خلّفت حادثة الطعن التي طالت أربعة أطفال وشخصين بالغين بجروح في مدينة أنسي شرقي فرنسا، حالة هلع وقلق وخوف في الشارع الفرنسي، الذي استنكر الجريمة وتضامن مع المصابين وذويهم.
حالة الهلع والخوف سادت أكثر بين أوساط اللاجئين، خاصة حين كشفت التحقيقات الأولية أن منفذ الهجوم لاجئ سوري قدم مؤخرًا من السويد إلى فرنسا التي تضم حوالي 6.9 مليون مهاجر.
لاجئون نشروا بيانات فردية وجماعية وردودًا عبر التعليقات حملت التعاطف مع ذوي ضحايا الحادثة، ومخاوف من أن يطالهم أي أذى أو تعميم الحالة وتنميطها، وحملت تأكيدات أنه عمل فردي لا يتعلق بسوري أو لاجئ أو أجنبي أو مواطن.
ست إصابات.. تضامن واسع
في 8 من حزيران، أصيب ستة أشخاص بينهم أربعة أطفال (أكبرهم ثلاثة أعوام) في هجوم لم تُعرف دوافعه بعد، نفذه شاب بواسطة أداة حادة (سكين) في حديقة عامة قرب بحيرة في مدينة أنسي.
واعتقلت السلطات الفرنسية الشاب في اليوم نفسه، وقالت قناة “فرانس 24“، إن المهاجم لاجئ سوري غادر مؤخرًا البلد المضيف السويد حيث أقام لسنوات مع عائلته، وذكرت أنه اتُهم بمحاولة قتل وتم وضعه في التوقيف الاحترازي في زنزانة بسجن “إيتون” في منطقة سافوا.
وأضافت أن الشاب “عبد المسيح.ه” حصل على إقامة دائمة في السويد نهاية 2013 بصفة لاجئ، وفق مصدر “قريب من الملف” لم تسمّه.
قناة “BFM TV” الفرنسية، قالت إن المهاجم يبلغ من العمر 32 عامًا، حاصل على وضع لاجئ سياسي في السويد، ووصل إلى فرنسا نهاية عام 2022.
وذكرت بحسب “مصدر مطلع” لم تسمّه، أن المهاجم متزوج من سويدية ولديه طفل عمره ثلاث سنوات، وكان يحمل صليبًا وكتاب دين مسيحي حين قُبض عليه، كما أعلن سابقًا في طلب لجوئه أنه “مسيحي من سوريا”.
ولقيت الحادثة تضامنًا واسعًا وتفاعلًا في الشارع الفرنسي، وتجمع العشرات في موقع الهجوم ووضعوا باقات الزهور وتركوا رسائل في المكان للضحايا وذويهم.
وندد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالهجوم الذي وصفه بأنه “جبان”، وقال عبر “تويتر“، “الأطفال والكبار بين الحياة والموت، الأمة في حالة صدمة، أفكارنا معهم ومع عائلاتهم”.
تعاطف ومخاوف
ضجت صفحات ومجموعات على مواقع التوصل، والتي تجمع السوريين في فرنسا، بمنشورات حملت مخاوف من أثر الحادثة، وتضمنت مقترحات للتخفيف من حدتها وارتداداتها على السوريين، بكونهم متأثرين بدرجات نتيجة أي عمل مخالف للقانون يقوم به أي سوري، وبدرجات أعلى مع حجم المخالفة.
وكثيرة هي المنشورات التي ذكرت تغيرات طفيفة أو امتعاض في المعاملة عقب الحادثة، سواء من سؤال من سائق “تكسي” لسوري عن جنسيته، أو من سلام على سوري يحمل نبرة أو امتعاض أو مرفق بنظرات تخفي لومًا غير معتاد من جيرانه وأصدقائه الفرنسيين.
أحد المنشورات حمل مقترحًا لعدد من الأفكار بحاجة إلى تطوير وتعديل للتفاعل مع جريمة أنسي، وآمالًا بأن يشجع على تكوين مجموعة فاعلة وجهة راعية وكانت منها:
- زيارة مكان الجريمة ووضع الورود والمشاركة في قبول رسائل التضامن مع ذوي الضحايا.
2. إعداد فيديو من سوريين يخاطب الفرنسيين ويتضامن معهم.
3. تغيير صور الصفحات الشخصية والمجموعات، بما يعلن الحداد.
4. صياغة رسالة باستنكار السوريين للجريمة وإرسالها إلى وسائل الإعلام الفرنسية.
من جهتها، أصدرت الجالية السورية في فرنسا بيانًا أدانت فيه الحادثة، وتعاطفت مع الضحايا وذويهم، وحمل البيان تأكيدات على قيم السلام والمحبة والأخوة، والعمل الدؤوب لمنع أي حادث عنف أو جريمة.
تحامل وتمييز.. خوف على المصير
الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي ليلاس دخل الله، قالت إن حالة اعتداء شخص لاجئ أو أجنبي على إنسان آخر في بلد ما تحمل تأثيرات على المجتمع ككل، وتؤثر على الحالة الاجتماعية، والحالة السياسية، وعلى الصورة العامة للأجانب واللاجئين
واعتبرت دخل الله، في حديث إلى عنب بلدي، أن مثل هذه الحوادث تزيد التوتر الاجتماعي بين السكان الأصليين واللاجئين، وينشأ نوع من التحامل والتمييز بين الأطراف المختلفة، ويؤثر على التعايش والعلاقات الاجتماعية وعملية الاندماج بالشكل السليم.
وتنشأ فجوة بين الجانبين وتزداد الأحكام المسبقة والتصورات الخاطئة مما يعزز الخوف والتوتر بين الأطراف، ويصبح هناك نوع من العزلة الاجتماعية يعاني منها اللاجئين، بحسب الباحثة.
وتؤثر هذه الحوادث على الحالة السياسية في البلد، فقد تزيد من التشدد في سياسات الهجرة ووضع قوانين جديدة لا تساعد اللاجئين، وفق دخل الله، الأمر الذي يؤدي إلى قلق وخوف مستمر لديهم بسبب المستقبل غير المؤكد والشكوك حول المصير.
غالبًا ما يجبر اللاجئون على الرحيل من بلدانهم بسبب الحروب والعنف بحثًا عن الأمان وإمكانيات أفضل لحياة أفضل، وما زالوا في رحلة الاستشفاء وبناء حياة جديدة مستقرة في البلد الجديد، وفق الباحثة، التي أوضحت أن وقوع مثل هذه الحوادث يُشعر اللاجئين بالقلق المستمر بشأن سلامتهم الشخصية وسلامة أفراد عائلاتهم، وقد يصبحون أكثر توترًا في التفاعلات اليومية مع الآخرين، فيتضاعف لديهم الشعور بعدم الأمان، ذلك الأمان والاستقرار الذين خرجوا من بلادهم بحثاً عنهما.
وفي مقابلة مع صحيفة “لوموند”، في تشرين الثاني 2022، لتقديم مشروع قانون حول الهجرة، قال وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، إنه “منفتح على منح وضع إقامة خاص للسوريين”.
وأوضح أن “هناك أناسًا تُرفض طلباتهم للجوء، وتصدر في حقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية، لكن لا يمكننا ترحيلهم لأنهم سوريون أو أفغان، وليست لدينا علاقات دبلوماسية مع بشار الأسد أو (طالبان)”.
أوضحت الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي، ليلاس دخل الله، أن مثل هذه الحوادث تحمل تأثيرًا سلبيًا على الصورة العامة للأجانب واللاجئين، وللإعلام دور في ذلك بكيفية تناول هذه الحوادث، معتبرة أن الإعلام الواعي يتناول الموضوع بموضوعية وواقعية وأنه في كل مكان يوجد إنسان يقوم بأخطاء أو جرائم معينة، ولا يمثل سوى نفسه.
وترى الباحثة أنه لا يمكن نسيان وإغفال قصص النجاح والكفاح التي تُكتب كل يوم بخط إنسان لاجئ أكبر أحلامه أن يعيش بأمان في بلد يصبح مواطن فيه، فمن واجبه أن يبني فيه ومن حقه أن تتم حمايته، وعلى المؤسسات الرسمية الأوروبية عدم تعميم الحالات الفردية.
عدم فهم القوانين قد يؤثر بشكل سلبي على الحالة النفسية والتفاعل في المجتمع، بحسب الباحثة، وقد تكون قوانين البلد الجديد مختلفة عن قوانين البلد الأصلي، ويحتاج اللاجئون إلى وقت وجهود لفهم النظام القانوني الجديد، وذلك يزيد من قلقهم وخوفهم من ارتكاب تجاوزات أو مخالفة القوانين.
وأضافت أن عدم فهمهم للغة والثقافة والقوانين في البلد، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس والشعور بالضعف والخوف من التفاعل مع الآخرين، وهذا يحتاج لمجهود وتجربة يعيشها اللاجئ في البلد الجديد.
السوريون أكثر طالبي اللجوء
في شباط الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تلقي نحو مليون طلب لجوء عام 2022 في دول الاتحاد، كان السوريون على رأس مقدميها، بنسبة زيادة على عام 2021 قاربت 50%.
وجاء في بيان وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA)، أن دول الاتحاد الأوروبي تلقت 966 ألف طلب للحماية الدولية خلال عام 2022، ما مثّل أعلى رقم منذ عام 2016.
وتصدّر السوريون ثم الأفغان والأتراك قائمة الجنسيات الأكبر عددًا في الطلبات المقدمة بدول الاتحاد، حيث بلغت 132 ألف طلب قدمها سوريون، يليهم الأفغان بـ129 ألف طلب.
وفي تقرير الوكالة الأوروبية السنوي الصادر العام الماضي لعام 2021، احتل السوريون أيضًا المرتبة الأولى في طلبات اللجوء بعدد 117 ألف شخص.
وبحسب إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن الكثير من السوريين يواجهون رحلة محفوفة بالمخاطر في أثناء رحلتهم للبحث عن حياة أفضل.
ومنذ 2014، فقد أكثر من 50 ألف مهاجر حياتهم في طريق الهجرة، بينما يواصل الملايين رحلات الهجرة عبر طرق خطرة كل عام، بسبب قلة مسارات الهجرة النظامية والآمنة.