الدوحة على طريق دمشق.. مراعاة لمصالح الرياض وانسجام مع أنقرة
مع موجة التطبيع مع النظام السوري التي شهدتها أروقة السياسة العربية، منذ مطلع العام الحالي، حافظت قطر على موقفها المعادي للنظام حتى الآن، مع أنها لم تعارض حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد، لاجتماع الجامعة العربية بجدة في أيار الماضي.
وعقب الاجتماع أيضًا تكرر إعلان قطر عن موقفها الذي يؤيد الحل السياسي في سوريا، ويعارض إعادة النظام إلى علاقاته السابقة مع محيطه.
وفي 8 من حزيران الحالي، نشرت الخارجية القطرية عبر موقعها الرسمي، تصريحات لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال فيها، “لا مواقف لنا ضد سوريا، فهي دولة شقيقة وعربية، لكن المشكلة مع النظام الذي يشرد ويقصف الشعب منذ أكثر من عشر سنوات، وهذا هو أساس المشكلة”.
وأكد أن قطر تدعم جميع الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإيجاد حل شامل وعادل للأزمة السورية يحترم وحدة البلاد وسلامة أراضيها، ويحقق تطلعات الشعب السوري، ويرتكز على قرار مجلس الأمن الدولي “2254” بجميع جوانبه.
الوزير القطري قال، في مؤتمر صحفي مع وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية في فرنسا، كاثرين كولونا، إن بلاده تهدف إلى إيجاد “حل عادل ينصف الشعب السوري”، وعودة “آمنة” للاجئين السوريين، وأن يكون هناك حل سياسي يرتضيه الشعب السوري وليس حلًا ترتضيه دولة قطر، أو فرنسا، أو أي دولة أخرى.
مراعاة للمصالح
قبل بداية القمة العربية التي حضرها الأسد في أيار الماضي، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيظ، خلال مؤتمر صحفي إن “عودة سوريا إلى شغل المقعد هي بداية حركة، وليست نهاية مطاف”.
وأوضح أن القرار لا يعني استئناف العلاقات بين سوريا والدول العربية إذ إن “هذا قرار سيادي لكل دولة على حدة”.
الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات نادر خليل، يرى أن قطر تحاول مراعاة مصالحها مع السعودية التي أرادت “قمة عربية مميزة” على أراضيها.
وقال إن الموقف القطري من النظام السوري وعودته إلى جامعة الدول العربية، يقف عند حدود الرغبة بعدم إفشال مسعى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لقيادة القمة، خاصة بعد خروج قطر من القطيعة الخليجية بقيادة الرياض التي كانت تجربة مريرة للدوحة.
خليل أضاف أن الثمن المطلوب من قطر بخصوص النظام السوري يعتبر “بخسًا”، إذ لا يتعدى “المسايرة” وعدم الخروج عن الإجماع العربي ضمن مؤسسات الجامعة التي لطالما لم يكن لها أي تأثير على المستوى العربي بشكل خاص.
وبالنظر إلى تكرار إعلان الموقف القطري من النظام السوري، يرى الباحث أن الموقف القطري متوافق مع الموقف الأمريكي والأوروبي القائم على “تسوية سياسية للأزمة السورية وفق القرار الدولي 2245”.
وأضاف أن قطر لا تميل لسياسات السعودية والإمارات التي تقدم تنازلات “للنظام”، أو ما يمثل مكافأة له قبل إن يقدم تنازلات وخطوات جدية للحل من جانبه.
اقرأ أيضًا: تنازل العرب.. ماذا يقدم النظام السوري بالمقابل
ماذا تريد قطر لتغير موقفها؟
لا يمكن الجزم بأن الموقف القطري سيبقى ثابتًا بالنظر للانعطافات الحادة التي أبدتها حكومات بعض الدول على مدار السنوات الماضية، مثل تركيا على سبيل المثال، التي لطالما اعتبرت الداعم الأكبر للمعارضة السورية، حتى أنها وصلت إلى صدام مباشر مع قوات النظام السوري عندما شنت حملة قصف جوي طالت مواقع للأخير في عمق مناطق نفوذه.
ويرى الباحث نادر خليل أن سياسة قطر ليست بعيدة عن السياسة التركية، إذ تعمّق التحالف القطري- التركي خلال الحصار الخليجي على الدوحة، ويحمل هذا التحالف تأثيرًا في الشأن السوري، ويمكن أن ينسحب على المواقف السياسية أيضًا.
ورغم أن تركيا تجري فعليًا محادثات أمنية تطورت مع الوقت إلى محادثات سياسية، يبدو أنها تتجه للتباطؤ والتشدد أكثر، ترى قطر محاولات التقارب والتواصل مع النظام أنها صارت “أمرًا واقعًا”، لكن الدوحة تفضل أن تبدي تناغمًا مع الموقف الغربي والأمريكي بشكل خاص.
