مناورات “حزب الله”

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

مشاهد مناورات “حزب الله” أعادت إلى الذاكرة صور مقاتلي “داعش” المقنّعين، ومشاهد عصابات تهريب المخدرات، وهي تذكير موجز بعمليات الحزب في سوريا، وبما فعله في لبنان عندما أسهمت هذه الميليشيا نفسها، وبنفس “الموتوسيكلات”، في الهجوم على التظاهرات اللبنانية في حراك تشرين 2019.

تنطوي مناورات “حزب الله”، التي حدثت في 21 من أيار الحالي ببلدة عرمتى جنوبي لبنان، على رسالة غير مباشرة للتفاهمات والبازارت السعودية- الإيرانية التي أعادت بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وتطالب بشرعنة هذه الميليشيا والاعتراف باستيلائها على قرارات كثيرة في الدولة اللبنانية، وفي النظام السوري.

ولعلها مطالبة للدول الخليجية والسعودية خاصة، بالكفّ عن اعتبار هذه الميليشيا تنظيمًا إرهابيًا، والرضوخ لخيارات “حزب الله” في تعيين سليمان فرنجية، حليف الأسد، رئيسًا يضمن الهيمنة العسكرية والسياسية للنفوذ الإيراني في لبنان.

أسهم “حزب الله”، عام 2000، في تحرير جزء من الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، بعد استيلائه على حركات المقاومة اللبنانية اليسارية، والقومية، بالإضافة إلى استيلائه على خبرات التنظيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، التي تمتد إلى أكثر من ربع قرن قبل نشأة “حزب الله” في الثمانينيات على أيدي “الحرس الثوري الإيراني”.

لكن هذه المساهمة التي كانت إيجابية، انقلبت إلى هيمنة إيرانية صريحة على لبنان الذي كان منارة في العالم العربي بالحريات والتنوع والحداثة، قبل أن يصل “الشادور” والعمامة والبندقية الإيرانية إليه.

وبحجة مظلومية الشيعة في التقسيمة الطائفية اللبنانية، سلّم “حزب الله” نفسه لدولة الملالي، وصار أمينه العام حسن نصر الله أشبه بالمندوب السامي الإيراني، يوزع التهديدات والرشى ذات اليمين وذات الشمال، حتى وصل إلى سوريا التي انضمت إلى الحلم الإيراني منذ تأييد حافظ الأسد لإيران في حربها ضد العراق 1980.

وقد لاقت الدعاية الإيرانية التي قادها “حزب الله” قبولًا إيجابيًا حتى العام 2006، عندما استقبل السوريون المهجّرين اللبنانيين من الجنوب، واحتضنوهم في بيوتهم، وقدموا لهم كل سبل المساعدة في أثناء الهجوم الإسرائيلي على الجنوب، الذي يعتبر معقلًا مهمًا للطائفة الشيعية اللبنانية، بعد أن خطف “حزب الله” جنديين إسرائيليين، وتسبب بالدمار الشامل الذي أعلنته إسرائيل على البنى التحتية اللبنانية، ومن أشهرها تدمير الجسور، بما فيها البحث عن جسر اللوزية الموجود فقط في أغنية فيروز الشهيرة “على جسر اللوزية”!

لكن “حزب الله” الذي يرفع شعارات الممانعة والمقاومة، كشّر عن أنيابه الطائفية في العام 2011 عندما وقف معاديًا لطموحات الشعب السوري، وخضع للإملاءات الإيرانية باحتلال مدينة القصير، ومباشرة المشروع التبشيري فيها وفي ريف دمشق وحلب وحمص، والتأسيس لقدوم عصر هيمنة “الكبتاجون” و”الحشيش” الذي يموّل نشاطات الحزب بما فيها ادعاؤه تحرير القدس، ولكن طريق القدس الإيراني صار يمرّ في حمص وحلب ودمشق.

الأوساط اللبنانية تلقت مشاهد المناورات هذه بكثير من الدهشة والاستغراب، واعتبرتها محاولة إيرانية جديدة لزيادة الخراب في الدولة اللبنانية التي يهيمن الحزب عليها، خاصة أن هذه المناورات تأتي ولبنان في حالة اقتصادية متردية بعد انهيار المنظومة المالية اللبنانية، التي كانت إحدى أقوى المنظومات المالية في المنطقة قبل وصول الهيمنة الإيرانية إليها.

واعتبر كثير من اللبنانيين أن هذه المناورات العسكرية انتقاص من قيمة الجيش اللبناني الذي لم يعد أفراده يجدون لقمة الخبز، وصار يعيش على الصدقات الخليجية والأوروبية، في حين أن الدعم الإيراني وتجارة المخدرات يؤمّنان لـ”حزب الله” رفاهية القدرة على المناورات والتهديد بالحرب، بعد أن خرجت قرارات الحرب والسلم من أيدي المسؤولين اللبنانيين إلى يدي حسن نصر الله المندوب السامي الإيراني.

وقد تكون هذه المناورات مجرد بازار إيراني مع إسرائيل، وهما الطرفان اللذان يجمعهما الحرص على استمرار نظام بشار الأسد، إذ تساند إيران نظام الأسد عسكريًا وماليًا، في حين تفرض إسرائيل إرادتها على الأوروبيين والأمريكيين في التغاضي عن جرائم نظام الأسد من أجل استصلاح هذا النظام، الذي أثبت فعاليته في حماية الحدود الإسرائيلية عبر عقود طويلة تمتد إلى بدايات هيمنة حافظ الأسد عندما كان وزيرًا للدفاع عام 1967 وانسحب مسبقًا من الجولان.

وقد اتفق الطرفان الإيراني والإسرائيلي على تحويل المعارك بينهما إلى الساحة السورية، ولكن مناورات “حزب الله” أعادت خط المواجهة إلى الجنوب اللبناني في ظل تهديدات إسرائيلية كثيفة استجدت هذه الأيام ضد المشروع النووي الإيراني واحتمال استهدافه بشكل مفاجئ، ما جعل الإيرانيين يطلقون هذه المناورات كنقطة ضغط مباشرة ولصيقة بذاكرة الإسرائيليين منذ العام 2000.

لا يهمنا كسوريين انتصار أي من الطرفين، الإيراني أو الإسرائيلي، فكلاهما لا يقيم وزنًا لإرادة السوريين، ولا يعتبرهم موجودين في خططه المستقبلية، ولكن المعارك المتوقعة بين الطرفين ستقوم فوق السوريين، وعلى أرض بلادهم المنتهكة، بالإضافة إلى أراضي الجنوب اللبناني، حيث سيعاد تشريد المدنيين وتدمير حياتهم كما فعل نظام الأسد ببراميله وصواريخه وبتحالفاته الإيرانية- الروسية التي دمرت البلاد.

مناورات “حزب الله” إنذار بكارثة إيرانية جديدة على سوريا ولبنان، وهي علامة على احتمال تكرار وتعميق مسارات التدمير، والتهجير، والانهيار الاقتصادي، وانعدام السلام. فهل ينجح ملالي إيران في إبعاد الحرب عن نظامهم وأرضهم، وإبقاء الحريق مستعرًا في سوريا ولبنان بدلًا من إيران؟

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة