الحمص الأخضر.. طقوس وذكريات ومصدر دخل في إدلب
أمام عربة لبيع الحمص الأخضر، يقف محمد مبتسمًا يتأمل الحمص ويستذكر ماضيًا امتزج بين صعوبة اقتلاع شتلات النبات من الأرض (الحصيدة) الذي يترك آثاره المؤلمة على اليدين، ومتعة شوي الحمص الأخضر وتحميصه وأكله برفقة الأقارب والأصدقاء.
ويباع الحمص الأخضر في أسواق معظم مناطق الشمال السوري، مع نضوج الحبة وقبل جفافها، وتختلف طرق تناوله في المدينة التي باتت سورية مصغرة تضم نسيجًا مختلفًا من معظم سكان المدن والبلدات السورية.
وتوجد حالتان لتناوله الحمص الأخضر الذي يحمل فوائد غذائية وصحية عدة، الأولى بالإبقاء على حاله بطعم الحموضة والملوحة التي تتميز بها الحبة، والثانية عبر شوائه بالفرن أو بالنار.
طقوس وتقاليد
محمد الزعبية (37 عامًا)، وهو مهجر من درعا ويقيم في مدينة إدلب، قال إن حصاد نبات الحمص أصعب من بقية الحبوب كالقمح والعدس لشدة قساوته وارتباط جذوره بالأرض، مضيفًا، “كنا ننام باكرًا ونستيقظ في منتصف الليلة الندية لننطلق أنا والأقارب والأصدقاء لحصاد الحمص”.
وبعد انتهاء ساعات الحصاد يجتمع محمد مع رفاقه على أطراف الأرض المزروعة، ويحمل كل واحد منهم شتلات حمص يجمعونها فوق بعض العيدان اليابسة ويشعلون النار فيها.
وأضاف الشاب لعنب بلدي أن غلاف الحبة يحترق وتتحمص، وتبدأ متعة تناوله بينما تتعالى الضحكات على النكات التي يطلقها أحدهم.
مشاهدة عربة بيع باقات الحمص الأخضر تثير في نفس الشاب الشجون، لكنه في الوقت ذاته لم يألف في درعا بيع الحمص الأخضر في هذه الطريقة.
ولفت الشاب إلى أن المزارعين كانوا يوزعون بعضًا من شتلات الحمص على الجيران والأقارب كصدقة عن الأرض المزروعة لذلك، ولم يعتد المواطنون شراءها كما يفعل الأهالي في الشمال السوري.
محمود الحمصي (39 عامًا) مهجر من الغوطة الشرقية، تردد كثيرًا قبل توجهه برفقة أحد أصدقائه نحو عربة بيع الحمص الأخضر، فهو لم يتذوقها قط سابقًا ولم يشاهد شتلاتها تباع قبل تهجيره إلى إدلب.
وقال محمود لعنب بلدي إنه استغرب في أول مرة يرى فيها الباعة يبيعون الحمص الأخضر في شتلات، لأنه لم يعهد أن يباع الحمص بهذه الطريقة.
وأضاف الشاب أن أحد أصدقائه من مدينة إدلب أخبره بأن الأهالي يفضلون تناول الحمص الأخضر من الشتلات كنوع من التسلية، لافتًا إلى أن أهالي الغوطة الشرقية لم يعتادوا تناوله بهذه الطريقة، وأن الكثير منهم لم يعرف مذاقه إلا بعد التهجير إلى الشمال السوري.
بدوره قال أحمد الحسين (27 عامًا) مواطن يقيم في إدلب، إن الحمص الأخضر من الثمار ذات الشعبية المرتفعة في المدينة، وخلال فصل الربيع يتسارع الناس لشرائه وتناوله بدافع التسلية في أثناء الرحلات أو في المنازل.
من جانبها قالت خولة الأسعد (41 عامًا) من أهالي مدينة إدلب، إن أسرتها تعشق الحمص الأخضر وتعتبره عنصرًا أساسيًا في الجلسات المسائية، ومن المأكولات المسلية والشهية.
ولفتت السيدة إلى أن عائلتها في حال الخروج للتنزه على أطراف المدنية تشوي بعض الباقات وتبقي بعضها الآخر خضراء حسب الطلب والرغبة.
فوائد صحية
يتمتع الحمص الأخضر بفوائد كثيرة فهو يساعد في حماية القلب من الأمراض من خلال تقليل نسبة الكوليسترول ويسرع عملية الهضم وينشط الذاكرة.
عبد المجيد قواس، اختصاصي تغذية يقيم في مدينة إدلب، قال في حديث لعنب بلدي عن فوائد الحمص الأخضر، إنه يساعد في تنظيم ضغط الدم ويساعد على تنشيط الذاكرة وتقليل فرص الإصابة بمرض “الزهايمر”.
وأضاف قواس أن الحمص الأخضر يسهم في حماية القلب من خلال خفض نسبة الكوليسترول ويساعد في عملية الهضم.
ويحتوي الحمص الأخضر على نسبة كبيرة من الفوسفور والألياف المهمة لرفع عملية التمثيل الغذائي في الجسم، ويساعد على توازن البكتيريا النافعة في القنوات الهضمية، ويحتوي على نسب جيدة من البوتاسيوم وحمض الفوليك وفيتامين “B1″ و”B2″ و”B3″ و”B6”.
طلب متزايد
البائع محمد أحمد قبلان يبيع متخلف أنواع الخضار على عربته متجولًا في أحياء مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إنه يترقب الفرص لبيع الخضار والفاكهة حسب مواسمها، ومنذ شهر وحتى الآن، يشهد الحمص الأخضر إقبالًا متزايدًا من قبل المشترين.
وتابع البائع أنه ينطلق يوميًا في الصباح الباكر إلى سوق “الهال” في مدينة إدلب، ويتخير الثمار الجيدة، ويملأ عربته بحمولة تزيد عن 200 كيلوجرام من الحمص الأخضر.
ويشتري قبلان الكيلو الواحد بسبع ليرات تركية، ويبيعه بثماني ليرات بين الأحياء والحارات، وحين حلول المساء ينهي البائع كامل الكمية.
وأوضح البائع أن تناول الحمص الأخضر عادة من عادات أهالي مدينة إدلب، لافتًا إلى أنه لاحظ استغراب بعض المهجرين من بيعه بهذه الطريقة وتناوله، وحين شرائه تختلف نظرتهم ويحبونه، وباتوا زبائن دائمين للسلعة.
وبحسب البائع، يستمر موسم الحمص الأخضر لمدة تصل إلى 45 يومًا، وبدأ الموسم قبل شهر تقريبًا، لافتًا إلى أن الحمص نوعان حبة خشنة وحبة ناعمة، ويفضل المواطنون في إدلب الخشنة وبعوده على حالة حصاده من الأرض.
إقبال قبل الحصاد
المزارع عبد الرحمن سلات، ورث العمل بالزراعة عن أهله، ويزرع الحمص في مدينة بنش شرقي إدلب، قال إن الطلب على الحمص الأخضر ارتفع عن السابق، حيث باع ثلث إنتاج أرضه هذا العام من الحمص أخضرًا قبل يباسه، وهي كمية كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة.
وأوضح المزارع لعنب بلدي أن الموسم هذا العام كان أفضل من المواسم السابقة، ويأمل بتحقيق أرباح تغطي خسارة العام السابق.
وعن زراعة الحمص قال سلات إنها تبدأ من 5 إلى 25 من كانون الثاني، وهي من الزراعات البعلية التي لا تحتاج للسقاية إلا إذا كانت الأمطار شحيحة، ويُسقى المحصول بالري بطريقة الرش لمرة أو مرتين فقط.
ويحتاج الحمص إلى أربعة أشهر تقريبًا حتى يصل لمرحلة النضج، وفق سلات، ويبدأ المزارعون ببيع بعض الإنتاج أخضر لحاجتهم إلى السيولة المادية أو لارتفاع الطلب على الحمص الأخضر في بداية الشهر السادس، وتترك الثمار المتبقية في الأرض لتجف ثم تحصد يابسة لبيعها لتجار الحبوب.
ولفت المزارع خلال حديثه لعنب بلدي إلى أن المزارعين اليوم، يعانون من ارتفاع أسعار المبيدات الحشرية والأدوية اللازمة لمكافحة الآفات التي تصيب نبات الحمص كالأمراض الفطرية والحشرات.
وأضاف المزارع أن التكاليف الباهظة وقلة الأمطار وكثرة الخسائر، دفعت المزارعين لهجر زراعة الحمص والانتقال لزراعات تحتاج كميات أمطار أقل وأعلى، من حيث المردود كزراعة الكمون مشيرًا إلى عدم تقيد المزارعين بالدورة الزراعية، ما يحمل الكثير من الأخطار على الأراضي مستقبلًا.
اقرأ أيضًا: المردود يغري الفلاحين.. زراعة العصفر تتوسع في إدلب
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :