عنب بلدي – خالد الجرعتلي
منذ عدة سنوات، تجاوزت ألعاب الفيديو كونها مجرد أداة تقنية لتمضية الوقت أو نشاط يُقصد به التسلية، إذ تحولت اليوم إلى مهن يجني منها اللاعبون المال، وصارت أيضًا رياضة معترفًا بها في عديد من دول العالم، حالها كحال كرة القدم أو كرة اليد.
وبالنظر إلى كون الألعاب عبارة عن مجتمعات مفتوحة على بعضها، تشبه إلى حد ما مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أكثر حرية من حيث وصول الناس إلى بعضهم، صارت ظاهرة العنصرية والكره فيها واقعًا يواجهه اللاعبون بشكل يومي.
العنصرية تدخل غرف اللاعبين
تشتهر شرائح من مجتمعات الحياة الواقعية في دول مختلفة بتبادل الكره فيما بينها بسبب خلافات سياسية أو تاريخية أو دينية في شأن ما، كما هي الحال بالنسبة للصين واليابان، أو المغرب والجزائر، أو سوريا ولبنان، وهو ما يمكن ملاحظته بكثرة داخل ألعاب الفيديو التي تتيح التواصل بين اللاعبين.
وتقسّم ألعاب العالم المفتوح إلى “خوادم” (سيرفرات) تربط اللاعبين بحسب المنطقة التي يعيشون فيها، إذ يوجد “خادم” مخصص للشرق الأوسط، وآخر لأوروبا، و”خوادم” أخرى لإفريقيا.
ورغم النطاق الجغرافي الضيق الذي يربط دولًا ومجتمعات متشابهة، أو قريبة من بعضها داخل اللعبة، يعتبر اللعب بسلام، دون سباب وشتيمة، شبه مستحيل، بحسب ما قاله علاء (26 عامًا) لعنب بلدي.
أكثر ما واجهه علاء في هذا الشأن، كان السباب الذي يتلقاه من الأتراك أو اللبنانيين، كونه سوري الجنسية، ويدل العلم السوري الذي يظهر بجانب اسمه على جنسيته، بالتالي لا يمكن أن يتجنب الخلافات مع اللاعبين الآخرين.
ويتسع نطاق الخلاف بين علاء واللاعبين الآخرين في حال حاول اللعب متصلًا بـ”خوادم” أخرى من اللعبة نفسها، إذ جرّب الدخول سابقًا إلى “الخادم” الأوروبي، لكنه تلقى شتائم لكونه عربيًا، وأخرى لكونه مسلمًا.
لا جدوى من تغيير معلومات أو تفاصيل حسابك الشخصي داخل اللعبة التي تلعبها، بحسب علاء، إذ سيجد الآخرون سببًا لشتمك، حتى لو كان أسلوب لعبك.
وهو سلوك وصفه علاء بـ”البغيض”، كون رواد الألعاب يفضّلون الانعزال عن العالم الخارجي لساعات طويلة في غرفهم، لكن الكراهية تلحق بهم حتى إلى مساحاتهم الشخصية.
نشر الكراهية عبر الألعاب
داخل جولة في لعبة “Mobile Legends”، المخصصة للهواتف المحمولة، رافقنا فريد (30 عامًا)، الذي تستهويه هذه اللعبة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وكان الغرض من ذلك الحصول على أمثلة عن العنصرية والكراهية التي يواجهها اللاعبون.
تعتمد اللعبة على فريقين يتكون كل منهما من خمسة لاعبين، يتنافسون لنحو 30 دقيقة، وبعيدًا عن تفاصيل اللعبة، لم يتجاوز المؤقت الدقيقة الأولى حتى بدأ لاعب حليف بشتم رفاقه في الفريق عبر خاصية الدردشة الكتابية، بسبب تفاصيل متعلقة باللعبة.
دقائق أخرى وتطور الحديث بين أعضاء الفريق، أحدهم أوكراني والآخر ألماني، بحسب الأعلام الظاهرة بجانب أسمائهم، ليطال جنسيات البلدين، بل ووصل حتى شتم ضحايا الحرب الروسية- الأوكرانية.
هذه الحالة رصدتها عنب بلدي في اللعبة نفسها بين لاعب تركي وآخر سوري، إذ وصل تبادل الشتائم بينهما إلى حدّ نبش التاريخ بين العرب والعثمانيين.
وتحدث تقرير أعده موقع “BBC” البريطاني، عن أن المتطرفين يستخدمون ألعاب الفيديو ومنصات دردشة الألعاب السائدة لنشر الكراهية عبر خاصية الدردشة.
وأشار التقرير إلى أن القائمين على بعض الألعاب يعملون على حظر الأشخاص ذوي الممارسات العنصرية، لكن الأمر لم يقتصر فقط على إزعاج اللاعبين الآخرين، إنما تجلى في ممارسات بعضهم داخل اللعبة، فمثلًا يعمد اللاعب ذو التوجه العنصري إلى دهس شخصيات اللعبة الجانبية من ذوي البشرة السوداء.
ووصف جاكوب ديفي من معهد “الحوار الاستراتيجي” هذه الممارسات بكونها “سماحًا للمتطرفين بخلق تجارب لعيش خيالات متطرفة على الإنترنت”.
“انتماء كيدي”
خلال حديث علاء وفريد لعنب بلدي حول مواقف الكراهية التي تعرضوا لها في أثناء ممارستهما ألعاب الفيديو، بدا استغرابهما واضحًا حول الأسباب التي قد تدفع شخصًا ما لكره آخر لا يعرف شكله أو لونه أو حتى لغته، بل لمجرد رؤية علم بلد ما بجانب اسمه.
الباحث الاجتماعي صفوان قسام، أجاب عن هذا السؤال خلال حديث لعنب بلدي، إذ اعتبر أنه لا يمكن لفرد أن يكره آخر لغرض الكره، إنما هو عبارة عن “انتماء كيدي”.
وقال إن الفرد يمكن أن يبني “آراء كيدية” بعيدًا عن منطقية هذه الآراء، وربما لا يملك الشخص نفسه الحجج الكافية ليبني أو يتبنى هذا الموقف، لكن يمكن اعتبارها آراء مدفوعة من واقع حياة الشخص (فقر، أو أزمات سياسية أو اجتماعية) يوجهها الإعلام نحو فئة من الناس، وينعكس هذا في سلوك الفرد على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الألعاب، أو حتى في الشارع.
وتابع قسام أن السلوك عند البشر لا يمكن أن يتولد دون احتياج فعلي، بالتالي فإن الحاجة الاقتصادية أو الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في هذا السياق.
الألعاب والتفكير الأخلاقي لدى المراهقين
شرعت ميريانا باجوفيتش، من جامعة “بروك” الكندية، بمحاولة اكتشاف ما إذا كان هناك رابط بين أنواع ألعاب الفيديو التي يمارسها المراهقون، ومدة لعبها، ومستويات التفكير الأخلاقي لديهم، وقدرتهم على مراعاة منظور الآخرين.
واستجوبت الباحثة مجموعة من طلاب الصف الثامن (الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و14 عامًا) حول عاداتهم وأنماطهم في اللعب، وكذلك حددت مرحلة التفكير الأخلاقي باستخدام مقياس ثابت من واحد إلى أربعة.
وخلصت نتائج البحث إلى أن قضاء كثير من الوقت في “عالم العنف الافتراضي”، قد يمنع اللاعبين من الانخراط في تجارب اجتماعية إيجابية مختلفة في الحياة الواقعية، وفي تطوير إحساس إيجابي بما هو صواب وما هو خطأ.
وأوصت باجوفيتش بأن يعمل المعلمون والآباء والمراهقون معًا لتوفير الفرص الاجتماعية المختلفة التي يفتقر اللاعبون لها، مشيرة إلى أن العمل الخيري والمشاركة المجتمعية توفر للاعبين “وجهات نظر مختلفة، وفرصًا إيجابية لاغتنام الأدوار”.
ألعاب عنصرية
خلال السنوات العشر الماضية، ومع تطور مجال ألعاب الفيديو، واتجاهه نحو العالمية، أحدثت بعض الألعاب جدلًا على نطاق واسع، بسبب تلميحات عنصرية وردت فيها، ما اضطر متاجر الألعاب إلى حذفها، أو تعديل بعض التفاصيل فيها.
أحدث الألعاب التي رصدتها عنب بلدي، كانت لعبة طرحها استوديو ” ” التركي في متجر “google play”، المخصص للهواتف المحمولة، وتتمحور حول رمي اللاجئين الذين يحاولون الدخول إلى بلد غير محدد، باتجاه شاحنات لتعيدهم من حيث أتوا.
اللعبة التي حملت اسم “zafer tourism” (لقب لحزب سياسي تركي معادٍ للاجئين)، طرحها الاستوديو لأول مرة في 29 من أيلول 2022، وحصلت على تقييم 4.6 بموجب 354 مراجعة من قبل المستخدمين، وحُذفت من المتجر بعد أشهر على طرحها.
وفي مطلع العام الحالي، أثارت لعبة “اضحك تخسر” الفرنسية، غضبًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، بسبب “نكات عنصرية” احتوتها تجاه الجالية العربية والإفريقية الموجودة في فرنسا.
وفي أيار الماضي، أزالت شركة “Google” لعبة “محاكي العبودية” (Slavery Simulator)، المثيرة للجدل، من متجر التطبيقات الخاص بها بعد أن تسببت في غضب بالبرازيل، لأنها تحرض على ثقافة العبودية.
وأطلق التطبيق، الذي سمح للاعبين بـ”شراء وبيع” شخصيات سوداء، من قبل شركة “Magnus Games”، في 20 من نيسان الماضي.
كما سمح للاعبين بممارسة أشكال مختلفة من التعذيب على الشخصيات السوداء داخل اللعبة.