أهمها الخلاف الكردي بين "قسد" وأربيل
صراعات ومصالح وراء إغلاق معبر “سيمالكا- فيشخابور”
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
لم تمضِ بضعة أيام على إغلاق معبر “سيمالكا- فيشخابور” الحدودي بين شمال العراق والمناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، حتى شرعت وسائل إعلام مقربة من الأخيرة بالقول إن الإغلاق جاء بضغوط تركية على سلطات أربيل، للدفع باتجاه فتح معبر “نصيبين” الذي تسيطر عليه قوات النظام على الحدود مع تركيا، شمال شرقي الحسكة.
باحثون ومختصون تحدثوا لعنب بلدي عن أن احتمالية التفاوض حول فتح “نصيبين” منخفضة في المدى القريب والمتوسط، وأن استراتيجية المعابر في المنطقة أبعد من مصالح “قسد” والنظام، ويمكن أن تكون متداخلة مع مصالح تركيا وحكومة أربيل، وحتى السلطات العراقية في بغداد.
نزاع المعابر
لا يعتبر إغلاق معبر “سيمالكا” الحدودي شمال شرقي سوريا حدثًا جديدًا في المنطقة، إذ تكرر إغلاقه سابقًا متسببًا بأزمات عدة على صعيد الوضع المعيشي في المنطقة، ودائمًا ما تعود أسباب الإغلاق إلى خلافات بين “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قسد”، والحزب “الديمقراطي الكردستاني” (حاكم أربيل).
وتتعدد المصالح في هذا الصدد، إذ تدعم أربيل قوى كردية تعتبر هي الأقل نفوذًا في المنطقة متمثلة بـ”المجلس الوطني الكردي”، بينما تُتهم “قسد” بأنها تُدار من قبل “العمال الكردستاني” المتمركز في جبال قنديل بين تركيا والعراق وإيران.
وفي 12 من أيار الحالي، أغلقت إدارة “فيشخابور” المعبر أمام حركة المسافرين والبضائع والمواد التجارية حتى إشعار آخر، إذ قال “المجلس الوطني“، إن “قسد” منعت المدعوين من قياداته من العبور إلى كردستان العراق تلبية لدعوة وجهها رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، لحضور مراسم افتتاح المتحف الوطني.
وكالة “هاوار” المقربة من “قسد” أعدّت، منتصف عام 2022، تقريرًا قدم رؤية سلطة شمال شرقي سوريا حول تكرار إغلاق المعابر في المنطقة، مرجعة الأسباب إلى النظرة المشتركة تجاه المنطقة بين النظام السوري وسلطات أربيل.
الكاتب في الشأن الكردي هوشنك أوسي، قال لعنب بلدي، إن “الإدارة الذاتية” تتحدث بلسان حزب “العمال الكردستاني”، من حيث “كيل الاتهامات وتصدير المبررات”.
واعتبر أن ربط إقليم كردستان العراق وقراراته بالمصالح التركية هو خطاب “العمال الكردستاني”، وتكرره “قسد” بشكل “ببغائي”، ولا يمكن أخذه على محمل الجد.
أوسي يرى على صعيد الإشاعات المتكررة عن افتتاح المعابر مع تركيا، أن “قسد” هي أكثر من يود تشغيل هذه المعابر، إلى جانب رفاقها في تركيا حزب “الشعوب الديمقراطي” (HDP) الذي يديره “العمال الكردستاني” من جبال قنديل، تمامًا كما يدير “قسد”.
وفي منتصف 2022، قال عضو “المديرية العامة للتجارة” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” منصور محمود، حول إغلاق معابر المنطقة مع شمال العراق، إنه ضمن “خطة حصار تنتهجها تركيا والنظام السوري وحكومة أربيل للضغط على المنطقة”.
وتتشارك “قسد” مع مناطق نفوذ النظام السوري بستة معابر داخلية، وأربعة معابر تصل بينها وبين تركيا، لكنها مغلقة منذ أكثر من عشر سنوات من الجانب التركي، ومعبران اثنان يصلان مناطق نفوذ “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا بمناطق نفوذ “قسد”.
وإلى جانب المعابر السابقة المغلقة بالكامل، إذا استثنينا منها المعابر مع النظام السوري، تتصل “قسد” بأربعة معابر برية مع كردستان العراق، ويتكرر إغلاقها بين الحين والآخر.
ضغوط تركية؟
الباحث الكردي ومدير شبكة “جيوستراتيجي للدراسات”، إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي، إن الإغلاق المتكرر لمعبر “سيمالكا- فيشخابور” متصل بـ”ضغوط تركية” على سلطات أربيل والسلطات العراقية، خصوصًا أن هذه المعابر غير مدرجة رسميًا بين سوريا والعراق.
ويرى كابان أن العلاقة القوية بين النظام السوري والحكومة العراقية في بغداد، يمكن أن تنعكس على شكل ضغوط تجاه حكومة أربيل، تدفع بها لإغلاق المعبر بين الحين والآخر.
الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، يرى من جانبه أن إغلاق معبر “سيمالكا” ناتج عن خلافات حزبية بين الأطراف الكردية، ولا يمكن تعميمه على طبيعة أسباب إغلاق معبر “نصيبين” مع تركيا على سبيل المثال.
ويمكن رؤية ذلك من خلال الوساطات التي تجري بين الحين والآخر مع قبل الأمريكيين لإعادة فتح المعبر عقب كل خلاف بين الطرفين، باعتباره “شريان المنطقة الوحيد”، بحسب شيخ علي.
في نيسان 2013، أغلقت أربيل معبر “سيمالكا” لتسعة أشهر، ثم أعادت فتحه.
وفي عام 2014، أُغلق المعبر نفسه من جانب سلطات أربيل، واستمر الإغلاق أربعة أشهر ثم أعيد فتحه.
مطلع 2016، أغلق “الديمقراطي الكردستاني” المعبر من جانبه، واستمر الإغلاق أربعة أشهر.
وفي نهاية 2019، أُغلق المعبر نتيجة لتفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) لعدة أشهر، ثم أعيد فتحه بعد تجاوز الجائحة.
وفي كانون الأول 2021، أُغلق المعبر متسببًا بأزمة على الصعيد المعيشي لأبناء شمال شرقي سوريا، واستمر الإغلاق عدة أشهر.
وفي 10 من أيار الماضي، أغلقت سلطات أربيل المعبر بعد خلاف مع “الإدارة الذاتية”، ولا يزال المعبر مغلقًا حتى اليوم.
هل يمكن تشغيل معبر “نصيبين”؟
في 1 من أيار 2022، تحدثت وسائل إعلام النظام السوري الرسمية عن أن قواته رفعت العلم السوري على دوار معبر “نصيبين” الحدودي مع تركيا، ودوار “الجامع الكبير” بجانب منطقة الكراجات شمالي القامشلي.
ورغم تصوير رفع علم النظام في منطقة تسيطر عليها “قسد”، عبر وسائل إعلام النظام الرسمية، بأنه انتصار، ما لبث أن تلاشى هذا الترويج تدريجيًا مع استمرار إغلاق المعبر من الجانب التركي، وعدم حدوث أي تغيير فعلي على الصعيد العملي في المنطقة.
وقبل أيام من رفع علم النظام في ساحة المعبر، تواردت أنباء عن بدء أعمال ترميم وتنظيف للمعبر الحدودي، تمهيدًا لإعادة فتحه بضمانة روسية، وبالاتفاق مع “الإدارة الذاتية”، على أن تكون إيرادات المعبر للأطراف الثلاثة.
وعقب يوم واحد من الحديث عن فتح المعبر، صرح محافظ الحسكة، غسان حليم خليل، لصحيفة “الوطن”، نافيًا وجود أي اتفاق حول افتتاح معبر مع تركيا.
الباحث المساعد أسامة شيخ علي، يرى في احتمالية فتح المعبر اليوم أنها منطقية أكثر من السابق، خصوصًا أن هناك ملامح لتلاقي المصالح تشكّلت بين تركيا والنظام السوري مؤخرًا، لكن يجب أن نسأل، هل من الممكن أن تقبل “قسد” بفتح المعبر دون المشاركة في إدارته؟ بحسب شيخ علي.
وأضاف أنه بطبيعة الحال، لا يمكن لتركيا أن تقبل إدارة “قسد” معبرًا على حدودها، كما أن من المبكر الحديث حول إمكانية اتفاق “قسد” والنظام السوري لإدارة معبر واحد.
ويرى الباحث أن تسيير النظام أمور المعبر قد يمنحه هامشًا أكبر للتحرك في المنطقة، وهو ما لا يمكن اعتباره من مصلحة “قسد”، وبالتالي فإن احتمالية أن ترفض الأخيرة أي خطوة لفتح المعبر واردة أكثر من غيرها.
ويربط معبر “نصيبين” الحدود التركية بالسورية من جهة القامشلي، وهو مغلق بشكل كامل منذ بدء الثورة السورية، وتدخل منه فقط المساعدات الدولية في حالات نادرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :