خرج وعاد من بوابة دمشق.. ميشال عون يفاوض الأسد على رئاسة لبنان
توجه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون إلى الحدود السورية اللبنانية، لأول مرة منذ 14 عامًا، ليعبرها باتجاه دمشق، حيث التقى مع رئيس النظام السوري بشار الأسد للحديث حول مرشح الرئاسة اللبنانية القادم.
الأسد، الذي خرج مؤخرًا من العتمة السياسية بعد الانفتاح العربي وانخراطه في قمة الجمعة العربية، منتصف أيار الحالي، استقبل ميشال عون بلغة النصح، إذ قال، بحسب ما نشرته رئاسة الجمهورية السورية، إن “قوة لبنان في استقراره السياسي والاقتصادي، وإن اللبنانيين قادرون على صنع هذا الاستقرار بالحوار والتوافق”.
اللقاء الذي جمع الأسد بعون له خلفيات طويلة على مدار سنوات، إذ كان لنظام “البعث” برئاسة حافظ الأسد في سوريا، الباع الأطول في السياسة اللبنانية، والسبب الرئيس لهرب العماد عون آنذاك من قصره في بعبدا عام 1990، تحت قذائف المدفعية السورية، ولجوئه إلى السفارة الفرنسية في بيروت، ومنها إلى فرنسا حيث قضى عون 15 عامًا ينتظر عودته.
عون.. رجل “البعثين”
اليوم وبعد تاريخ طويل من عداء عون لحزب “البعث” بنسخته السورية، عاد عون للقاء بشار الأسد، شارحًا رغبته برفض انتخاب سليمان فرنجية (مدعوم من الأسد وإيران) رئيسًا للبنان، على حساب التيار المسيحي في البلاد، بحسب ما نقلته قناة “الجديد” اللبنانية.
عداء عون لحزب “البعث” في سوريا تعود جذوره لنهايات الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي، حين كان مدعومًا من حزب “البعث” العراقي الذي يقوده الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسن.
عند الحديث عن أي مشكلة سياسية في محيط الجغرافيا السورية، خلال الفترة الممتدة بين ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، لا بد من الإشارة إلى الخلاف الحاصل حينذاك بين البعث في سوريا برئاسة حافظ الأسد، والبعث العراقي برئاسة صدام حسين.
مهد توقيع اتفاق “الطائف” (وثيقة الوفاق الوطني اللبناني) في السعودية عام 1989، لانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، لكن ميشال عون رفض الاتفاق مدعومًا من “البعث” العراقي، بحسب ما جاء في مذكرات نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام.
واستند عون على دعم صدام حسين، ليعلن الحرب على القوات السورية، ولم يعترف بشرعية الرئيسين رينييه معوض وإلياس الهراوي، بحسب مذكرات خدام.
واتُخذت بعدها تحضيرات عسكرية بين الحكومتين السورية واللبنانية، بحسب المذكرات، وطلبت سوريا من الحكومة اللبنانية إرسال طلب للتدخل حتى يكون الأمر شرعيًا، ووصلت رسالة إلى الأسد من الهراوي تضمنت الاستعداد لإنهاء تمرد عون.
وفي 13 من تشرين الأول، بدأت العملية العسكرية ضد مناطق سيطرة عون، بينما أعلن عون استسلامه في اليوم نفسه، وهرب إلى السفارة الفرنسية وبقي فيها نحو 11 شهرًا حتى حصل على لجوء سياسي في فرنسا، ونقل إليها مرورًا بقبرص.
ولم يكن العراق بعيدًا من هذا النشاط، بل دخل البعث العراقي منافسًا للنشاط السوري والإيراني، إذ كانت الحكومة العراقية تقدم دعمًا عسكريًا وماليًا للجانب ذي الأغلبية المسيحية المتمثل في بالعماد ميشال عون، بحسب وثائق أرشيفية صادرة عن الخارجية البريطانية، نشرها موقع “اندبندنت“.
ومع انتهاء الحرب الإيرانية- العراقية عام 1988، انتقل منتسبو “الحرس الثوري الإيراني” إلى الساحة اللبنانية، دافعين بوحشية الحرب إلى مستوى أعلى مطلع 1989، وكانت هجمات السوريين وحلفائهم الإيرانيين حينذاك غير مقتصرة على قوات ومواقع عون وحده، بل كانت تلاحق أنصار حزب “البعث” العراقي من العرب واللبنانيين.
