اضطراب الليرة التركية يجمد أسواق إدلب ويؤرق الأهالي

  • 2023/05/30
  • 9:49 م
مواد غذائية في أحد المحال بمدينة سرمين شرقي إدلب شمالي سوريا- 25 من أيار 2023 (عنب بلدي/ شمس الدين مطعون)

مواد غذائية في أحد المحال بمدينة سرمين شرقي إدلب شمالي سوريا- 25 من أيار 2023 (عنب بلدي/ شمس الدين مطعون)

عنب بلدي – شمس الدين مطعون

ألقت حالة عدم استقرار قيمة الليرة التركية وانخفاضها أمام الدولار الأمريكي، بظلالها على الحياة المعيشية والعمال والتعاملات التجارية في أسواق مدينة إدلب، وأدت إلى تراجع حركة البيع والشراء في معظم المحال.

ويترافق كل انخفاض لقيمة الليرة، مع ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل عام، نظرًا لأن حركة الاستيراد تكون من خارج سوريا عبر تركيا، وأي تغير بسعر الليرة مقابل الدولار يؤثر بشكل سريع على السوق المحلية.

وبلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل كل دولار واحد 20.5 للمبيع، و21 للشراء، وفق تسعيرة “اتحاد الصرافين” في إدلب المعتمدة في المنطقة.

رفع أسعار أو تثبيت بالدولار

يلجأ بعض التجار إلى رفع أسعار موادهم وتثبيتها بالدولار، بينما يحاول آخرون التريث بشراء البضائع لحين استقرار قيمة الليرة التركية وحركة السوق.

ويقول محمد الشامي (34 عامًا) وهو تاجر جملة في إدلب، إنه يتابع تحرك مؤشر الليرة التركية مقابل الدولار، ومع كل انخفاض يراسل زبائنه لحثهم على شراء البضائع.

ويوضح التاجر، في حديثه لعنب بلدي، أن تراجع قيمة الليرة التركية المستمر أمام الدولار ترك هامش ربح طفيف للتجار، مع عدم القدرة على رفع الأسعار للمستهلك، لا سيما المواد الثانوية مثل مأكولات الأطفال (الشيبس والبسكويت والعلكة وغيرها).

من جهته، أوضح عبدالله محيو (58 عامًا)، صاحب بقالية بمدينة سرمين شرقي إدلب، أنه اضطر لإضافة ربع ليرة على أسعار مأكولات الأطفال المسعرة بليرة، ورفع نصف ليرة للمواد المسعرة بأكثر ليرتين.

وقال لعنب بلدي إنه بات يعاني من ندرة الزبائن، مضيفًا، “أصبحت مضطرًا للبيع برأس المال أو أقل لتجنب نفور الزبائن”.

عملة تركية في أحد المحال بمدينة سرمين شرقي إدلب شمالي سوريا- 25 من أيار 2023 (عنب بلدي/ شمس الدين مطعون)

خسائر بالجملة

لا تخلو المحال في الشمال السوري من وجود دفتر “الذمم” (الديون)، الذي يضم قائمة بأسماء زبائن يشترون بالدَين.

ويُضرب المثل بدفتر “السمّان” كناية عن تأخر تسديد الديون، وتميزه بالأوراق المهترئة والعشوائية، نظرًا لكثرة الديون التي يضطر التاجر إلى تسجيلها في دفتره يوميًا، وهو ما يجعله عرضة للتلف.

حسن (25 عامًا)، صاحب محل سمانة (بقالية) في مدينة بنش بريف إدلب الشرقي، قال إن مجمل خسائره تفوق عشرة آلاف ليرة تركية، وهي ناتجة عن حسبة بسيطة للديون المسجلة في دفتره بالليرة التركية، والتي تراجعت قيمتها خلال يومين فقط بمعدل نصف ليرة تقريبًا مقابل كل دولار.

“كل يوم تزداد خسارتي، وأصبح الحديث عن إعادة جمع رأس المال ترفًا”، أضاف صاحب المحل في حديثه لعنب بلدي، موضحًا أنه يدفع ثمن بضاعته بالدولار، ويضاف إليها إيجار المحل ومصروف الكهرباء وغيرها من التكاليف، ويبيع بالليرة التركية وبمعظم الأحيان بالدَين.

مواد غذائية في أحد المحال بمدينة سرمين شرقي إدلب شمالي سوريا- 25 من أيار 2023 (عنب بلدي/ شمس الدين مطعون)

أرقام غير مسبوقة

تراجعت الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة لها مقابل الدولار بالتزامن مع فترة الانتخابات الرئاسية في تركيا.

وتجاوزت خلال الفترة الماضية 22 ليرة لكل دولار واحد في الشمال السوري، في قيمة غير مسبوقة منذ اعتماد الليرة الجديدة في تركيا عام 2005.

محمد درويش، صاحب شركة صرافة وحوالات في إدلب، وصف سوق التصريف بالمجنون والمتأرجح، ويرجع السبب الرئيس لعدم استقرار الأوضاع السياسية في تركيا منذ بدء الانتخابات الرئاسية.

وقال درويش لعنب بلدي إن تراجع سعر صرف الليرة له مبررات مرتبطة بالاقتصاد التركي وطريقة تعامل بنكه المركزي، كما أن قرارات زيادة الرواتب الأخيرة في تركيا أسهمت في تراجع قيمة الليرة.

ولفت درويش إلى أن حالة التخبط بسعر صرف الليرة وعدم ثباته، كان عاملًا سلبيًا انعكس على الحركة التجارية والعمل في إدلب.

واعتمدت حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة”، العاملتان في الشمال السوري، الليرة التركية كعملة للتداول في حزيران 2020، كونها أكثر استقرارًا من الليرة السورية، إلى جانب تداول الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية الخارجية.

وجاء استبدال العملة التركية بالسورية في الشمال السوري بعد وصول سعر الصرف إلى حدود 3500 ليرة سورية للدولار الواحد في حزيران 2020، وسط مطالبات من سوريين بأن يكون الاستبدال حلًا مؤقتًا لحين الوصول إلى حل سياسي.

أجور العمال ثابتة

“الأسعار عم ترتفع، وأجرة العامل على حالها”، بهذه العبارة وصف محمد (31 عامًا) الحالة التي يعيشها، لا سيما بعد تركه لعمله بسبب خلاف مع صاحب محل “البقالة” الذي كان يعمل به، بعد رفضه زيادة أجره.

وقال محمد إنه كان يتقاضى 50 ليرة تركية (دولاران ونصف تقريبًا) عن كل يوم عمل، وعندما طالب بالزيادة لم يقبل صاحب العمل، لذلك ترك العمل.

وأضاف الشاب، “أعرف أن البيع بالمحل أصبح ضعيفًا، ولكن حتى كيس الشيبس الذي كنت آكله بدل الغداء ارتفع سعره، ولذلك أنا بحاجة لأجر أعلى”.

ومع ارتفاع أسعار معظم المواد والمنتجات في الأسواق، لم يطرأ أي تغيير على أجرة العمال في إدلب، لا سيما مع كثرة اليد العاملة وتراجع فرص العمل، ولا تتجاوز أجرة العامل في أحسن الأحوال 70 ليرة تركية (أقل من أربعة دولارات).

وتتراوح رواتب العمل بالمياومة في مدينة إدلب بين 30 و60 ليرة تركية باختلاف المهنة، كالإنشاءات والزراعة وتحميل البضائع، واختلاف عدد ساعات العمل.

ولم تتخذ “الإنقاذ” أي إجراءات لضبط أجور العمل، وتحديد حد أدنى للرواتب، في ظل استغلال رؤوس الأموال لكثرة الأيدي العاملة في منطقة تعاني من نسبة بطالة عامة تصل إلى 87.3 بالمئة بشكل وسطي، وفق فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في المنطقة.

ويعاني المدنيون من عجز كبير في القدرة الشرائية، وفشل في مسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار، التي تتجاوز قدرتهم المادية، وفق إحصائيات فريق “منسق استجابة سوريا”، العامل في المنطقة.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية