سوريا.. إيران تحضّر لـ”هجمات مميتة” وأمريكا تستنسخ “صحوات العراق”

  • 2023/06/11
  • 10:48 ص

تدريبات عسكرية مشتركة بين "جيش سوريا الحرة" والتحالف الدولي- 20 أيار 2023 (التحالف الدولي / تويتر)

عنب بلدي – محمد فنصة

برزت خلال الأسابيع الأخيرة مؤشرات تنذر بتصعيد عسكري شمال شرقي سوريا، بين القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، وإيران الحاضرة أيضًا عبر الميليشيات التابعة لها، فيما استبعد محللون أي فرصة على المدى القريب لبدء عمل عسكري.

نهاية أيار الماضي، عززت الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في شمال شرقي سوريا بالقرب من حقول النفط، حيث توجد قاعدتا “كونيكو” و”حقل العمر”، بمنظومة صواريخ من طراز “هيمارس”، التي يبلغ مداها نحو 70 كيلومترًا.

“هيمارس” منظومة صاروخية متحركة تُستخدم لتنفيذ ضربات دقيقة على الأهداف البعيدة، وطورتها شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، لكن التصريحات الرسمية قالت إنها “لحماية القوات الأمريكية”.

بالمقابل، خرجت تسريبات أمريكية حكومية، عبر صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، مطلع حزيران الحالي، تفيد بأن إيران تسلّح مقاتلين في سوريا لبدء مرحلة جديدة من “الهجمات المميتة” ضد القوات الأمريكية في سوريا.

وتخطط إيران لتصعيد الهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا، وتعمل مع روسيا على استراتيجية أوسع لطرد الأمريكيين من المنطقة، وفق التسريبات.

وذكرت الصحيفة أن إيران وحلفاءها يعملون على بناء وتدريب قوات لاستخدام قنابل أكثر قوة خارقة للدروع على جوانب الطرق، وتهدف تحديدًا إلى استهداف المركبات العسكرية الأمريكية، وقتل الأفراد الأمريكيين.

وتشكّل مثل هذه الهجمات تصعيدًا لـ”حملة إيرانية طويلة الأمد باستخدام الميليشيات التي تعمل بالوكالة”، لشن ضربات بصواريخ وطائرات مسيّرة على القوات الأمريكية في سوريا، وفق الصحيفة.

ما وراء التعزيزات؟

تنتشر في شمال شرقي سوريا عديد من الميليشيات الإيرانية، في مقابل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا، وصاحبة النفوذ الأكبر في المنطقة، التي تضم عدة أعراق من بينها الكرد والعرب.

واشتد التصعيد الإيراني، منذ 23 من آذار الماضي، حين قُتل مقاول مدني أمريكي، وأصيب 12 أمريكيًا في قاعدة أمريكية بشمال شرقي سوريا، عبر هجوم بطائرة دون طيار، قال مسؤولون أمريكيون إنها من “أصل إيراني”.

الصحفي والباحث المختص في قضايا شرق الفرات سامر الأحمد، قال لعنب بلدي، إن التعزيزات الأمريكية الأحدث المتمثلة بمنظومة “هيمارس”، جاءت ردًا على الوضع الداخلي الأمريكي الذي بدأ يتحدث عن تهديدات قاتلة تلاحق القوات الأمريكية الموجودة في سوريا، وظهور تقارير إعلامية تشير إلى تقصير في أنظمة الدفاع الجوي حين قتل المتعاقد الأمريكي.

وحول احتمالية حدوث تصعيد عسكري، استبعد الأحمد حدوث مواجهة مباشرة أمريكية مع الميليشيات الإيرانية في الوقت الحالي، والاقتصار على الرد في حال حدوث استهداف إيراني لقواعدها، مستندًا إلى أن الإدارة الأمريكية “ليست متشجعة” لتدخل في مواجهة مع الإيرانيين.

مدير قسم الاستراتيجية والابتكار لدى معهد “نيولاينز” الأمريكي، نيكولاس هيراس، قال لمجلة “فوربس” الأمريكية، في 7 من حزيران الحالي، إن الولايات المتحدة “تعتزم استبقاء حامية لها في شمال شرقي سوريا لفترة طويلة، وهذه الحامية الأمريكية بحاجة إلى حماية قوية بحيث يمكنها الرد بسرعة على أي تهديد على الأرض، وهذا ما تؤمّنه منظومة صواريخ المدفعية العالية الحركة”.

ويرى المحلل المتخصص بقضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة استخبارات المخاطر (RANE) ريان بول، أن هذه المنظومة ستوجه على الأرجح ضد القوات المدعومة إيرانيًا التي تستهدف الجنود الأمريكيين، قائلًا، “ثمة ردع بطريقة غير مباشرة تظهر من خلاله الولايات المتحدة استعدادها لإرسال أصول عالية القيمة إلى سوريا حتى ترى روسيا والنظام السوري أن أسلوب مضايقة الولايات المتحدة لن يدفعها لسحب قواتها”، وفق حديثه لذات المجلة.

من جانبه، قال الباحث في الشأن العسكري بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، لعنب بلدي، إن التعزيزات الأمريكية تهدف لحماية وجودها الاستراتيجي في المنطقة، وليس بشكل خاص لمواجهة الميليشيات الإيرانية التي تستطيع مواجهتها من خلال دعم حلفائها (قسد) على الأرض.

واستبعد حوراني قيام أمريكا بعمل عسكري ضد إيران، في حين توقع زيادة تدريب وتسليح الولايات المتحدة حلفاءها في المنطقة (“جيش سوريا الحرة”، “قسد”) للجم إيران، خاصة أن إيران تعاني أوضاعًا داخلية “صعبة”.

وعلى الرغم من نجاح منظومة “هيمارس” في أوكرانيا، أوضح الباحث في الشأن العسكري أن مسرح الأعمال القتالية لا يقاس على الإطلاق بأوكرانيا من ناحية الأطراف المتحاربة من جهة، والسلاح المستخدم من جهة أخرى.

واستند الباحث إلى أن “قسد” لا تمتلك الكفاءات العسكرية التي تؤهلها لتسلّم هذه النوعية من السلاح، التي تحتاج إلى تدريبات خاصة، من أجل استخدامها وصيانتها فنيًا، لأنها لا تختلف عن الأطراف العسكرية المحلية الأخرى، على الرغم من التدريبات العسكرية المشتركة مع القوات الأمريكية.

وعملت إيران خلال الفترة الماضية على “جس نبض” الولايات المتحدة وردها على التصعيد الإيراني، مستفيدة من رفض كل من روسيا وتركيا والنظام السوري وجودها في سوريا، ومن ارتدادات سياساتها التصعيدية في الداخل الأمريكي وأروقة القرار فيه، كالقرار الذي طرحه بعض النواب الأمريكيين بضرورة سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهي تحاول مراكمة هذه الارتدادات والبناء عليها، وفق حوراني.

“واجهة قتالية جديدة”

اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، ومندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، واشنطن بالعمل لإنشاء ما يسمى “جيش سوريا الحرة” في محافظة الرقة، كنسخة من الذي شكّلته في التنف، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية في 2 من حزيران الحالي.

وحول تشكيل هذا “الجيش”، قالت الوكالة إنه سيتكون من أبناء القبائل العربية من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، لإعطاء الصبغة العشائرية العربية الكاملة على هذا “الجيش”، على أن تكون قيادته منفصلة تمامًا عن قيادة قوات “قسد” ومجالسها العسكرية المعروفة، التي تضم مثلًا “قوات الصناديد”، و”مجلس دير الزور العسكري” الذي يضم أبناء قبيلتي “العكيدات” و”البكارة”.

الصحفي والباحث المختص في قضايا شرق الفرات سامر الأحمد، قال لعنب بلدي، إن إيران، ومن خلال متابعة ميدانية، بدأت تتبع استراتيجية نقل جزء من معركتها في سوريا باتجاه الشرق، بعدما عززت وجودها بشكل كبير في دمشق ومحيطها.

وتبع التمدد الإيراني زيادة خلال الأسابيع الماضية في شحنات الأسلحة ونوعيتها، التي تصل عبر مطار “القامشلي”، ضمن طائرات تابعة للنظام و”بشكل مخفي” إلى مقار الميليشيات الإيرانية في القامشلي والحسكة، وفق الأحمد.

وتهدف هذه التحركات الإيرانية لمهاجمة ومراقبة القوات الأمريكية وإطلاق “المقاومة الشعبية” ضدها، عن طريق “تجنيد خلايا عشائرية”، أو محاولة استقطاب وجهاء بعض العشائر عبر دعمهم، وتنظيم زيارات متكررة إلى مدينة قم الإيرانية، والاجتماع مع السفير الإيراني بدمشق، وفق المختص في قضايا شرق الفرات.

في المقابل، تعمل الولايات المتحدة على إنشاء خط مواجهة جديد ضد الميليشيات الإيرانية في دير الزور والحسكة، قوامه القبائل العربية الموجودة في المنطقة، بحسب الأحمد.

وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، التقى وفد رفيع من الجيش الأمريكي، في 2 من حزيران الحالي، مع قائد “قوات الصناديد” التي تتبع لـ”قسد”، بندر حميدي الدهام، من أجل التحرك بالتنسيق مع “جيش سوريا الحرة” في منطقة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن.

الباحث في قضايا شرق الفرات، وهو ابن المنطقة، قال إن “قوات الصناديد” قوة عربية عشائرية، من قبيلة “شمر” العربية الموجودة بالمنطقة، وأهمية اللقاء تأتي لأنه جرى بعيدًا عن “قسد”، لأن الإيرانيين يستميلون العشائر بقولهم إنهم يحمون المكوّن العربي في مواجهة القوات “الانفصالية الكردية” المدعومة من أمريكا، لكن مثل هذه الاجتماعات تدحض الادعاء الإيراني.

وتحاول أمريكا عبر هذه الاجتماعات نسخ التجربة العراقية، عندما استعانت بالعشائر العربية بمناطق الأنبار، وأنشأت قوات “الصحوات” للقضاء على نفوذ “القاعدة”، بحسب الأحمد، الذي يرى إمكانية تحقق هذه التجربة للقضاء على النفوذ الإيراني في ظل أن العشائر بالشرق السوري مستعدة لقتال إيران، وكانت منخرطة ضمن فصائل المعارضة، ولا تقبل تغيير هويتها والتأثير على تاريخ المنطقة ومكوّناتها.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا