عنب بلدي – سكينة المهدي
“لم يحاول أي طرف الإصلاح بيننا، لم يتعاطف أحد معي، وكل أقاربي وقفوا في صفه، ووصفوني بأبشع الصفات حتى يقتنع بصحة قراره الانفصال عني، وأقل ما قالوه هو أن الحياة معي مستحيلة لأنني سيئة المعشر، ولا يمكن لرجل تحمّلي”، هذا ما قالته إلهام لعنب بلدي بشأن الإساءة التي تعرضت لها بعد طلاقها من زوجها.
ارتفعت حالات الطلاق في سوريا خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وصارت متقاربة مع معدلات الزواج، وكشفت الإحصائية الرسمية الأخيرة في سوريا عام 2022، أن كل 29 ألف حالة زواج تقابلها 11 ألف حالة طلاق، وقال القاضي المستشار وليد كلسلسي، إنه “لدى مراجعة المحاكم الشرعية، وفي أثناء التمحيص فيما ذُكر من الزوجين خلال جلسات التحكيم السرية، تبيّن أن أسباب طلب التفريق التي وردت في المحاكم هي اقتصادية واجتماعية وثقافية، وبعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها، ولدى مقارنات حالات الطلاق قبل ظهورها وبعده، تبيّن وجود حالات طلاق جديدة بسبب الخيانة الزوجية، واكتشاف الزوجين لمثل هذه الخيانة يؤدي إلى المحاكم الشرعية وصولًا إلى الطلاق”.
تعاطف أعمى
إلهام (35 عامًا)، تحفظت على ذكر اسمها الكامل لأسباب اجتماعية، من مدينة إدلب شمال غربي سوريا، تحدثت إلى عنب بلدي حول طلاقها من زوجها بعد زواج دام عشر سنوات قائلة، “إن المشكلة التي حدثت بيننا لم تكن تستدعي الطلاق، إذ أخبرته بتصرف سيئ رأيت أخته تتصرفه، إلا أنه صدمني بتوجيه الشتائم لي، واتهمني اتهامات باطلة، وطلقني بعد اتفاقه مع زوجته الثانية على ذلك”.
قالت إلهام، “لم يحاول أي طرف الإصلاح بيننا، لم يتعاطف أحد معي، وكل أقاربي وقفوا في صفه، ووصفوني بأبشع الصفات حتى يقتنع بصحة قراره الانفصال عني، وأقل ما قالوه هو أن الحياة معي مستحيلة لأنني سيئة المعشر، ولا يمكن لرجل تحمّلي، فقط والدتي حاولت التحدث مع والده ولم يقبل ذلك”.
أشارت إلهام إلى أن بعض الصديقات المقربات دعمنها بطريقتهن، وحاولن التخفيف عنها بقولهن إنها امرأة جميلة وصغيرة، وكثير من الرجال قد يرغبون بالزواج منها، لكنها كانت تجيب بعدم تقبلها للزواج بعد ما حدث معها، بسبب عدم ثقتها بالرجال.
تعاطف دون تحقق
ظهرت المؤثرة السورية لمى الأصيل، التي تقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخرًا بمقطع مصوّر عبر حسابها في “إنستجرام”، وتحدثت من خلاله عن زواج زوجها بفتاة أخرى، وبكت خلال المقطع فاقدة أعصابها، ما دفع كثيرًا من المتابعين للتعاطف معها، ودعمها من خلال التعليقات والرسائل كما قالت، قبل أن تحذف المقطع لأنه كان نابعًا من صدمة أصابتها بسبب ما حدث، بحسب ما نشرته بعد ذلك من خلال حسابها.
لكن زوجها باسل خير رد على اتهامها له، وقال إنها رفعت دعوى ضده في المحكمة، وعلاقته معها كانت متوترة منذ أشهر، كما أن سبب الطلاق كان تراكمًا لمشكلات استمرت سنوات ولم تكن بسبب زوجته الجديدة، واتهم طليقته لمى بإهمال بيتها وتكريس حياتها لمواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع عددًا كبيرًا من رواد “السوشيال ميديا” للدفاع عنه والتعاطف معه أيضًا، دون التحقق من صحة حديثه أو حديث طليقته.
الباحث الاجتماعي حسام السعد قال في حديث إلى عنب بلدي، إن “التعاطف يكون مع الزوجة بعد حادثة الطلاق بأغلب الأحيان، لأنها الحلقة الأضعف عادة في مجتمعنا السوري والعربي عمومًا، وأي امرأة تشعر أنها في لحظة ما قد تكون مكانها، وقد تتعرض للغبن وتُحمَّل أعباء فشل العلاقة، وهو سبب أساسي للتعاطف مع المرأة المطلقة دونًا عن الرجل”، بحسب تعبيره.
ويعتقد حسام السعد أن هذا الموضوع يعود إلى المتعاطف نفسه، لكن المبدأ الرئيس برأيه هو أن اعتبار المرأة هي المذنبة بغض النظر عن الحقيقة أمر غير صحيح، إلا أن لوم الرجل أيضًا دون التأكد من التفاصيل غير منصف، لأن كثيرًا من الرجال قد يُظلمون من قبل زوجاتهم، والاعتقاد بأن الرجل هو الظالم دائمًا هو حكم جائر بحقه، وعلينا التبيّن من الحقيقة قبل الوقوف مع طرف ضد آخر.
عضو جمعية “المرأة السورية- الألمانية” بيان ريحان، تعتقد أن الطرف الذي يطرح القضية قبل الطرف الآخر يكسب النسبة الكبرى من التعاطف، حتى لو أوضح الطرف الآخر وجهة نظره فيما بعد وكان على حق، لأن أكثر الناس عاطفيون يؤخذون بالانطباع الأول عن المشكلة، قبل تحليل القصة.
حقوق مالية ضائعة
استمرت عديد من الحسابات عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي بتداول المقطع المصوّر الذي ظهرت فيه لمى الأصيل وهي تتحدث عن خلافها مع زوجها، ومقطع آخر توضح من خلاله خلافها المادي معه، واستمرت التعليقات المتعاطفة معها بالتدفق واحدًا تلو الآخر، خاصة بعد حديثها عن محاولة زوجها التملص من تطبيق القانون في أمريكا حيث يقيمان، والتهرب من إعطائها حقوقها المادية بدفعها للطلاق لدى شيخ دون اللجوء إلى المحكمة.
إلهام، وهي أيضًا متزوجة بعقد زواج رسمي في المحكمة، وكان بإمكانها تحصيل الصداق الذي كتبه زوجها على نفسه في العقد بعد الطلاق، إلا أنه لم يقبل تسليمها حقوقها المالية، فأخبرته أنها سترفع دعوى ضده ليدفع لها ما عليه من مال (مقدم ومؤخر)، لكنه هددها بالضرب وأخذ أطفالها منها عنوة، وتراجعت عن مطالبتها بحقها بعد تهديده، كما قالت لعنب بلدي.
“أهل طليقي منعوه من الحصول على حقه بالميراث، حتى لا يفكر بمنحي حقي بعد طلاقي منه، والآن أنا أحمل مسؤولية الأطفال كاملة، ماديًا ومعنويًا، وهو يتهرب حتى من الحديث مع أطفاله عبر الهاتف”، بحسب ما قالته إلهام.
وقالت بيان ريحان لعنب بلدي، “شهدتُ على قصص عديدة لنساء يعشن في ألمانيا، طلبن الطلاق من أزواجهن ونلنه بحكم القانون، وكلهن حصلن على حقوقهن المالية”.
ريحان أشارت إلى أن إحدى الحالات لجأت إلى القانون هناك، الذي يفرض حصول المرأة على نصف أموال الرجل عند الطلاق والعكس، وأخذت حقها المادي بالكامل، قائلة، “بعد يوم واحد فقط تزوجت المرأة برجل آخر دون اكتراث لوضع الأطفال، فنحن الآن دخلنا في فوضى اجتماعية كبيرة، ولا يوجد قانون اجتماعي واضح يعطي الزوجين حقهما المادي”.
المرأة لا تناصر المرأة بالضرورة
تحدثت إلهام عن النساء في عائلتها وعائلة زوجها قائلة، “إنهن لم يدعمنني، بل وقفن ضدي، وحتى قريباتي امتنعن عن زيارتي أو الحديث معي لأنهن يكرهن عائلتنا، ولا يردن التدخل بأي مسألة تخصني، أما نساء عائلة طليقي فلم يكتفين بالصمت، بل حرضنه عليّ، وكنّ من أشد المعاديات لي”.
وفي تسجيل صوتي، قالت بيان ريحان لعنب بلدي، إن مقولة “المرأة تدعم المرأة” ليست صحيحة مئة بالمئة، ففي قصة لمى الأصيل، كانت المرأة سببًا بمشكلتها بشكل أساسي، و”التي تزوجها طليقها باسل خير، امرأة أيضًا ومنفصلة أيضًا، أي تعيش في ظروف مشابهة لظروف لمى، ولا يجب الوقوف بجانب المرأة دائمًا، إذ قد تكون مخطئة في بعض الأحيان، ولا يجب الأخذ بحكم واحد قبل النظر إلى القصة كاملة”.
وأضافت ريحان أنه في إحدى القضايا التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، دعم الرجال رجلًا وتعاطفوا معه، لكن بعض النساء أيضًا دعمنه، ولمى الأصيل أيضًا وجدت كثيرًا من النساء في صفها، لكن بنفس الوقت لو اطلعنا على بعض المجموعات عبر “فيس بوك”، نجد أن بعض السيدات أيضًا اتهمنها بتقصيرها في بيتها وإهمالها لأطفالها انصرافًا لعملها ولمواقع التواصل الاجتماعي كما قال زوجها.
وبحسب القانون السوري للأحوال الشخصية رقم “4” لعام 2019، إذا طلق الرجل زوجته بإرادته المنفردة، دونما سبب معقول ومن غير طلب منها، استحقت تعويضًا من مطلّقها بحسب حاله، وبما لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يحكم به جملة أو مقسطًا بحسب مقتضى الحال.