خطيب بدلة
لماذا يحاربون أدونيس؟ يراودني هذا السؤال، منذ أكثر من عشر سنوات، دونما انقطاع، وكثيرًا ما تعاطفتُ مع الذين يهاجمونه، ويسخفونه، ويكفرونه، ويخونونه، وحاولت أن أتفهم ذرائعهم، بل وأشارك فيها، ولكنني لم أجد لديهم حجة واحدة مقنعة.
بصراحة؟ قبل هذا، لم أكن أهتم كثيرًا بشخصية أدونيس، كان في نظري مثقفًا نخبويًا، شعرُه مصنوع بذكاء شديد، وحرفية عالية، ولكنه يفتقد إلى الحرارة التي تجدها في شعر محمد الماغوط، مثلًا، أو علي الجندي، أو حتى لدى الشعراء القدامى، كأبي نواس وابن الرومي.
ولكن سعيي لفهم المشكلة التي أوجدها “الإخوان المسلمون” حوله، بعد بداية الثورة، دفعني لقراءة كل ما كتبه، في هذه الفترة، من مقالات، والإصغاء لما أجري معه من مقابلات تلفزيونية، ولا سيما تلك التي يوضح فيها آراءه حول أوضاع العرب الحالية، وثورات الربيع العربي، والثورة السورية، وحاولت أن أدقق في ادعاءين اثنين، استطاع “الإخوان المسلمون” إلصاقهما به، الأول أنه طائفي، والثاني أنه مؤيد لنظام الأسد، وهذا الادعاء الثاني، طوروه فقالوا، بلا أي خجل، إنه شبيح!
“البعثيون”، في الحقيقة، سبقوا “الإخوان المسلمين” إلى محاربة أدونيس، بما يمثّله من فكر ليبرالي ديمقراطي غير مشوب بأي نوع من الأضاليل أو الأوهام الشعبوية المقدسة، ففي سنة 1995، أقدم الرئيس الأسبق لاتحاد الكتّاب العرب، علي عقلة عرسان، على فصله من الاتحاد، لا لأنه أبدى رأيه بدولة إسرائيل، بل لأنه تجرأ على قول رأي مخالف لرأي السلطة الدكتاتورية التي عممت رأيها بأن إسرائيل مجرد كيان مصطنع. وفي سنة 2000، أقدم 99 مثقفًا سوريًا شجاعًا على توقيع بيان يدين الطابع الاستبدادي لنظام الأسد، بكل صراحة ووضوح، كان أدونيس واحدًا منهم، والرجل لم تُسند إليه أي وظيفة في سوريا منذ تسلّم حافظ الأسد السلطة، ولم يمنحوه أي جائزة، ولم يحتفوا به إعلاميًا، ولا ثقافيًا، ونظام الأسد، على كل حال، يصنفه بين أعدائه.
“الإخوان المسلمون”، أنفسهم، وصفوا ثورة 2011 بأنها ثورة حرية وكرامة، ولكنهم اشتغلوا على أرض الواقع، وما زالوا يشتغلون على قمع أي مظهر من مظاهر الحرية، وإهانة كرامة أي سوري ذي رأي مستقل يأتي في طريقهم، ومع أن “التكفير” هو نهجهم، منذ أيام سيد قطب الذي اعتبر المجتمع غير المنخرط في تنظيم “الإخوان” جاهليًا، يجب محاربته، إلا أنهم رفعوا من معدل التكفير بعد الثورة، فأوصلوه إلى صياغات غير دينية، إذ قالوا إن مَن لا يؤمن بالثورة، ولا يعتنقها، ولا يشبح لها، شبيح، وطائفي، وخائن، وعميل، وماسوني، وفي الوقت ذاته معادٍ للإسلام، ويجب التخلص منه.
بعض الذين دخلوا معي في مناقشات، على صفحات التواصل الاجتماعي، أرادوا أن يكونوا عقلانيين، فقالوا لي إن أدونيس شاهدَ بعينه جرائم النظام ضد الشعب، ولم يتكلم، وهذا، في الواقع، دليل على أن معظم أبناء بلدنا يعيشون، في هذه الأيام، على واردات الأذنين، يسمعون ما يبثه إعلام “الإخوان”، ويرددونه، ويحاججون به، فأدونيس، في الواقع، حذر من وقوع هذه المقتلة قبل وقوعها، فتأمل يا رعاك الله.