صفوان قسام
بعدما تخلص الطفل من عادة التبول وصار يذهب إلى المرحاض وحده، عاد للتبول في ثيابه بالمدرسة، أو عندما ينام، أو عندما يزور منزل أقاربه أو ينام عندهم، وربما في غرفة ما، أو بعد تعرضه لحادثة ما عادت إليه الحالة بشكل كامل في كل الأوقات والأماكن.
هذه كلها حالات شائعة لما نسميه السلس البولي، والنصيحة الأولى التي نوجهها للأهل والمربين عند مشاهدتهم عودة بلل فراش أو ثياب طفلهم من جديد، مراجعة طبيب الأطفال أو البولية، وبعد التأكد من خلو الطفل من أمراض عضوية يمكن البحث عن الأسباب النفسية.
السلس البولي الناتج عن مشكلات نفسية يشير إلى حالة عدم القدرة على التحكم في عملية التبول نتيجة لمشكلات أو ضغوط نفسية، فمن المؤكد أن للعوامل النفسية تأثيرًا كبيرًا على وظائف الجهاز البولي وقدرة الشخص على ذلك، فعندما يكون الشخص متوترًا أو قلقًا بشكل كبير، يمكن لهذا الضغط النفسي أن يؤثر على عضلات المثانة والعصبونات المسؤولة عن التحكم في عملية التبول، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على ضبط العملية وحدوث السلس البولي.
وللسلس البولي عند الأطفال حديث آخر، فيمكن للضغوط النفسية والاجتماعية، كالانفصال عن الوالدين أو انفصالهما، والتغييرات في البيئة المحيطة بالطفل، والأحداث الصادمة، إحداث تغييرات نفسية تؤثر على نمط التبول وتسبب السلس البولي، وفي بعض الحالات، قد يكون السلس البولي ناتجًا عن تأخر في نمو الطفل العاطفي أو عن صعوبات في التأقلم الاجتماعي، وهذا يمكن أن يؤثر على وظائف المثانة والتحكم في عملية التبول.
يمكن أن يكون التنمر عاملًا مساهمًا جدًا في حدوث السلس البولي عند الأطفال، فالطفل الذي يتعرض للتنمر، سواء في المدرسة أو في بيئة أخرى، يمكن أن يعاني مشاعر القلق والتوتر، ما يؤدي إلى تغيرات في النمط النفسي والعاطفي لديه، وقد يتردد الطفل ويخاف من الذهاب إلى المدرسة أو الاجتماع بالأقران، ما يؤثر على وظيفة المثانة ويزيد من احتمال حدوث السلس البولي.
ويؤدي التعرض لتجارب جنسية سلبية ومؤلمة، كالتحرش والاعتداء في سن مبكرة، إلى التأثير بشكل كبير على الجوانب النفسية والعاطفية للطفل، حيث يعاني الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي مشاعر الخوف والقلق والاضطراب النفسي، ومن المهم فهم أن هذه التجارب يمكن أن تكون مؤلمة ومدمرة للأطفال، ولذا ينبغي للآباء والمربين أن يكونوا حساسين لعلامات التغيير في سلوك الطفل، والبحث عن المساعدة المهنية والدعم النفسي والطبي المناسب، ومن هذه العلامات، التغيرات في عملية التبول لدى الطفل، مثل زيادة التبول اللاإرادي أو التبول في الفراش بعد أن يكون الطفل قد تعلم التحكم في عملية التبول، وربما يكون التبول فقط في المكان الذي تعرض فيه للتحرش أو الاعتداء أو التنمر، كالمدرسة فقط أو أحد المنازل أو غرفة ما في مكان ما، أو في وقت معيّن من اليوم.
ويعتقد الأهل أن التهديد والوعيد للأطفال لن يكون له أثر عليهم، لكن الحقيقة أن أثره النفسي مدمر أيضًا، وهو يشوه كثيرًا من المفاهيم والعلاقات لديهم، فعندما يتعرض الطفل للتهديد أو العنف اللفظي من قبل الأهل، يمكن أن يشعر بالقلق والخوف والضغط النفسي وقلة تقدير الذات، وهذا يمكن أن يؤثر على وظيفة المثانة ويؤدي إلى فقدان السيطرة على عملية التبول، علمًا أنه يجب أن تكون تربية الأطفال على أساس الحب والاحترام بعيدًا عن التهديد والعنف اللفظي. وإذا كان الطفل يعاني السلس البولي الناتج عن التهديدات العنيفة أو العنف اللفظي من قبل الأهل، فإن من الضروري توفير الدعم النفسي والعاطفي للطفل، وتحويل البيت إلى بيئة آمنة وداعمة، يتم التعبير فيها عن المشاعر بشكل صحيح، وتعزيز الحوار والتواصل الإيجابي بين الأهل والأطفال.
كما أن تعرض الأطفال للخوف المستمر الذي ينتج عن العوامل البيئية المرعبة أو الأحداث المؤلمة التي يتعرض لها الطفل، مثل العنف المنزلي، أو الكوارث الطبيعية، أو تجارب سلبية أخرى كالحروب والانفجارات والمعارك، يؤدي إلى اضطرابات في النظام العصبي وزيادة في مستويات الإجهاد النفسي، وهذا قد يؤثر على وظيفة المثانة ويتسبب في السلس البولي. وقد يحدث الخوف المؤقت في مواقف معيّنة، مثل مواجهة مخاوف معيّنة كالحيوانات أو الأماكن المظلمة، أو التعرض لحادث. لكن يجب الانتباه إلى أنه ليس كل خوف مؤقت أو مستمر يؤدي بالضرورة إلى السلس البولي.
وعندما يتعرض الطفل لعقاب قاسٍ وعنيف في المدرسة، مثل الضرب أو الإهانة اللفظية، يمكن أن يشعر بالخوف والقلق والضغط النفسي، هذا يمكن أن يؤثر على وظائف المثانة ويتسبب في السلس البولي، وينبغي للأهل والمربين عند ملاحظة التبول اللاإدراي على الطفل في المدرسة فقط، مراجعة المدرسة للتعرف إلى السبب، فقد يكون من الزملاء أو المعلم أو الإدارة، ومناقشة الأساليب التربوية المناسبة والتدابير الملائمة لدعم الطفل وتحسين حالته.
وقد يكون السلس شكلًا من أشكال النكوص، وهو حالة من عدم القدرة على التحكم الكامل في عملية التبول بعد أن كان الطفل قد تعلمها سابقًا، وقد يكون ذلك ناتجًا عن التوتر النفسي، بسبب التغييرات في البيئة المحيطة للطفل، كالانتقال إلى مدرسة جديدة أو المشكلات الأسرية كالانفصال عن الأهل أو انفصال الوالدين، أو الانتقال إلى منزل جديد، وأيضًا ولادة أخ جديد للطفل.
المشكلة أن الأهل يقومون ببعض الممارسات الخاطئة عند محاولة علاج الموضوع، فقد يلجأ بعضهم إلى استخدام العقاب الجسدي أو العقاب النفسي، أو الإهانة والاستخفاف بالطفل، أو تجاهل مشكلة السلس البولي واعتبارها أمرًا طبيعيًا في مرحلة نمو الطفل، أو تجنب الاستشارة الطبية أو المتخصصة، أو استخدام علاجات بديلة أو منتجات تجارية غير مثبتة علميًا.
لكن على الأهل تقديم الدعم والتشجيع للطفل، وأن يكونوا متفهمين ومحبين، وأن يظهروا للطفل أنهم يدعمونه في عملية التحسن، وعليهم فتح قنوات التواصل، وسؤال الطفل عن مشاعره وتجاربه، وتشجيعه على مشاركة أي مخاوف أو قلق قد يكون لديه، إضافة إلى تشجيع الأطفال على اعتماد سلوك صحي لتعزيز صحة المثانة كالتقنيات الرياضية، والتحكم في التبول، ويمكنهم تنظيم شرب السوائل وتحديد جدول زمني للتبول المنتظم، واستخدام لوحة النجوم، وهي طريقة لتشجيع الأطفال ومكافئتهم على تحسين سلوك التبول وعلاج السلس البولي مع نظام المكافآت الصغيرة.
في حال استمرار المشكلة وعدم تحسن الأعراض، يُنصح بالاستشارة الطبية. من المهم أن يتذكر الأهل أن علاج السلس البولي يحتاج إلى صبر واستمرار، وأنه من الممكن أن يستغرق بعض الوقت قبل أن يتحسن الوضع بشكل كامل.
في الختام، لا تهمل البقعة على الفراش، لأنها رسالة طفلك الذي يحتاج إلى مساعدة منك.