإنشاد مصدرًا للرزق، وفق محمد.
إدلب تجمع مدارس مختلفة
تتعدد أذواق الشعب السوري تجاه الطرب والإنشاد، بحسب عادات وتقاليد كل منطقة في إحياء الحفلات، من الطرب الأصيل والغناء إلى الإنشاد السريع والرقص.
عمر الحسين، أحد منشدي أحياء حلب القديمة، بدأ الإنشاد في حلقات الذكر، ثم أتقن المقامات وفنون الإنشاد، لينشد في الأعراس والحفلات في الأحياء الشعبية بحلب قبل تهجيره إلى إدلب.
تحدث عمر لعنب بلدي عن أذواق الشعب السوري قائلًا، إن الطرب الحلبي أصيل، وهو من أقدم فنون الطرب السورية وأعرقها، ويتنوع بين الموال “السبعاوي” وغناء القصيدة والموشحات الأندلسية و”العتابا” الثلاثية، كما اشتهرت حلب بمقامات “الصبا” و”البيات” و”العجم”، وهذه المقامات تناسب الرقصات العربية الأصيلة، فأهل حلب يعشقون “السلطنة” والغناء الطربي البطيء.
يبدأ عمر بالموال ثم تدخل فقرة “السيف والترس”، وعندما تشتد الحماسة تنتقل الفرقة لرقصة “القوصر” أو “الشرقي”، وهي من الرقصات العريقة التي يختص بها أهالي إدلب، في حين يفضّل أهالي حمص ودمشق الإيقاع السريع ومقامات “النهاوند” و”الرصد”.
وينقسم الإنشاد إلى ثلاثة أنواع في سوريا وفق عمر، الأول هو “الموشح”، وهو موال غير مرتل، يتلوه “الدور”، وهو طبقة أعلى، وتحتاج إلى بعض الإتقان في طبقات الصوت العليا.
أما الثالث فهو “القدود”، التي تعتبر أعلى الدرجات، وتتطلب إتقان اللفظ والمقام والمُغنّى من كلمات القصيدة بحيث تندمج معًا.
بدأت فرقة عمر التي تحمل اسم “المدينة المنورة” بالإنشاد الحلبي، وبعد تأقلمها مع الظروف، بدأت بإتقان فنون الإنشاد الأخرى لتلبية الأذواق المختلفة في المدينة التي استقبلت مهجرين من عدة مدن سورية، ضمن ما عُرف بـ”اتفاقيات التسوية”.
وتتألف فرقة “المدينة المنورة” من خمسة منشدين من جميع الأذواق، وعازف “الكاتم”، وهي آلة دف كبيرة الحجم وذات صوت مكتوم وعالٍ، كما تضم الفرقة ضابط الإيقاع و”الكورس”.
كيف أثرت الثورة على الإنشاد في سوريا
اجتماع السوريين من مختلف المحافظات في الشمال الغربي لسوريا، أدى إلى تعدد الأذواق في الشمال السوري، ما دفع بالمنشدين لتعلم فنون الإنشاد المختلفة، بعد أن كانوا يقتصرون على الذوق الذي يناسب بيئتهم ومدنهم، في المقابل، يغيب عن المشهد عمالقة الفن السوري الذين هُجروا خارج سوريا أو قُتلوا على يد النظام السوري.
المنشد عمر الحسين قال في حديثه لعنب بلدي، إن الظروف جمعت المنشدين في الشمال السوري من مختلف المحافظات والبيئات، وإن تنوع الأذواق في المجتمع بالشمال السوري جعل المنشدين يتأقلمون مع الظروف ويتعلمون أساليب الإنشاد المختلفة، لافتًا إلى أن لكل موشح مقامًا مناسبًا، وإلى ضرورة الإنشاد حسب الطلب أو جو الاحتفال.
من جانبه، قال المنشد محمد نسب، إن الشمال السوري يعاني غياب أساتذة الفن المتقنين للإنشاد، بسبب تهجيرهم خارج سوريا أو اعتقالهم أو قتلهم من قبل النظام لإنشادهم للثورة السورية.
وأشار إلى انتشار فرق إنشاد من قبل أشخاص “لا يجيدون الفن ولا يتقنون أدنى ضوابطه، ودون أي معرفة أو إتقان للمقامات”.
ووفق نسب، كانت نقابة الفنانين السوريين، سابقًا، تشرف على المنشدين، وبعد إتقان الإنشاد يجري اختبار للمنشد من قبل أساتذة محترفين، وفي حال عدم النجاح لا يسمح للشخص بإنشاء فرقة للإنشاد.
كما كان على المنشد الحصول على رخصة من وزارة الأوقاف في سوريا، حتى يستطيع الإنشاد في الأماكن العامة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :