عنب بلدي – أنس الخولي
يعشق عامر الحموي كرة القدم، ويتحدى ظروفه القاسية لممارسة رياضته المفضّلة، ولم يمنعه حصار قوات النظام السوري الغوطة الشرقية قبل سنوات من لعب الكرة، رغم انعدام مقومات الحياة، ويستمر منذ سنوات بممارسة اللعبة بعد تهجيره إلى الشمال السوري عام 2018.
واجه عامر ورياضيون في مثل حالته صعوبات سابقة في إيجاد الأدوات والألبسة الرياضية المناسبة حين كانوا محاصَرين من قبل قوات النظام، ويواجهون في الشمال، حاليًا، صعوبات بتأمين اللباس والأحذية لارتفاع أسعارها.
تهريب ومنع
تصل الأحذية الرياضية المستعملة إلى الشمال السوري بصعوبة، مع منع إدخالها عبر المعابر الحدودية من تركيا قبل نحو أربع سنوات، بسبب فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ويدخل بعضها بطرق “غير قانونية” (تهريب) عبر تركيا والعراق.
أحذية رياضية “بالة” تلبي طلب الرياضيين وتساعدهم على ممارسة الرياضة التي يحبونها، لكنها مرتفعة السعر أمام واقع اقتصادي ومعيشي متردٍّ، إذ تتراوح أسعارها بين 40 و50 دولارًا أمريكيًا (كل دولار 19.7 ليرة تركية).
بالمقابل، تتراوح رواتب العمل بالمياومة في الشمال السوري بين 30 و60 ليرة تركية باختلاف المهنة، كالإنشاءات والزراعة وتحميل البضائع، واختلاف عدد ساعات العمل وعدم توفره بوتيرة ثابتة، إذ إن الرواتب لا تسد أدنى الاحتياجات.
ارتفاع أسعار.. عزوف عن اللعب
قال عامر الحموي (33 عامًا)، وهو مهجر من الغوطة الشرقية ويقيم في مدينة إدلب، إنه كان يبحث بشغف قبل اندلاع الثورة، عام 2011، عن الأحذية الرياضية المخصصة للاعبي كرة القدم، ويزور أسواق الألبسة المستعملة (البالة) في دمشق، ويشتري الحذاء الرياضي المستعمل بحالة جيدة جدًا ولا يظهر عليه الاستعمال، بثمن 50 دولارًا أمريكيًا تقريبًا.
وأضاف الشاب لعنب بلدي، أنه خلال حصار قوات النظام للغوطة الشرقية، كان من المستحيل تأمين الأحذية الرياضية وكرات القدم، وكان يحاول مع رفاقه الرياضيين الحفاظ على الكرات المتوفرة واستعمال الأحذية الممكنة وحتى إن لم تكن رياضية، أو يلعب معظمهم دون حذاء، ومن كان يملك حذاء رياضيًا مخصصًا لكرة القدم كانوا يصفونه بـ”الملك”.
بعد تهجيره إلى الشمال السوري، كان يبحث الشاب في محال الأحذية المستعملة عن ضالته، ويوفَّق أحيانًا في إيجاد “أحذية لقطة رخيصة وبحالة جيدة”، وكان متوسط أسعارها حوالي عشرة دولارات.
ومع مرور السنوات، بدأت ترتفع أسعار الأحذية تدريجيًا وصولًا إلى مستويات غير مسبوقة في المنطقة، منذ منع التجار في الشمال السوري من إدخال الألبسة المستعملة بشكل عام ومنها الأحذية عن طريق تركيا.
وبات العثور على حذاء رياضي بحالة جيدة حاليًا كالذي يبحث عن “إبرة في كومة قش”، إلى جانب تضاعف الأسعار، وفق الشاب عامر الذي يشكو الحالة التي وصل إليها، إذ وصل سعر الحذاء الرياضي المستعمل بحالة متوسطة إلى 45 دولارًا، وهذا مبلغ كبير لا يستطيع تحمّله عدد كبير من الرياضيين في الشمال السوري.
ويخجل عامر من اللعب بحذاء غير رياضي أو حافي القدمين، ما منعه من ممارسة كرة القدم مؤخرًا.
وعن أهمية الأحذية الرياضية المخصصة لكرة القدم، ذكر عامر أن الحذاء “الأصلي” يعيش مع اللاعب مدة طويلة قد تصل إلى ثلاثة أعوام، لافتًا إلى أنه مريح للاستخدام، ويقي من آلام الظهر على المدى الطويل، ويوفر حماية للقدم خاصة خلال التصادمات بين اللاعبين.
مالك عواد (31 عامًل)، رياضي آخر كان قبل الثورة السورية لاعبًا في نادي الفيحاء بدمشق، وكان حريصًا على اقتناء الأحذية الرياضية الأصلية، لجودتها وراحة استعمالها وبقائها لمدة أطول.
وقال مالك لعنب بلدي، إنه حين تكون الأحوال المادية جيدة، كان يتوجه إلى منطقة البحصة في دمشق، حيث وكالات بيع الأدوات الرياضية، لشراء أحذية كرة القدم الأصلية، إذ اشترى حذاء من ماركة “ديادورا” بسعر 120 دولارًا، وآخر ماركة “أديداس” بسعر 140 دولارًا.
وأضاف اللاعب أنه في حال تردي الأحوال المادية كان يلجأ مع رفاقه اللاعبين إلى محال بيع الأحذية الرياضية المستعملة في شارع “الطلياني”، ويجد ضالته من الأحذية التي تكون بحالة جيدة بأسعار تصل إلى 40 دولارًا، حيث يجب على اللاعب اقتناء نوعين من الأحذية، الأول يناسب الـ”تارتان” (ملاعب العشب الصناعي)، والثاني “سكارات” (ذو أظافر سفلية طويلة) يتناسب مع ملاعب المرج (العشب الطبيعي).
وبعد التهجير إلى الشمال السوري، لجأ اللاعب إلى شراء الأحذية الأوروبية المستعملة، لكن مع ارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة وضعف المردود المالي، اشترى مالك الأحذية الرياضية المحلية (التجارية)، لكن هذه الأحذية لا تدوم لأكثر من شهر، وهذا مصروف كبير لا يقوى على تحمّله، ما جعله يتوقف عن شراء الأحذية الرياضية، وفق قوله.
ثلاثة أضعاف
منذ انتشار فيروس “كورونا”، منع الجانب التركي إدخال البضائع المستعملة ومنها الأحذية، وأحيانًا يتم السماح بإدخال الحقائب والألعاب والمفروشات، وتدخل كميات كبيرة من “البالة” عبر العراق بشكل “غير قانوني” (تهريب).
عمر الحسين (42 عامًا)، تاجر أحذية رياضية مستعملة في إدلب، وصف استيراد الأحذية الرياضية “البالة” بأنها معاناة، وقال لعنب بلدي، إن حاويات الأحذية الأوروبية تصل إلى مرسين في تركيا ثم تذهب إلى كركوك بالعراق، حيث يتم فرزها وتصنيفها وتغليفها، ثم تباع لتجار الشمال السوري بأسعار باهظة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأحذية ثلاثة أضعاف.
وأضاف التاجر، “سابقًا كان التجار يستوردون حاويات الأحذية من أوروبا بشكل مباشر عن طريق تركيا، وبعد دخول الأحذية يطبّقونها (كل زوجين على حدة)، وبعض الأحذية لا تتوفر فردتها الأخرى”.
وتابع أنه بعد الفرز تُعرض الأحذية في الأسواق، وكان يتراوح سعر الحذاء بين خمسة و20 دولارًا، حسب النوع والجودة، ويفضّل بعض اللاعبين شراء فردة واحدة من الأحذية التي لا تتوفر فردتها الثانية، إما لامتلاكهم فردة جيدة في المنزل وإما لتطبيق فردتين بسعر زهيد.
وقال عمر، إنه بعد منع دخول الأحذية الرياضية المستعملة عن طريق تركيا، بات على التجار استيراد الأحذية عن طريق كركوك في العراق، ثم إلى المناطق الشرقية في سوريا، ثم إلى الشمال الغربي، وهذا الطريق طويل ومكلف وخطر، ما ضاعف أسعار الأحذية المستعملة، كما أن الأحذية الجيدة تباع في تلك المناطق ولا تصل إلى الشمال الغربي.
وأدى تضاعف أسعار الأحذية المستعملة إلى قلة المبيعات وشحها، كما أثر سلبًا على اللاعبين، وفق التاجر الذي ذكر أن الحذاء الذي كان سعره 15 دولارًا وصل سعره اليوم إلى 45 أو 50 دولارًا، كما كان بإمكان اللاعب شراء فردة واحدة من الحذاء، أما اليوم فهو مجبر على شراء حذاء كامل.
وعن الطلب على الأحذية، قال التاجر، إن اللاعبين يطلبون أحذية كرة قدم أصلية من ماركات عالمية حسب الأرضيات الدارجة في الشمال السوري من العشب الصناعي (تارتان)، وليس بمقدور اللاعبين شراء هذه الأنواع من الأحذية الجديدة، لأن سعرها يتراوح بين 120 و200 دولار.
وذكر التاجر أن اللاعبين في الشمال السوري على دراية واسعة بأنواع الأحذية وجودتها، ويميزون بسهولة الأحذية الأصلية عن الأحذية المقلدة في فيتنام أو الصين، ويفضّلون الحذاء الأصلي المستعمل على الأحذية المقلدة الجديدة.
وعن الأحذية الأصلية “البالة”، قال التاجر، إنها ترد إلى دول العالم الثالث من الأندية الأوروبية التي لا تستعمل الحذاء الرياضي لأكثر من شهرين حتى لو لم يُستعمل الحذاء خلال الشهرين، ثم يتم تجميعها في حاويات وتُصدّر إلى دول العالم الثالث على أنها أحذية مستعملة، على الرغم من أن بعضها يكون غير مستعمل.
فيصل البوشي، تاجر آخر للأحذية الأوروبية “البالة”، كان يعمل في تجارة الخضار وانتقل منذ عامين لتجارة الأحذية، ويستوردها من كركوك في العراق بأسعار مرتفعة وحالة دون الجيدة.
ذكر فيصل لعنب بلدي أن تجارة الأحذية الرياضية المستعملة رائجة رغم تراجعها قليلًا، بسبب منع دخولها عن طريق تركيا منذ عامين تقريبًا قبل أن يمتهن تجارتها.
وتابع، “هذه الأيام لا تتوفر أحذية رياضية مستعملة بحالة جيدة إلا نادرًا، واللاعب يعاين القطع المتوفرة ولا تعجبه حالتها المتوسطة وسعرها المرتفع ليعود من حيث أتى دون شراء”.
من جانبه، قال حسين الحسون، تاجر أحذية مستعملة مهجر من جبل الزاوية، إن تجارة الأحذية تراجعت كثيرًا عما كانت عليه قبل عامين، وكانت مطلوبة بكثرة سواء أكانت أحذية رياضية أو جلدية.
وكانت الأحذية “البالة” مفضّلة لدى الزبائن أكثر من الأحذية الجديدة، لانخفاض سعرها وجودتها العالية، أما اليوم مع ارتفاع أسعارها وانخفاض جودتها، فقد تأثرت هذه التجارة وانعكس الأمر سلبًا على اللاعبين والسكان أيضًا.
“لكل نوع زبائنه”
مالك سليمان صاحب محل “السرميني وسليمان”، يعمل في تجارة الألبسة الرياضية منذ عقدين من الزمن، قال لعنب بلدي، إن لكل بضاعة زبائنها، فهناك لاعبون يفضّلون الأحذية الأوروبية المستعملة، وآخرون يفضّلون الأحذية الرياضية المقلدة.
ويرى مالك أن الأحذية الرياضية الأصلية ذات الماركات العالمية لا جدوى من بيعها في الشمال السوري، لعدم الطلب عليها مع ارتفاع أسعارها، لذلك يفضّل تجارة الأحذية الرياضية المقلدة (المحلية التجارية).
وقال التاجر مالك، إن الأحذية الرياضية المقلدة تناسب اللاعبين، وذلك لكفالة التاجر لهذه الأحذية وجودتها وانخفاض سعرها مقارنة بأسعار الأحذية الأوروبية “البالة”.
وبحسب التاجر، يبحث الزبائن اليوم عن أحذية رياضية تدوم لفترة طويلة وبسعر يناسب إمكانياتهم المادية، كما أن سعر الحذاء الأوروبي المستعمل “نصف عمر” 50 دولارًا، أما الحذاء الرياضي المقلد الذي يدوم نفس المدة فيصل سعره إلى 25 دولارًا.
وأضاف أن أسعار الأحذية المقلدة تبدأ من عشرة دولارات وترتفع لتصل إلى 25 دولارًا، حسب الجودة وبلد الصنع، مشيرًا إلى أن البضاعة الفيتنامية أفضل من الصينية والتركية.
تشهد الرياضة في مناطق سيطرة المعارضة تطورًا وخصوصًا على صعيد المنشآت الرياضية، بعد افتتاح عديد من صالات التدريب والملاعب الخاصة، لكن يعاني اللاعبون والأندية عدة صعوبات، أبرزها قلة الدعم المادي التي خلّفت مشكلات تنظيمية أخرى، من عدم القدرة على تأمين تنقل للأندية أو بدل تجهيزات.