بوجه شاحب قلق، يضع الحرفي محمود درويش يده على خده ويجلس على الكرسي أمام ورشته في المنطقة الصناعية بمدينة إدلب شمالي سوريا، بعد أن سرّح العاملين لديه لقلة العمل، منتظرًا أن تأتيه خزانة أو سرير بحاجة إلى تصليح.
قال محمود درويش، المهجر من الغوطة الشرقية والذي يعمل في نجارة الموبيليا والحفر على الخشب، لعنب بلدي، إن الطلب على المفروشات السورية توقف بسبب المفروشات المستوردة من تركيا، سواء المستعملة أو الجديدة، ما أدى إلى تراجع هذه الحرفة.
وأضاف الحرفي أن قلة الطلب على المفروشات أرغمت الحرفيين على هجر هذه الحرفة، والبحث عن مصادر أخرى للرزق، ما يعني بشكل أو بآخر عدم تعليم وتناقل هذه الحرفة لأجيال أخرى، وبالتالي زوالها وانقراضها، وفق رأيه.
“التركية” بديل
كانت صناعة المفروشات في الشمال السوري قبل دخول البضاعة التركية جيدة نوعًا ما، وإن كانت دون المأمول، وكان الحرفيون يعتمدون على إعادة تجديد المفروشات المحلية القديمة المستعملة وعرضها للبيع، لكن مع دخول البضاعة التركية، توقف الطلب تمامًا على المفروشات المحلية.
الحرفي محمود درويش، أوضح أن البضاعة القادمة من تركيا من “الميلامين”، وهو نوع لا يمكن العمل به أو إعادة تجديده كخشب “الزان” مثلًا، مضيفًا أن سبب استيرادها يعود لرخص ثمنها.
ويصل سعر غرفة النوم المستعملة المستوردة من تركيا إلى 250 دولارًا أمريكيًا، بينما تصل تكلفة تصنيعها محليًا من خشب “الزان” إلى نحو ألف دولار أمريكي دون بقية تكاليف إنتاجها.
الأسعار هي البوصلة
بسبب تردي الأحوال المعيشية وضعف القوة الشرائية للمواطنين، يبحث الزبائن عن المفروشات الأقل ثمنًا دون النظر بشكل كبير إلى مستوى الجودة.
فيصل العلي (30 عامًا) يتجول بين محال المفروشات أملًا في إيجاد غرفة نوم وغرفة جلوس رخيصتين يضعهما في منزل أهله ليتزوج، موضحًا لعنب بلدي أن الشباب المقبلين على الزواج يعانون تكاليف الزواج المرتفعة، ويبحثون عن الأرخص ثمنًا لتدبير أمورهم.
يصل ثمن غرفة الجلوس التركية إلى نحو 200 دولار أمريكي، أما سعر الغرفة من الصناعة المحلية الجديدة فيبلغ 500 دولار أمريكي، وسعر غرفة الجلوس المستوردة المستعملة 150 دولارًا، وتحتاج إلى 150 دولارًا لإعادة التجديد.
محمد الحمصي (26 عامًا) مهجر يقيم في إدلب، وهو مقبل على الزواج أيضًا، قال إن أغلب الشباب يتجهون لسوق المفروشات المستعملة، حيث من الممكن إيجاد بعض البضاعة المجددة والمقبولة.
وأضاف الشاب أنه بسبب غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية، يتجه بعض الشباب لشراء سرير وخزانة فقط عوضًا عن غرفة نوم كاملة، بينما يضطر آخرون لشراء خزانة فقط.
تجارة “التركية” تزدهر
محمد الصاج (35 عامًا) كان يعمل في مجال تجهيز صالات العرائس، ترك مهنته واتجه إلى تجارة المفروشات التركية المستعملة بسبب الطلب عليها، إذ يستورد البضاعة من تركيا عن طريق أصدقاء وأقارب له يبحثون عن البضاعة المناسبة ويرسلونها إليه في إدلب.
قال محمد لعنب بلدي، إن الأسعار متفاوتة حسب الجودة، تبدأ من 120 دولارًا وتصل حتى 700 دولار، وبعد وصول البضاعة إلى إدلب يحتاج بعضها إلى عملية صيانة بسيطة، بينما تُعرض البقية للبيع مباشرة
وحول الصعوبات التي يواجهها تجار المفروشات المستعملة، قال محمد، إن التجار الأتراك التفتوا إلى هذه التجارة التي كانوا يهملونا مؤخرًا، ما أدى إلى المضاربة على التجار السوريين لشراء هذه البضاعة وسبّب ارتفاع أسعارها.
لا تنتهي الصعوبات عند ارتفاع الأسعار في تركيا بل ارتفعت أيضًا تكاليف الشحن، إذ تصل تكلفة شحن سيارة بحمولة 11 طنًا اليوم إلى نحو 1800 دولار، بعد أن كانت 1500 دولار سابقًا، وهذا الارتفاع انعكس سلبًا على الأسعار.
ولفت التاجر إلى معاناة إضافية تواجه بعض التجار المهجرين، تتمثّل بعدم امتلاكهم صالات خاصة بهم لعرض البضاعة، وارتفاع إيجارات هذه الصالات، ما أجبرهم على البحث عن محال مناسبة على أطراف مدينة إدلب.
–