وكان المنشقون من “البعث” العراقي متحالفين بشكل عام مع “البعث” السوري، والذي كان يعتبر الجناح اليساري لحزب “البعث العربي الاشتراكي”، بحسب الوثائق.
فخ السفارة الفرنسية
سفير فرنسا في لبنان سابقًا رينيه ألا، روى خلال مقابلة متلفزة بعض فصول إجبار ميشال عون على الخروج من قصر بعبدا، في 13 من تشرين الأول 1990، تحت قذائف المدفعية السورية، وحصار الجيش اللبناني للمنطقة التي كانت تنتشر فيها القوات العسكرية الموالية لعون.
رينيه قال حينها، إنه استفاق على أصوات طائرات “سوخوي” التابعة لسلاح الجو السوري، عندما تلقى اتصالًا من العماد ميشال عون يسأله عن إمكانية عقد هدنة لوقف إطلاق النار مع القوات اللبنانية- السورية حينذاك، للحد من الخسائر المدنية والعسكرية.
رينيه ألا الذي عمل كسفير فرنسا في لبنان بين عامي 1988 و1991، قال إنه اتصل بالرئيس اللبناني آنذاك، الياس الهرواي، الذي اشترط أن يتوجه عون إلى السفارة الفرنسية لعقد أي مفاوضات معه.
ورغم شرح السفير للرئيس اللبناني أن إمكانية انتقال عون للسفارة قادمًا من قصر بعبدا تحت القصف المدفعي صعبة جدًا، أصر على هذا الشرط، ما دفع بعون إلى المجازفة، والتوجه نحو السفارة.
كان عون يعتقد أن مفاوضات ستعقد بينه وبين الأطراف الأخرى لعدة ساعات، ثم سيعود إلى قصره في بعبدا، بحسب السفير الفرنسي، لكن السلطات اللبنانية فرضت عليه توجيه رسالة من موقعه في السفارة، يسلّم خلالها قيادة الجيش إلى العماد إيميل لحود، وهو ما فعله عون حينها.
ومنذ تلك اللحظة، وحتى 11 شهرًا تبعها، اعتبرت السلطات الفرنسية أن ميشال عون صار لاجئًا دبلوماسيًا في السفارة الفرنسية بلبنان، التي انتقل منها إلى باريس لاحقًا.
العودة
في يوم الثلاثاء، 5 من حزيران 2005، ألغى القضاء اللبناني ملاحقة العماد المتقاعد ميشال عون في دعوى الحق العام عليه، بسبب شهادة أدلى بها أمام الكونغرس الأميركي وساهمت في اعتماد عقوبات ضد سوريا عام 2003.
ونقلت قناة “الجزيرة” القطرية حينها عن مصادر قضائية (لم تسمّها)، أن محاكمة عون الذي صار نائبًا في البرلمان يتمتع بالحصانة، تمت غيابيًا بعد أن تغيب هو ووكلاء دفاعه عن الجلسة، وأكدت أن محكمة الجنايات برئاسة القاضي ميشال أبو عراج أصدرت حكمًا يقضي بإبطال التعقبات في حق العماد عون لعدم توافر العناصر الجرمية في الدعوى”.
وفي كانون الأول 2008، احتلت زيارة زعيم “التيار الوطني الحر” ميشال عون إلى دمشق أهمية استثنائية على الساحة السياسية اللبنانية، إذ شكلت إعلانًا رسميًا لنهاية حال العداء والقطيعة التي سادت العلاقة بين عون والأسد طوال أكثر من عقدين.
وعقب اللقاء، خرج عون بعد اجتماع دام ساعتين مع بشار الأسد قائلًا، إنه فتح صفحة جديدة مع دمشق، وأشار إلى أن “من يتوقف عند الماضي لن يستطيع بناء المستقبل”.
بينما نقلت صحيفة “تشرين” السورية، عن وزير الإعلام السوري، حينها، محسن بلال قوله، “إن دمشق ترحب بعون كزعيم لبناني وطني يحظى باحترام في المنطقة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :