عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أعلنت “اللجنة الأمنية والعسكرية” في درعا خلال “التسوية” الجارية مؤخرًا في المحافظة، عن استقبالها طلبات “تسوية أوضاع” من المقيمين خارج القطر عبر استمارة مقدمة من ذويهم لإحالتها للدراسة.
وقال مراسل قناة “سما” المقربة من النظام فراس الأحمد، إنه اعتبارًا من 7 من حزيران الحالي، ستُستقبل طلبات “التسوية” الخارجية في مركز “قصر الحوريات” بدرعا، ويُشترط تقديمها من أحد أقرباء المهجّر، على أن توضح درجة القرابة مقرونة بصورة هوية الشخص المراد إجراء “تسوية” له، وصورة شخصية له ولمقدم الطلب.
الإعلان الأحدث لـ”التسوية” التي تشمل المقيمين في الخارج، جاء عقب ثلاثة أيام من افتتاح مركز “قصر الحوريات” لإجراء معاملات “التسوية” لكل المحافظة.
وتأتي هذه “التسويات” بعد مضي نحو عامين على “التسوية الشاملة” لجميع مناطق درعا في تشرين الأول 2021، إذ تسلّمت من خلالها قوات النظام آلاف قطع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
مهجرون يرفضون
محافظة درعا شهدت عدة موجات تهجير قسري خلال 2018، أكبرها عندما سيطر النظام على المحافظة في تموز 2018، إذ هُجّر مئات الآلاف من سكان المحافظة، معظمهم باتجاه الشمال السوري، بينما استقر بعضهم خارج البلاد.
لاجئون من أبناء المحافظة خارج القطر، تواصلت معهم عنب بلدي، أبدوا رفضهم لإجراء أي “تسوية” أو حتى مناقشة بنودها، معتبرين أنها وسيلة لخداع المجتمع، ورسائل غزل لدول الجوار التي تستضيف مهجرين سوريين.
يرى الناشط الإعلامي عبد الرحمن الأحمد المقيم في لبنان حاليًا، أن الأسباب التي دفعته للهجرة ما زالت قائمة، إذ خرج من البلاد عقب سيطرة النظام على مسقط رأسه، ولا تزال المنطقة قابعة تحت حكمه.
وقال عبد الرحمن لعنب بلدي، إنه رفض إجراء “تسوية” سابقًا خلال إقامته في المحافظة، بسبب عمله في النشاط الإعلامي، والحراك المجتمعي، وهو يرفض العودة للنظام “المسؤول عن مقتل مئات آلاف السوريين واعتقال وتشريد الملايين”.
أحمد العمار، مهجر من أبناء درعا يقيم في الشمال السوري، تشارك الموقف مع عبد الرحمن، ورغم أن “التسوية” لم تشمله، عبّر عن رفضه الانخراط بأي “تسوية” يكون النظام السوري طرفًا فيها.
“التسوية” الداخلية تمهيد للهجرة
يرى سكان درعا، وخصوصًا المتخلفين منهم عن الخدمة العسكرية الإلزامية في قوات النظام، أن “التسوية” الأمنية فرصة لاستصدار أوراق رسمية ومن ضمنها جواز السفر، تمهيدًا للسفر خارج سوريا، بحسب ما قاله مدنيون من أبناء المحافظة لعنب بلدي.
عمران البالغ من العمر 24 عامًا، ينتظر دوره لإجراء “التسوية” كونه متخلفًا عن الخدمة العسكرية، وبحسب ما قاله لعنب بلدي، فإن هدفه الحصول على جواز سفر ليتمكن من السفر خارج البلاد.
وأضاف أن معظم الموجودين أمام مركز “التسوية” من معارفه، ينتظرون دورهم للأسباب نفسها، خصوصًا أن النظام أتاح ستة أشهر كمهلة للمتخلفين عن الخدمة العسكرية والمطلوبين للخدمة الاحتياطية، وشهرًا واحدًا للمنشقين، يمكنهم التحرك فيها بحرية دون ملاحقات أمنية.
ما يراه عمران في “التسوية” قاله أيضًا محمود، الذي ينحدر من ريف المحافظة الغربي، إذ اعتبر أن “التسوية” فرصة لرفع المطالب الأمنية بحقه، واستخراج جواز سفر ليتسنى له الخروج من سوريا.
نقيب “المحامين الأحرار” سابقًا، المحامي سليمان القرفان، يرى في هذا الصدد أن النظام لا يزال يسعى لإفراغ المحافظة من عنصر الشباب فيها، إذ يشكّلون عائقًا بوجه المشاريع التي يبيّتها النظام للمحافظة، على رأسها التغيير الديموغرافي، وإغراق المنطقة بالمخدرات.
وقال إن حصر “التسوية” بمركز وحيد هو ابتزاز للسكان، وإرغامهم على دفع مبالغ تتراوح بين الـ50 ألفًا والمئة ألف ليرة، ولا سيما بعد الوعود التي قطعتها الجهات القائمة على “التسوية” بتسهيل حصول أصحاب “التسويات” على وثائق سفر، بحسب المحامي الذي ينحدر من المحافظة.
وقال عدد من الراغبين بإجراء “تسوية”، ممن التقتهم عنب بلدي، إن المجموعات الأمنية تستغل الطوابير أمام مركز “التسوية” لابتزازهم بدفع المال.
وسبق أن عمّم النظام السوري، في نيسان 2021، على شعَب التجنيد في محافظة درعا، منح تأجيل سحب لمدة عام كامل للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، بعد إجراء المتخلفين عن الخدمة الاحتياطية “تسوية” في القصر العدلي بدرعا.
ويرى المحامي في “التسوية” الأحدث، “غزلًا من جانب النظام للدول العربية”، إذ يحاول تصدير نفسه على أنه جاد بعملية الإصلاح والانفتاح على معارضيه.
كيف ينظر المهجرون إلى “التسوية”
يعتقد أحمد العمار المقيم في الشمال السوري، أن “التسويات” الحالية بشقيها الداخلي والخارجي، لا تختلف بالمضمون عن سابقاتها في محافظة درعا، إذ بقي المنخرطون فيها عرضة لعمليات الاعتقال والتصفية.
وقال إنه لا عودة لمنطقة يحكمها النظام السوري بالنسبة له ولعائلته، وهو دافعه للخروج من درعا، وغياب النظام سيعيده إليها.
المحامي تامر الجهماني، من أبناء المحافظة ومقيم في ألمانيا، يرى أن لـ”التسوية” الحالية عدة أهداف، أهمها جمع معلومات عن المنشقين والمعارضين المتبقين في درعا، وضبط السلاح المنتشر في المحافظة.
وقال المحامي، إن هذه الأهداف ظهرت من خلال وثيقة “التسوية” التي يجري توقيعها في المركز، إذ تتضمن أسئلة حول المجموعات المحلية، وأعداد المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، وأسماء الأشخاص الذين قدموا خدمات إنسانية وطبية في المحافظة، وآخرين ممن يعيشون في الشمال السوري، وأسئلة أخرى عن أشخاص قدموا مساعدات مالية للسكان والمسلحين في درعا.
وأضاف أن النظام يريد التخلص من الرافضين لـ”التسوية”، عبر تسهيل حصولهم على جوازات سفر أو حتى تسهيل تهريبهم إلى الشمال، حيث تتمركز المعارضة السورية.
وإلى جانب ما سبق، يرى الجهماني أن النظام يتخوف من وجود بؤرة جديدة للصراع معه سياسيًا أو عسكريًا في المنطقة، لذلك يعمل على ضبط إيقاع الجنوب عبر “تسويات أمنية” بين الحين والآخر.
وختم الجهماني بأن أغلبية المهجرين يرفضون “التسوية”، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من السوريين حصلوا على جنسيات في دول أوروبية، ولم يعودوا بحاجة إلى النظام السوري فعليًا، وقد يقتصر قبول بعضهم لـ”التسوية” فعليًا على استصدار أوراق رسمية ومنها جواز السفر.
“التسويات” لم تحل مشكلات درعا
رغم سيطرة قوات النظام السوري على مدينة درعا عام 2018، من خلال “تسوية” شملت 11 بندًا، فرضها النظام على الراغبين بالبقاء في منازلهم، لم تنعم المحافظة باستقرار حقيقي، وظلت خاصرة رخوة أمنيًا ضمن المناطق التي تفرض قوات النظام سيطرتها عليها.
انعكس عدم الاستقرار من خلال حالات اغتيال متواصلة تُنسب لمجهولين، في الوقت الذي تقاسم خلاله الإيرانيون والروس وخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” وبقايا فصائل المعارضة إلى جانب النظام النفوذ فيها.
وشهدت درعا حالة فلتان أمني تمثلت بعمليات استهداف، ومداهمات أمنية للنظام وصلت إلى ذروتها مطلع تموز 2021، عندما بدأت قوات النظام السوري مدعومة بميليشيات موالية لإيران وأخرى محلية، بعملية اقتحام أحياء درعا البلد، بحثًا عن مطلوبين فيها.
ولم تمضِ ساعات على بداية الهجوم حتى باشر مقاتلون محليون بمهاجمة حواجز النظام في أرياف درعا الشرقية والغربية ومنطقة الجيدور شمالي محافظة درعا، مستخدمين الأسلحة الخفيفة، وانتهى الهجوم بسيطرتهم عليها.
ضغط المقاتلين المحليين على النظام في أرياف درعا لتخفيف الضغط عن درعا البلد، دفع بالنظام لإجراء مفاوضات انتهت عقب أيام بإجراء “تسوية” هُجّر بموجبها مقاتلون من أبناء المنطقة مجددًا باتجاه الشمال السوري.
اقرأ أيضًا: “تسوية” درعا.. نموذج لفشل الحل الأمني في سوريا
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد