شهد عام 2010 وصول رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والملك السعودي حينها، عبد الله بن عبد العزيز، إلى العاصمة اللبنانية بيروت، بعد سنوات من القطيعة، معلنين انتهاء الخلاف الذي بدأ بينهما مع اغتيال رئيس الورزاء الأسبق رفيق الحريري في شباط 2005، إذ اتهم الأسد ونظامه بعملية الاغتيال بوصفه المسيطر على الوضع الأمني في لبنان، وبسبب خلافات بين الحريري والأسد تجذرت إثر فرض دمشق التمديد للرئيس الأسبق إميل لحود.
شاع بعد تلك الزيارة، ما عرف لاحقًا بمعادلة “س-س”، أي توافق سوري- سعودي يفضي لحل الأزمة السياسية في لبنان ويحفظ التوازن فيه.
بعد 13 عامًا من تلك الزيارة، وبعد قطيعة ثانية إثر تنفيذ النظام عمليات قتل ممنهج وانتهاكات ترقى لجرائم حرب بحق المدنيين في سوريا، لبى الأسد دعوة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لحضور القمة العربية في جدة، ما شكل نهاية للقطيعة بين الطرفين بدأت عام 2011.
التقارب الذي يتزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة تضرب لبنان، وأزمة أخرى سياسية متمثلة بعدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ 2022، وبالتالي غياب تشكيل حكومة، فتح الباب لتحليلات إعلامية حول إمكانية عودة هذه المعادلة مجددًا.
هذا التقارب دفع العديد من وسائل الإعلام اللبنانية للحديث مجددًا عن عودة المعادلة إلى المشهد السياسي اللبناني، خاصةً وأن أحد مرشحي الرئاسة في لبنان، سليمان فرنجية، أحد أبرز حلفاء الأسد.
ونشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، المقربة من “حزب الله” في 24 من أيار الماضي، تقريرًا عنونته بـ”ارتياح سوري لنتائج جدة: س-س عائدة”.
ورأت الصحيفة، أن المعادلة عائدة لتفرض نفسها قريبًا مرة ثانية وربّما بشكل أفضل من المرحلة السابقة.
صحيفة “الرياض” السعودية نشرت تقريرًا في أيار الماضي، عقب حضور الأسد للقمة العربية في جدّة وتناقلته عدة مواقع عربية، تحدثت فيه أيضًا عن المعادلة وعودتها، قبل أن تحذفه لاحقًا.
وفق ما نقلت قناة “الجديد” اللبنانية عن التقرير المحذوف، ستشهد الفترة المقبلة نشاطًا سعوديًا في الملف اللبناني بالتوافق مع النظام لحل الأزمة اللبنانية، وأن هذا الملف تحديدًا كان على رأس أجندة المحادثات بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والأسد.
“س-س” والمصلحة السعودية
التحركات السعودية على المستوى الإقليمي، واتفاقها مع إيران، تشير إلى إمكانية التأثير في الوضع المتأزم في لبنان، وهو ما يشير إليه المحلل السياسي السعودي عبدالله القحطاني بالقول، إن الرياض تسعى بالفعل لاستقرار لبنان.
القحطاني ذكر لعنب بلدي، أن السعودية تسعى باتجاه المزيد من الاستقرار في المنطقة ضمن رؤية استراتيجية عامة، لا ضمن مصالح خاصة لها في لبنان.
ويتحدث الصحفي المختص بالشؤون السعودية، أسعد بشارة أن ما تقوم به الرياض يتوافق مع رؤية عربية عامة.
وتتضمن هذه الرؤية، حرصًا على ألا يكون لبنان بؤرة للإرهاب أو مستقرًا لتصنيع المخدرات، بل بأن يكون هناك حلّ لسلاح الميليشيات خارج الدولة اللبنانية مع ضبط للحدود، بحسب ما قاله بشارة لعنب بلدي.
وركزت قرارات القمة العربية الأخيرة في جدة الخاصة بالملف السوري، على استئناف أعمال اللجنة الدستورية ومكافحة المخدرات وعودة اللاجئين.
القحطاني، بدوره، اعتبر أن “س-س” مصطلح جاء به نبيه بري و”حزب الله” ليقولا إن التوافق بين النظام السوري والسعودية يمنح وضعًا مستقرًا، برغم أنهما -أي الحركة والحزب- فشلا في إدارة لبنان، بحسب رأيه.
هل يملك النظام النفوذ الكافي؟
أدى اغتيال الحريري إلى خروج مظاهرات عامة في لبنان، عرفت بـ”ثورة الأرز”، طالبت بإنهاء الوجود السوري في لبنان الذي استمر منذ عام 1976، وبالفعل خرجت القوات السورية في 2005.
واستمرت تدخلات النظام السوري في السياسة اللبنانية حتى بعد خروجه، بشكل غير مباشر عبر حلفائه.
ومع انطلاق الثورة السورية، بات النظام يستعين بعناصر “حزب الله” في عملياته العسكرية داخل الأراضي السورية، كما سيطر الحزب على مساحات من الأراضي السورية في مناطق مختلفة مثل ريفي دمشق وحمص.
دفع تدخل الحزب بمحللين للقول، إن تأثيره في سوريا بات أكبر من تأثير نظام الأسد في لبنان، ما يطرح التساؤل حول ما إذا كانت معادلة “س.س” صالحة للتطبيق في الظروف الحالية، أو ما إذا كان النظام السوري قادرًا بالفعل على إعادة فرض وصايته على لبنان.
يقول المحلل بشارة، إن النظام السوري لم يعد قادرًا على استعادة وصايته على لبنان كما كانت قبل عام 2005، وبات يطلب من الفرقاء اللبنانيين التابعين له عند أخذ رأيه بأمر ما، أن يعودوا إلى “حزب الله”.
وبالتالي وفق بشارة، فإن النظام وصل إلى مرحلة من الضعف تجعله لا يفكر باستعادة وصايته، والحزب هو القادر على تنفيذ مهمة الوصاية منذ 2005.
كما ربط بشارة بين الرؤية السعودية حول لبنان، وعلاقة الرياض مع دمشق، بأن معادلة “س-س”، لم تعد صالحة بصيغتها القديمة، ورغم الدعوة التي وجهت للنظام لحضور القمة، إلا أن هذا لا يعني تطبيعًا كاملًا للعلاقات.
ويرتبط تطبيع العلاقات بشكل كامل بتنفيذ دمشق لعدد من المطالب، على رأسها مكافحة المخدرات وعودة اللاجئين وإطلاق العملية السياسية وفق القرارات الدولية، ولا توجد دولة عربية يمكن أن توافق على عودة الوصاية السورية على لبنان، وفق بشارة.