حضّروا أطفالكم لزمان غير زمانكم

tag icon ع ع ع

صفوان قسام

لن نبالغ في القول إن أجيال المجتمعات الحالية تعيش في زمانين متباينين، زمن الأهل وزمن الأولاد، إذ أظهرت الثورة التكنولوجية ثقافة جديدة، انتمى لها أبناء هذا الجيل، وكرّستها وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثّر على التواصل بين هذين الزمنين وعلى الأساليب التربوية التي يعتمدها المربون. هذه الاختلافات الزمنية تعتبر تحديًا حقيقيًا للأهل، الذين يحاولون توجيه وتنشئة أطفالهم في بيئة تختلف عن زمانهم الخاص، فالتكنولوجيا والوسائط الاجتماعية تسيطر على حياة الأطفال وتؤثر في تفاعلاتهم الاجتماعية وتركيزهم الذهني واهتماماتهم وسلوكهم العام. ومع هذا الواقع، احتاجت المشكلات التربوية إلى معالجة وتوجيه من قبل الأهل تحت إشراف اختصاصي.

قد يتعرض الأطفال لإدمان التكنولوجيا، وقد يعانون قلة التفاعل الاجتماعي وضعف التركيز وقصر الانتباه، وتحدب الظهر، ويميلون إلى الحياة الرقمية على حساب النشاط البدني والتواصل العائلي، والتفاعل مع هذه التحديات التربوية يتطلب من الأهل مرونة واستراتيجيات فعالة للتعامل مع الاختلافات الزمنية، ولذا يجب على الأهل أن يكونوا على دراية بتأثير التكنولوجيا على أطفالهم وبالتحديات التي يواجهونها، وأن يبحثوا عن طرق لمواجهة هذه المشكلات بشكل بنّاء ومتوازن.

علينا أولًا أن نعترف بوجود الاختلافات بين زماننا الحالي وزمان أطفالنا، فمن المؤكد أن عديدًا من التغيرات قد حدثت في طفولتنا، وهي تمتد لتؤثر على تجربة واحتياجات أطفالنا اليوم، كوننا نتعامل معهم وفق تجربتنا وليس تجربتهم. صار لأطفالنا اليوم وصول أسهل إلى الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت، وقد يكون لديهم فهم أعمق للتكنولوجيا وقدرات استخدامها بشكل أفضل منا، إذ تمكّنهم ثورة وسائل التواصل الاجتماعي من التواصل مع الأصدقاء والعائلة عبر الإنترنت ومشاركة الصور والأفكار بسهولة، ما يؤثر على نمط تفكيرهم وتفاعلاتهم الاجتماعية، وهو ما أدى إلى تغيرات في القيم والمعتقدات الاجتماعية، بين جيلنا وجيل أطفالنا، ربما بسبب التحسن في المساواة وقبول التنوع والاختلاف في المجتمع، وهو ما يؤثر على تجاربهم وطريقة تفكيرهم.

يضاف إلى ذلك التغيرات في نظام التعليم وأساليب التدريس، إذ نجد أن هناك تركيزًا أكبر على التعلم النشط والتعلم الذاتي واستخدام التكنولوجيا في الفصول الدراسية، وفي ضوء التغير المناخي والحفاظ على البيئة، قد يكون لدى الأطفال اليوم وعي أكبر بأهمية حماية البيئة والعمل على المحافظة عليها… بالطبع، لا يمكننا تعميم هذه الاختلافات على جميع الأطفال، فكل طفل هو فرد فريد يعيش تجربته الخاصة. ومع ذلك، فإن ملاحظة هذه الاختلافات يمكن أن تساعدنا في فهم ودعم أطفالنا بالزمان الحالي.

وبسبب هذه الاختلافات الزمنية، طرأت بعض المشكلات التربوية على الأطفال، كإدمان التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ يقضون وقتًا طويلًا مشغولين بالشاشات ويتجاهلون التفاعلات الاجتماعية الحقيقية والأنشطة الأخرى، مثل اللعب في الهواء الطلق والقراءة، ما يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي الواقعي، وهنا قد يفتقر الأطفال إلى مهارات التواصل الشخصية والقدرة على بناء علاقات قوية في العالم الحقيقي، بالإضافة إلى أنه يؤثر على التركيز والانتباه، فالتكنولوجيا الحديثة والتحولات السريعة في العالم الرقمي قد تؤدي إلى ضعف التركيز وقصر الانتباه لدى الأطفال، وقد يجدون صعوبة في التركيز لفترات طويلة والانتقال بين المهام بفعالية، بل أيضًا تؤدي إلى انخفاض في مستوى النشاط البدني لدى الأطفال، وقلة التواصل العائلي، حيث يقضي الأطفال والوالدان وقتًا أقل معًا، ويفتقرون إلى فرص التواصل والتفاعل العائلي الذي يعزز العلاقات الأسرية. وهنا كان من الضروري مراقبة وتوجيه استخدام التكنولوجيا، وتشجيع الأنشطة التربوية المتوازنة التي تعزز التفاعل الاجتماعي والنشاط البدني لدى الأطفال.

إلا أن هناك بعض الطرق الخاطئة التي يمكن أن يلجأ إليها الأهل عند مواجهة المشكلات التربوية المرتبطة بالتكنولوجيا والاختلافات الزمنية، من بينها فرض حظر كامل على استخدام التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية على أطفالهم، وهذا النهج الصارم قد يؤدي إلى عنف عاطفي ومشاعر سلبية لدى الأطفال، ولا يساعد في تعلم التوازن والاستخدام المسؤول للتكنولوجيا.

وقد يلجأ بعضهم إلى انتقاد ومحاكمة أطفالهم بشأن استخدام التكنولوجيا، ما يؤدي إلى زيادة التوتر والصراعات العائلية، بينما يجب أن يكون الحوار والتوجيه مبنيَّين على الفهم والتعاون بدلًا من الانتقاد.

وقد يقوم بعضهم بالانعزال وتجاهل احتياجات ومشكلات أطفالهم المرتبطة بالتكنولوجيا والاختلافات الزمنية، وهذا النهج قد يؤدي إلى انعدام الثقة والانفصال بين الأهل والأطفال، وقد لا يساعد في حل المشكلات بشكل فعال. وقد يستخدم بعضهم القمع والعقاب الجسدي أو العاطفي لمنع أطفالهم من استخدام التكنولوجيا، وهو نهج لا يسهم في بناء علاقة صحية وثقة بين الأهل والأطفال، ولا يشجعهم على التعلم والنمو.

ولتجنب هذه الطرق الخاطئة، ينبغي أن يكون الأهل منفتحين على الحوار والتواصل مع أطفالهم، ويجب أن يتبنوا نهجًا قائمًا على الاحترام والتفهم والتوجيه الإيجابي. يمكن للأهل أيضًا البحث عن الموارد والمشورة من المتخصصين في التربية لمساعدتهم في التعامل مع هذه المشكلات بشكل فعال.

ولمواجهة هذه المشكلات التربوية المرتبطة بالتكنولوجيا والاختلافات الزمنية، ينبغي تحديد قواعد واضحة لاستخدام التكنولوجيا والوسائط الاجتماعية في المنزل، على سبيل المثال، يمكن تحديد أوقات محددة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية وتحديد المناطق المسموح فيها باستخدامها، وينبغي تشجيع الأهل على توفير فرص للتواصل الحقيقي والتفاعل الاجتماعي مع أطفالهم، ويمكن تخصيص وقت للقاءات العائلية والأنشطة التي تشجع التواصل المباشر والتفاعل بين الأفراد، وتشجيع الأهل على توفير فرص لممارسة النشاط البدني للأطفال، ويمكن تنظيم أنشطة رياضية وجلسات لعب في الهواء الطلق، وتحفيز المشاركة في الرياضات والأنشطة البدنية المفضّلة لديهم.

كما ينبغي للأهل مراقبة استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لدى أطفالهم. يمكن تثبيت برامج التحكم الأبوية على الأجهزة لمراقبة وتقييد الوصول إلى محتوى غير مناسب.

ويجب أن يكون الأهل قدوة حسنة لأطفالهم في استخدام التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، وينبغي لهم أن يظهروا استخدامًا مسؤولًا للتكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، وأن يقدموا الإرشادات والنصائح اللازمة للأطفال.

وينبغي للأهل التواصل والتعاون مع المدرسة فيما يتعلق بالتربية والتحديات التي تواجه الأطفال في الزمان الحالي، إذ يمكنهم المشاركة في اجتماعات المدرسة والحوار مع المعلمين للحصول على توجيه ودعم مناسبَين.

وبالتوازي مع هذه الإجراءات، ينبغي للأهل أن يظلوا منفتحين على الحوار مع أطفالهم وأن يكونوا مستعدين لفهم ومواجهة التحديات التربوية التي يواجهونها في الزمان الحالي.

في الختام، إن التربية تراكم وصبر والتزام طويل الأمد لتحقيق الأهداف، والمربي الذي يعطي طفله هاتفًا حتى يشتري صمته به إن بكى وقت انشغال المربي، لا يجب عليه لوم الطفل إن أدمن الهاتف، والأم التي تضع كتابًا في يدها بدلًا من الهاتف، ترسل دعوة لأولادها كي يتعلموا حمل الكتاب بدلًا منه.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة