أسئلة موحدة لطلبة مدارس إدلب تصطدم بضيق الوقت ونقص الإمكانيات

  • 2023/06/01
  • 3:43 م
طلاب الحلقة الأولى خلال امتحانات الفصل الثاني من العام الدراسي 2022- 2023 في إحدى مدارس إدلب- 29 من أيار 2023 (وزارة التربية في حكومة الإنقاذ)

طلاب الحلقة الأولى خلال امتحانات الفصل الثاني من العام الدراسي 2022- 2023 في إحدى مدارس إدلب- 29 من أيار 2023 (وزارة التربية في حكومة الإنقاذ)

أصدرت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة “الإنقاذ” في إدلب قرارًا يقضي بتحويل الامتحانات في مدارس المدينة إلى امتحانات مركزية، عبر توحيد الأسئلة لإحدى المواد في كل صف انتقالي.

وأعلنت الوزارة توحيد الأسئلة لإحدى المواد في كل صف انتقالي قبل 20 يومًا من توجه طلاب الصفوف الانتقالية إلى مدارسهم لتقديم امتحانات الفصل الثاني من العام الدراسي 2022- 2023، التي بدأت في 23 من أيار الماضي وشارفت على النهاية.

توحيد الأسئلة كان مفاجئًا للطلاب والمعلمين، وخلّف آراء متباينة بين ناقد ومرحّب، وسبب إرباكًا للمدرّسين، ما منعهم من وضع أسئلة الامتحانات لتلاميذهم، وسط واقع تعليمي يواجه مشكلات إدارية واقتصادية طالت رأس الهرم فيه.

ويعاني المعلمون منذ سنوات محدودية الدعم التي تجبر عديدًا منهم على ترك قطاع التعليم أو البحث عن عمل إضافي، ومنهم انخرط في أنشطة أخرى لتأمين كفاف يومه وحاجة عائلته.

لإنجاز “الخطة الدرسية”

معاون رئيس دائرة التوجيه الاختصاصي في وزارة التربية، مصعب فرحات، قال لعنب بلدي، إن الوزارة لديها رؤية بأن تكون الامتحانات مركزية من الصف الأول حتى المرحلة الثانوية، وأن يكون لكل طالب هوية و”كود” خاص يدخل به لتفقد معلوماته في أي وقت.

وأوضح فرحات أن القرار يهدف إلى التأكد من إنجاز “الخطة الدرسية” لجميع المدارس في المنطقة، لافتًا إلى أن المدارس في الشمال السوري ليست بنفس السويّة التعليمية، وأن الأسئلة تراعي الفروق الفردية.

وأضاف أن الأسئلة تحقق حد الكفاية من المبدأ العلمي، مشيرًا إلى وجود أثر إيجابي تحمله الأسئلة المركزية، وهو ضمان امتلاك المهارات الأساسية التي يجب أن تتوفر لدى الطالب.

وبحسب معاون رئيس دائرة التوجيه، فإن جميع المدارس أنهت المنهاج، وتم توحيد الأسئلة بناء على تطبيق “الخطة الدرسية”، لافتًا إلى أن قرار الأسئلة المركزية بدأ تطبيقه من الامتحانات النهائية للعام الحالي، وسيطبّق على الامتحانات الفصلية والنهائية في الأعوام المقبلة.

تسليم أسئلة امتحانات موحدة إلى مديري المدارس في إدلب- 22 من أيار 2023 (وزارة التربية في حكومة “الإنقاذ”)

“سويّة علمية واحدة وتقيّد بالمنهاج”

لاقى قرار الأسئلة المركزية (الموحدة) ترحيبًا من مدرّسين اعتبروه فرصة لرفع سويّة التعليم وإزالة عبء وضع الأسئلة عن كاهلهم، بينما اعتبر مدرّسون آخرون أن توقيت صدوره لم يكن مناسبًا، وأن الحالة التعليمية الحالية لا تسمح بقرارات “مفاجئة” كهذه.

مدير مدرسة “الفتح” بإدلب، سعد الأسعد، قال لعنب بلدي، إن توحيد الأسئلة لجميع المدارس يكشف مدى نجاح المنظومة التعليمية في المدارس، ومدى متابعتها للمناهج الدراسية المعتمدة.

وأضاف الأسعد أن الأصل يكمن بسعي مديري المدارس إلى ترميم النقص أو الغيابات بين المعلمين، والحرص على مصلحة الطلاب لتلقي جميع المعلومات والدروس التي تفيدهم.

واعتبر الأسعد أن القرار يساعد على حض مديري المدارس على البحث عن معلمين وكلاء في حال حدوث طارئ لأحد المعلمين الأصلاء، ومتابعة سير العملية التعليمية.

وذكر مدير مدرسة “الفتح” أن أحد المدرّسين، وهو معلم للصف الأول، التحق بالمدرسة كمعلم وكيل بعد حصول ظرف طارئ للمعلم الأصيل للصف، ما أدى إلى عدم تلقي الطلاب الدروس لمدة 15 يومًا.

وتابع أن علم المدرّس الوكيل والإدارة بضرورة إتمام المنهاج كاملًا بسبب معرفتهم بقرار الأسئلة المركزية المسبق، اضطر المعلم إلى الاجتهاد وتدارك نقص الدروس على الطلاب.

من جانبه، قال معاون مدير مدرسة “الفتح”، مصطفى البيور، في حديث إلى عنب بلدي، إن قرار الأسئلة المركزية قد لا يتناسب مع جميع المدارس، لكنه في المقابل يحض المعلمين والطلاب على التقيد بالمنهاج الدراسي دون حذف بشكل إفرادي.

وأضاف البيور أن الأسئلة المركزية ترفع من سويّة الطلاب، وتمنع المدرّسين من التهاون في وضع الأسئلة أو لفت نظر الطلاب إلى مواضيع معيّنة لدراستها دون غيرها، لافتًا إلى أن الأسئلة المركزية تعكس مستوى الطلاب بشكل حقيقي حتى لا يتفاجأ الأهالي مستقبلًا بمستوى أبنائهم المتدني رغم حصولهم بشكل دائم على علامات مرتفعة.

عبد الحميد البيور، مهجر من قرية كفروما ومعلم للصف الثالث الابتدائي، قال لعنب بلدي، إن قرار الأسئلة المركزية لم يؤثر على المدرّسين في الحلقات الأولى، لالتزامهم بإتمام المنهاج والسير ضمن الخطة التعليمية الموضوعة من قبل الوزارة، إنما أزال عنهم عبء وضع الأسئلة.

وذكر المعلم أن الأسئلة المركزية بالنسبة للحلقة الأولى كانت لمادة واحدة فقط، ووضع المعلمون أسئلة بقية المواد بأنفسهم، لافتًا إلى أن أسئلة الصف الأول والثاني كانت موحدة بمادة اللغة العربية فقط، أما للصفين الثالث والرابع فكانت الأسئلة الموحدة بمادة الرياضيات.

تحديات تواجه تطبيق القرار

في المقابل، يرى معاون مدير مدرسة “الفتح”، مصطفى البيور، أن من الضروري النظر في الحالات الخاصة بالمدارس، ومراعاة الظروف الموجودة في المناطق النائية أو بالمدارس التي يتعذر على الطلاب الحضور إليها بسبب وعورة الطرقات في الشتاء، وعدم مساواتها مع المدارس داخل المدينة، بالإضافة إلى تلك التي تعاني نقصًا في المدرّسين أو التي تضم أعداد طلاب مرتفعة جدًا.

واعتبر البيور أن من سلبيات القرار، صدوره بشكل مفاجئ قبل الامتحانات بـ20 يومًا تقريبًا، وأن بعض المدارس كانت تعاني تأخيرًا في تعيين المعلمين لبعض المواد الذين لم يستطيعوا إتمام المنهاج، الأمر الذي أرغم الطلاب على تقديم امتحانات والإجابة عن أسئلة لدروس لم يتلقوها.

معلمة اللغة الإنجليزية بمدرسة “زكريا باطوس” شهد حجار قالت لعنب بلدي، إنها عُيّنت في المدرسة منتصف العام الدراسي بعد انقطاع معلم اللغة الإنجليزية عن المدرسة لفترة طويلة، ما أدى إلى تراجع كبير في مستوى الطلاب وسط وجود منهاج كبير يجب أن ينتهي خلال مدة زمنية قصيرة جدًا.

وأضافت المعلمة شهد التي تعطي دروس اللغة لخمس شعب، أن 90% من الطلاب في هذه الشعب مستواهم في اللغة الإنجليزية متدنٍ جدًا، لافتة إلى أن الأعداد الكبيرة للطلاب داخل الصف تعوق العملية التعليمية، خصوصًا في مادة اللغة الإنجليزية كونها مادة أجنبية.

وأوضحت المعلمة أن اللغة الإنجليزية تتضمن عدة مهارات كالقراءة والكتابة والاستماع والنطق، وأن ضيق الوقت وضخامة المنهاج يحولان دون تلقي الطالب لهذه المهارات مع اكتفاء المدرّسين بتدريس القواعد فقط إلى جانب بعض النصوص.

وأخطرت المعلمة موجهي التربية المتخصصين بضخامة المنهاج وضيق الوقت ليسمحوا لها بحذف بعض الفقرات والنصوص “غير المهمة”، واستعمال سلطتها التقديرية في إيصال المعلومات، لتتفاجأ لاحقًا أن الأسئلة مركزية مع إمكانية ورود أسئلة من الفقرات التي حذفتها.

وبعد صدور القرار عادت المعلمة لتدريس الفقرات المحذوفة رغم ضيق الوقت، ولم يكن بإمكانها إنهاء المقرر من المنهاج بشكل مناسب، واضطرت إلى إعطاء دروس إضافية للطلاب لتكملة النقص، على حد قولها لعنب بلدي.

ومن المشكلات التي واجهت القرار، تسرب أسئلة الرياضيات واللغة الإنجليزية للصف الثامن، وفق المعلمة، ما أرغم الوزارة على وضع أسئلة أخرى أكثر صعوبة من سابقتها، إضافة إلى أن الطباعة كانت سيئة.

طلاب الحلقة الأولى خلال امتحانات الفصل الثاني من العام الدراسي 2022- 2023 في مدرسة “البراعم النموذجية” بإدلب- 28 من أيار 2023 (وكالة أنباء الشام)

علا إدريس مدرّسة لمادة التاريخ في الحلقة التعليمية الثانية، قالت لعنب بلدي، إنه تم تقليل الساعات المخصصة للمواد الاجتماعية من أربع ساعات أسبوعيًا إلى ساعتين فقط، وبالتالي تقليل عدد مدرّسي هذه المواد في المدارس، ما حمّل المدرّسين عبئًا كبيرًا جدًا.

وأضافت المعلمة أن من أكبر الصعوبات التي يواجهها المعلمون في الحلقات الثانية، عدم توفير كتب مطبوعة للطلبة مع وجود أعداد كبيرة منهم داخل الصفوف.

ولفتت إلى أن عددًا كبيرًا من الطلاب ليس لديهم كتب تاريخ أو جغرافيا، ما يرغم المدرّسين على تلخيص الدروس على اللوح وضياع الوقت في الكتابة أو رسم خرائط جغرافية، ما سبّب ضعفًا شديدًا في تلقي الطالب وتعليمه.

وترى معلمة مادة التاريخ أن توقيت صدور القرار غير مناسب، وجاء قبيل نهاية الفصل الثاني بشكل مفاجئ، وبعدما عاناه الأهالي والمدرّسون من انقطاع عن التعليم طوال شباط الماضي بسبب الزلزال.

وانعكست تداعيات الزلزال على المدارس، وأدت إلى تقصير في الدروس على الطلاب، ورغم هذه الظروف، طالبت التربية المعملين بإعطاء الطلاب سبعة دروس تاريخ وسبعة دروس جغرافيا أسبوعيًا، وهو ما لم يقدر عليه المعلمون.

وبحسب المعلمة علا، فإن الأسئلة المركزية احتوت على كم هائل من الأخطاء، وأحد الأسئلة كان من الدروس المحذوفة، وورد سؤال آخر بشكل غير صحيح مع أن سلم التصحيح الموزع على المدرّسين احتوى الصيغة الصحيحة، ما أربك المعلمين غير القادرين على التوضيح للطلاب.

وأوضحت أن الأسئلة المركزية خرجت عن الإطار العام وعن تنبيهات الوزارة للمعلمين بأساليب وضع الأسئلة، والتأكيد على عدم وضع عدة أسئلة من درس واحد، إذ احتوت الأسئلة المركزية على سؤالين من درس واحد وفقرتين متتاليتين من مادة التاريخ.

وقالت المعلمة علا في أثناء حديثها لعنب بلدي، إن الأسئلة المركزية رغم سلبياتها تحمل عديدًا من الأمور الإيجابية، منها تعويد الطلاب أساليب مديرية التربية في وضع الأسئلة، والتنوع في أساليب طرح الأسئلة وكثرة الأسئلة الاختيارية للطلاب، مشيرة إلى أن لبّ المشكلة يكمن في توقيت صدور القرار والمشكلات التي يعانيها الطلاب من نقص الكتب والإمكانيات في المدارس.

أضرار ونقص دعم

يعاني قطاع التعليم في إدلب منذ سنوات مشكلات عديدة جرّاء نقص الدعم، وسط مطالبات للجهات المعنية بإنقاذ مستقبل الطلاب في المنطقة، وإعطاء المعلمين حقوقهم.

وتوجد في إدلب جهات عدة مهمتها تنظيم القطاع التعليمي، هي مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب، ووزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ”، ونقابة المعلمين السوريين، ورغم وجود هذه الهيئات، فإنها فشلت في تأمين الدعم للمعلمين.

ضرب الزلزال قطاع التعليم المتهالك في إدلب، وتركه على بعد خطوات قليلة من الانهيار، خصوصًا بعد أن شهد القطاع لسنوات تهديدات متواصلة جرّاء النقص الشديد بالدعم.

وألحق الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط الماضي أضرارًا كبيرة بالمباني التعليمية، إذ بلغ عدد المدارس المتأثرة، في أحدث إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم بحكومة “الإنقاذ“، 250 مدرسة، بينها 203 مدارس متضررة جزئيًا، ومدرسة واحدة مهدمة بالكامل، و46 مدرسة فيها تشققات بسيطة.

المعلم عبد الحميد البيور قال لعنب بلدي، إن المعلمين في الشمال السوري يواجهون صعوبات، أهمها ارتفاع أعداد التلاميذ في الصفوف، ما يرهق المعلمين في إيصال المعلومة إلى الطلاب.

وأضاف المعلم أن الحالة المادية القاسية وضعف أجور المعلمين واضطرارهم للبحث عن مصادر أخرى للرزق، حالت دون تطوير المعلمين لأنفسهم، كما تراجعت هيبة التعليم والمعملين مؤخرًا في نظر الأهالي والطلاب

يتقاضى المعلم عبد الحميد 120 دولارًا كراتب شهري، وهذا المبلغ لا يكفيه لدفع إيجار المنزل وفاتورة الكهرباء، وفق قوله، لافتًا إلى أن تدني الراتب ينعكس بشكل سلبي على قدرة المعلمين على إعطاء الدروس لانشغال تفكيرهم بشكل دائم بتأمين لقمة العيش.

اقرأ أيضًا: آلاف المدرّسين بلا موارد.. مَن المسؤول؟

مقالات متعلقة

تعليم

المزيد من تعليم