وفي الوقت نفسه، تظهر قطر التناغم ومساحة المشاركة مع الموقف التركي متى تسنح لها الفرصة، وخاصة أن ملف الوجود العسكري التركي في سوريا لا يزال عالقًا ومعقدًا، ويحتاج إلى الكثير لكي يصل إلى مرحلة الحل النهائي، بحسب خليل.
واعتبر الباحث أنه في حال الوصول لاتفاق تركي- سوري نهائي، سنجد تغيرًا في الموقف القطري، أو عندما يبدي النظام تغيرًا ملحوظًا في سلوكه ينسجم مع المواقف القطرية المعلنة، ويرضي دول الغرب التي تقف عثرة في التطبيع معه بالنسبة للدوحة.
هل للعرب استقلالية؟
خلال السنوات الماضية طرح سؤال، هل للزعماء العرب استقلالية في الموقف، في العديد من المناسبات، ومنها القضية السورية التي أظهرت بعض ملامح هذه الاستقلالية من خلال تبدل المواقف وعودتها مجددًا على سابقها، بحسب ما يرى الباحث نادر خلبل.
خليل قال لعنب بلدي إنه حتى السعودية ظهرت مغردة خارج السرب الأمريكي بشكل واضح، ومثلها الإمارات في كثير من المناسبات، بينما لم تغير قطر موقفها وسياساتها من القضية السورية منذ العام 2017 حتى الآن.
دول أخرى غيرت مواقفها على مبدأ “تجريب أساليب جديدة” خارج فرض العزلة والحصار على الأسد، إذ إن لكل دولة عربية منطلق خاص بها، من مصالح الخاصة في هذه المسألة.
الباحث أضاف أن الأردن في مرحلة سابقة سعى للتقرب من النظام، وعاد لأخذ موقف متباعد لاحقًا، والآن نرى السعودية تجرب الطريقة نفسها، في حين ظلت قطر بشكل مشابه للموقف الغربي العلني، الذي يرى ضرورة بعدم تقديم أي شيء دون مقابل للنظام، وهي مشكلة قطر في هذا الصدد.
وعلى الرغم من أن كل الأطراف متفقة على هذا المبدأ وهذا الأساس، يبقى الاختلاف على الطريقة والتكتيك المتبع للوصول لهدف تغيير ما في سوريا.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قال، خلال مؤتمر صحفي في 8 من حزيران الحالي، إن قطر تتفق مع الجهود الإقليمية لحل “النزاع” في سوريا، وتدعمها، لكن تختلف مع الطريقة أو التوجه الذي يتم به تحقيق هذه الأهداف.
ومنذ مطلع 2022، استبعد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تطبيع بلاده علاقاتها مع إسرائيل أو النظام السوري، رغم مساعي بعض الدول العربية لاتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، وشدد، خلال مقابلة مع موقع “أكسيوس”، على أنه “لا ينبغي مكافأة الأسد على هجماته المستمرة ضد شعبه”.
هل النظام مستعد؟
في 22 من أيار الماضي، علّق وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، على علاقة النظام مع قطر، بعد مشاركة أمير قطر في القمة العربية في جدّة، بالقول، “يجب علينا ألا نعود إلى الماضي، فنحن كما أكد الرئيس الأسد أبناء الحاضر، ويجب أن نتطلع إلى المستقبل”.
وأضاف حول الرفض القطري للعلاقات الثنائية مع النظام، “قد يكون هناك ملاحظات، وتقييم مختلف للأوضاع التي تمر بها أمتنا العربية، والعلاقات بين الدول العربية”، معربًا عن أمله في أن تزول “هذه الغيمة” من أجواء المنطقة.
وحول القرارات الأممية المتعلقة بسوريا، قال المقداد إن “سوريا ستطبق ما يهمها من القرار الأممي 2254”.
وبحسب ما قاله المقداد، لقناة “روسيا اليوم“، في حوار أعاد موقع الخارجية السورية نشره، فإن بيان عمان الصادر مطلع أيار الماضي، تحدث عن “حل تدريجي للأزمة، وهذا شيء صحيح، لأنه لا يمكن القضاء على الإرهاب، ولا يمكن إنعاش الأوضاع الاقتصادية، ولا يمكن للاجئين أن يعودوا مباشرة بين يوم وليلة، إذ يجب تهيئة الظروف لهم”.
وعن ورود القرار “2254” في القمة العربية بجدة، قال المقداد، “منذ اعتماد القرار الدولي (2254)، الذي أسهم الأصدقاء في صناعته، قلنا إننا سننفذ ما يهم سوريا منه، وعلى هذا الأساس نسعى إلى الحل السياسي الذي يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية”.
ولفت إلى أن مقاربة “خطوة بخطوة”، التي سبق وطرحها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، “لم تحدث” بل تحدث الأطراف عن اتخاذ خطوات للوصول إلى حلول للأوضاع التي مرت بها سوريا “نتيجة تصديها للهجمة الإرهابية التي تعرضت لها، والمدعومة من قبل بعض الدول الأوروبية والحكومات الإرهابية التي ما زالت تصر على مقاطعة الشعب السوري حتى هذه اللحظة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :