عادت حرب المياه بين إيران وأفغانستان، للاشتعال مجددًا متسببة بمواجهات عسكرية أسفرت عن قتلى من الجيش الإيراني، وعدد غير معروف من الجرحى بحسب وكالات إخبارية دولية.
الخلاف الذي لم يبد واضحًا في بداية الاشتباكات، اتضح لاحقًا أنه إحياء لمشكلة قديمة حول حصص المياه من نهر “هلمند” في أفغانستان، والذي يصب في إيران.
المتحدث باسم “حركة طالبان” قال في 26 من أيار الحالي، إن اثنين من حرس الحدود ومقاتلًا من “الحركة” قتلوا بعد اندلاع إطلاق نار بالقرب من نقطة حدودية بين إيران وأفغانستان، بحسب وكالة “رويترز”.
ما قصة الاشتباكات
قالت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” إن عناصر من “طالبان” الأفغانية بدأوا، صباح السبت 26 من أيار، بإطلاق النار على معبر “ساسولي” الحدودي في منطقة زابول بإقليم سيستان وبلوشستان، ما أسفر عن مقتل اثنين من حرس الحدود الإيراني وإصابة مدنيين اثنين.
وأشارت إلى أن وحدات الجيش الإيراني ردت على الهجوم، دون معلومات عن حجم الخسائر لدى الطرف الآخر.
وجاءت هذه المواجهات عقب أسبوع من مقتل قائد مركز “ساسولي” الحدودي نفسه بهجوم نفذه عناصر من “طالبان”.
وأغلقت السلطات الإيرانية معبر “ميلاك” الحدودي مع أفغانستان، وهو معبر تجاري رئيسي، بعيد عن موقع الاشتباك، حتى إشعار آخر.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة دفاع “طالبان” عناية الله خوارزمي، “لسوء الحظ، حدث اليوم مرة أخرى في المناطق الحدودية في منطقة كونغ بمقاطعة نمروز، إطلاق نار من قبل جنود إيرانيين، واندلع صراع”.
وأضاف أن إمارة أفغانستان الإسلامية تعتبر الحوار والتفاوض وسيلة معقولة لحل أي مشكلة، مضيفًا أن تقديم الأعذار للحرب والأفعال السلبية ليس في مصلحة أي من الأطراف.
ولم يتطرق الطرفان إلى أسباب الاشتباكات التي شهدتها الحدود الفاصلة بينهما إلا أن خلافًا سابقًا عبّرت عنه حرب تصريحات بين الطرفين أعادت الحديث عن خلاف متعلق بالمياه بينهما يعود تاريخه لعشرات السنوات.
ما مشكلة نهر “هلمند”
في وقت سابق من أيار الحالي، حذر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حركة “طالبان” من تجاهل حقوق المياه الإيرانية بموجب معاهدة 1973، وهو ما رفضته الحركة الحاكمة لأفغانستان، إذ سخر مسؤول سابق في الحركة من رئيسي عبر تسجيل مصور انتشر على نطاق واسع.
https://twitter.com/M_B_H_N/status/1661522836597493761
الخلاف على الحصص المائية من النهر يعود إلى عام 1882، عندما فشل الطرفان في حل مشكلة تقسيم مياه النهر، واتفقا على اللجوء إلى لجنة تحكيم “جولد سميث” المكلّفة بترسيم الحدود بين البلدين.
وكانت الولايات المتحدة لعبت دورًا في التوسط في النزاعات حول المياه بين إيران وأفغانستان في الماضي حينما كانت أفغانستان تحت سيطرتها.
وفي عام 1972، أبرمت الحكومتان الإيرانية والأفغانية اتفاقية اقتسام مياه هلمند، واعترفت أفغانستان بموجبها بحق إيران في حصة من مياه النهر تعادل 26 مترًا مكعبًا في الثانية، أي 850 مليون متر مكعب سنويًا، مقابل إمداد إيران، أفغانستان بالكهرباء.
الاتفاق حول النهر صمدت حتى حدود عام 1996، عندما قررت كابل تشييد سد “كمال خان” على مسار النهر لأجل توليد حاجتها من الكهرباء، وعادت إلى وضعها الطبيعي بعد الحرب التي عرفتها البلاد منذ ذلك الحين، لكن العمل على بناء السد عاد للواجهة عام 2011، ما أعاد الخلاف بين الجانبين إلى الميدان.
وأتمت أفغانستان بناء السد عام 2014، وأعلنت حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني حينها، أنه لم يعد من الممكن حصول إيران على حصتها من مياه النهر بسبب التغيرات المناخية التي أثرت على مستويات تدفق النهر، بحسب ما كتبته الخبيرة الإيرانية في شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا فاطمة أمان.
وكما كان الغرض من بنائه، أخرج سد “كمال خان” أفغانستان من الحاجة إلى استيراد الكهرباء من إيران، وجعلها تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية، ما ترك إيران دون ورقة مفاوضات في هذا الصدد.
نفس الاتهامات رددتها حكومة أشرف غني لإيران بخصوص عرقلة سد “سلما”، الذي دشّن على مسار نهر هريرود المار من ولاية هرات الأفغانية نحو إقليم خرسان الإيراني، وبني هذا السد بشراكة أفغانية هندية، إذ كان من المفترض له أن ينتج كهرباء بسعة 46 ميغاوات في الساعة، ويروي مساحات من الأراضي الزراعية، بحسب تقرير أعدته شبكة “BBC” البريطانية.
النهر تسبب باحتجاجات داخل إيران
في 19 من كانون الثاني الماضي، انتشرت تسجيلات مصورة توثق فتح صمامات مياه سد “كمال خان”، ما دفع المواطنين الإيرانيين ومسؤوليهم للاحتفاء بهذه الخطوة “الودية” من حكومة طالبان العائدة حديثًا إلى حكم البلاد.
وذهب نائب السفير الإيراني في كابول، حسن مرتضوي، إلى تأكيد النبأ قائلًا، “أُفرج عن المياه بعد محادثات مكثفة بين المسؤولين من الجانبين الأفغاني والإيراني”.
من جانبها كذّبت سلطات أفغانستان الخبر، إذ رد المتحدث باسم وزارة المياه والطاقة في حكومة طالبان، بأن بلاده فتحت بالفعل بوابات سد “كمال خان”، “لكن ليس لإرسال مياه هلمند عبر الحدود للوصول إلى إيران، بل لري الأراضي الزراعية في محيط السد”.
وفي ظل موجة الجفاف التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات، قطع سدا “كمال خان” و”سلما” المياه عن نحو خمسة ملايين إيراني يعيشون على جانب حوضي نهر هلمند وهريرود، ما أثار احتجاجات عنيفة في كل من ولاية خوزستان وولاية سيستان-بلوشستان منتصف العام الماضي.
ووفقًا لموسوعة “بريتانيكا” فإن بلوشستان جنوب شرقي إيران ضمن مقاطعة تعرف باسم “سيستان بلوشستان”، تمتاز بطقس متطرف، فإما أمطار تسبب فياضانات أو حرارة مرتفعة تستمر لأكثر من ثمانية أشهر خلال العام.