تعرض مربي الأبقار علي زهرة، للتوقيف لمدة ثلاثة أيام من قبل حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب شمالي سوريا، وفرضت عليه غرامة مالية قدرها 100 دولار أمريكي، إثر شكوى قدمها “مجهولون” لوزارة الزراعة، حول قيامه بسقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي في قرية الفوعة قرب مدينة إدلب.
وقال علي زهرة المهجر من الغوطة الشرقية لعنب بلدي، إنه يعمل كمربي أبقار منذ الصغر، وورث هذه المهنة عن والده، وكان يعمل بها قبل تهجيره القسري إلى إدلب.
وبعد التهجير انتقل علي وأسرته المكونة من 18 شخصًا إلى بيت ريفي على أطراف قرية الفوعة، واشترى خمسة أبقار ليبدأ مشروعه بتربية الأبقار وتنميتها وبيع حليبها لمعامل الألبان، لكنه واجه مشكلة كبيرة في تأمين الأعلاف.
حاول علي زراعة الأعلاف المناسبة للأبقار، ومع عدم توفر المياه لسقاية المزروعات، عمل على حفر بئر قرب المنزل الذي يقيم فيه، لكن تكاليف حفر البئر في المنطقة تتجاوز 20 ألف دولار أمريكي، الرقم الذي لايقوى على دفعه، على حد قوله، ما جعله يعدل عن فكرة حفر البئر.
يصل سعر طن المواد العلفية للأبقار لنحو 400 دولار أمريكي، ويحتاج المربي علي لنحو 70 كيلو منها يوميًا لسد حاجة الأبقار من الغذاء، ما يسبب خسائر “فادحة” للمربين، وفق قوله.
وكبديل عن شراء الأعلاف الجاهزة، لم يجد علي حلًا لمشكلته سوى زراعة الأعلاف (نبات الفصة) وسقايتها بمياه الصرف الصحي، لتأمين نصف غذاء الحيوانات، ليتفادى جزءًا من الخسارة في تجارته، الأمر الذي قابلته الحكومة بعد ورود شكوى إليها بحقه، بتوقيف المربي لثلاثة أيام وتغريمه بدفع 100 دولار، وقيامها بإتلاف المزروعات.
وتمنع حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، سقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي، بسبب تشكيل المستنقعات والبيئة المواتية لانتشار ذبابة “اللاشمانيا” ووباء “الكوليرا”، و ما تسببته من مخاطر على التربة والحيوانات والمستهلكين.
المهندس الزراعي المقيم في إدلب، حسين العباس، قال لعنب بلدي، إن الري بمياه الصرف الصحي يؤثر على المزروعات بشكل سلبي وخطير على المدى القريب والبعيد، إذ يؤدي ارتفاع تركيز المعادن الثقيلة في التربة لزيادة ملوحتها بشكل خطير وعدم فعاليتها مستقبلًا.
كما تشكل السقاية بالصرف الصحي، وفق المهندس، خطورة على صحة المواطنين القاطنين في مناطق مجاورة للأراضي المروية بهذه المياه، إذ تتشكل بيئة مواتية لانتشار وباء “الكوليرا” بين المواطنين، وذبابة “اللاشمانيا” الخطيرة، بالإضافة إلى بكتيريا “السالمونيلا”.
وينتشر الري بمياه الصرف الصحي للأراضي الزراعية في شمال غربي سوريا، نتيجة ارتفاع نسبة الفقر والغلاء، لكن آثارها الصحية والبيئية لا تؤخذ بالحسبان.
اقرأ أيضًا: الري بمياه الصرف الصحي يزيد من الأخطار في الشمال
المربون يتركون العمل
ظروف تربية الأبقار في المنطقة، وارتفاع أسعار الأعلاف، وتراجع إنتاج الحليب بنسب عالية، وقلة المراعي، يكبد مربي الأبقار خسائر فادحة، تدفع بعضهم للتخلي عن عملهم وبحثهم عن مهن أخرى، ما يهدد الثروة الحيوانية في الشمال السوري.
الخمسيني عبد الله الحموي، مزارع ومربي أبقار في إدلب، قال لعنب بلدي، إن تربية الأبقار قديمًا كانت تجذب المزارعين لتوفر الأراضي الزراعية التي تقلل من اعتماد مربي المواشي على شراء العلف أغلب فصول السنة، لكن الخسائر المتراكمة الناتجة عن قلة الموارد المائية وتراجع المساحات الزراعية، أجبرت المزارعين على شراء الأعلاف، وبالتالي تحملهم لمبالغ باهظة، ما دفعهم للتخلص من المواشي.
المزارع محسن العواد (47 عامًا)، يعمل في تربية الأبقار وبيع الأجبان والألبان، قال لعنب بلدي، إن الأمر لا يتوقف عند نقص المراعي، إذ يعاني المربون من إصابة الأبقار بالكثير من الأمراض الخطيرة كالحمى، مع ارتفاع أسعار الأدوية وقلة العناية البيطرية.
وطالب عدد من مربي الأبقار في المنطقة، ممن قابلتهم عنب بلدي، بالاهتمام بهم من قبل الحكومات والمنظمات الإنسانية، ومساعدتهم في تخفيف عبء الأعلاف والأدوية البيطرية اللازمة حتى لا تتناقص الثروة الحيوانية في الشمال السوري بما يهدد الأمن الغذائي.
ويشهد قطاع تربية الحيوانات والمواشي في عموم المحافظات السورية، وإدلب خصوصًا، شحًا أو انعدامًا في الدعم من قبل الجهات الحكومية المسيطرة، إلا من بعض المنظمات التي لا تغطي إلا جزءًا بسيطًا من احتياجات المربين، أو يقتصر دعم بعضها على اللقاحات السنوية فقط.
وتعتبر الثروة الحيوانية في محافظة إدلب أحد أهم القطاعات التي توفر فرص عمل للسكان، وخصوصًا النازحين من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، بالإضافة إلى ريف حلب الجنوبي، ويؤثر تراجع المهنة بشكل كبير على مصدر رزقهم.