بعد مقتل مزارع بزعم كونه قياديًا في "القاعدة" بإدلب
مطالب بتعويض ضحايا القصف الأمريكي الخاطئ لمدنيين في سوريا
عنب بلدي – حسن إبراهيم
تصدّرت قضية مقتل مدني بطيران مسيّر أمريكي على أنه قيادي في تنظيم “القاعدة” المشهد الميداني شمال غربي سوريا، بعد مضي أقل من شهر على استهدافه، وسط انتظار نتائج التحقيق الذي قال مسؤولون أمريكيون إنه جارٍ.
استهداف فتح الباب أمام تساؤلات عن الخطوات القانونية الممكنة أمام عائلة الرجل لطفي حسن مسطو، وإمكانية تعويضها، مع وجود تأكيدات من ذويه وشهادات محلية ومن “الدفاع المدني السوري”، وشكوك من خبراء في الجماعات “الجهادية”، وترجيحات أمريكية بأن الرجل مدني ولا ينتمي لأي فصيل عسكري.
“مدني لا قيادي”
استهدف طيران مسيّر أمريكي، في 3 من أيار الحالي، لطفي حسن مسطو في بلدة قورقانيا، وبعد ساعات ذكرت القيادة المركزية الأمريكية في بيان، أنها استهدفت “قياديًا بارزًا” في تنظيم “القاعدة” شمال غربي سوريا (دون تحديد المكان بدقة)، واعدة بتقديم تفاصيل أكثر.
“الدفاع المدني السوري” استجاب للحادثة خلال دقائق، وقال بعد حوالي ساعة عبر “فيس بوك”، إن الرجل قُتل بقصف صاروخي من طائرة مسيّرة مجهولة الهوية، استهدفه في أثناء عمله برعي الأغنام.
عنب بلدي حصلت على شهادات محلية، تشير إلى أن الشخص الذي استهدفه الطيران مدني ولا ينتمي لأي فصيل، ولم يشارك بالعمل العسكري في سوريا، ويبلغ 56 عامًا، وهو متزوج ولديه 11 من الأبناء، وهو من أهالي بلدة قورقانيا ومعروف فيها.
وكان لطفي يملك مكبسًا لتصنيع القرميد، ثم عمل في تربية الدواجن ورعي الأغنام، وليس لديه أي مشكلات سابقة، ولم يحمل أي سلاح، بحسب شهادات من أقرباء له وأهالي القرية لعنب بلدي.
تواصلت عنب بلدي مع القيادة المركزية الأمريكية منذ 4 من أيار الحالي، للتعليق على معلومات تفيد بأن الرجل مدني ولا ينتمي لأي فصيل، والحصول على توضيحات عن ارتباطه بالتنظيم، لكنها لم تتلقَ ردًا حتى لحظة نشر هذا الخبر.
تحقيق بانتظار الكشف
اعتادت القوات الأمريكية الكشف عن هوية الأشخاص المستهدفين، ومع تأخرها وكثرة الشهادات المحلية، بدأت المطالب تزداد بالكشف عن ملابسات الحادثة أكثر، ومنهم طالب بالمقاضاة والتعويض.
الباحث المختص في الجماعات الإسلامية عباس شريفة، طالب في يوم الاستهداف بمقاضاة الجيش الأمريكي ودفع التعويضات للضحية المدنية، نافيًا صحة الادعاء بأنه قيادي، مستندًا إلى مصادر مباشرة من قورقانيا، وفق ما نشره عبر “تويتر“.
الخبير في الشؤون الجهادية والباحث في مركز “التحليل والبحوث العملياتية” عروة عجوب، علّق بعد يوم على الحادثة عبر “تويتر” قائلًا، “ما زلنا ناطرين (ننتظر) التحالف يخبرنا مين ضرب مبارح بإدلب!”.
وفي 9 من أيار الحالي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، أنها تحقق في قضية مقتل لطفي، وقال المتحدث باسم القيادة المركزية، جون مور، إن القوات الأمريكية “بصدد تأكيد هوية الشخص الذي قُتل في الغارة”، وفق ما نقلته وكالة “أسوشيتد برس” (AP) الأمريكية.
وذكر مور أن مهام القيادة المركزية “تم التخطيط لها وتنفيذها بدقة، لتحقيق أقصى قدر من النجاح، وتقليل مخاطر الأضرار الجانبية، والأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 18 من أيار الحالي، أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين تراجعوا عن مزاعم قتل قيادي في تنظيم “القاعدة” شمالي إدلب، وقال مسؤولان في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للصحيفة، إن “هناك شكوكًا الآن داخل (البنتاغون) حول هوية الشخص الذي قُتل” في غارة ببلدة قورقانيا.
وأضاف أحد المسؤولين، “لم نعد واثقين من أننا قتلنا مسؤولًا كبيرًا في (القاعدة)”، وقال المسؤول الآخر، “على الرغم من أننا نعتقد أن الضربة لم تقتل الهدف الأصلي، فإننا نعتقد أن الشخص هو من (القاعدة)”.
وزوّدت الصحيفة الأمريكية أربعة خبراء في “الإرهاب” بتفاصيل حادثة استهداف الرجل، وشككوا بدورهم بانتمائه إلى “القاعدة”.
لا تعويضات في سوريا
رغم عدم البت كليًا بأن الاستهداف طال مدنيًا أو قياديًا في تنظيم “القاعدة”، طرحت الحادثة تساؤلات عن إمكانية المقاضاة مع وجود العائلة في الشمال السوري، أو التعويض من الجانب الأمريكي لذوي الشخص.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال لعنب بلدي، إن وجود العائلة في الشمال لا يمنع من اتخاذ إجراء قانوني، إذ يمكن تعيين محامٍ عن بُعد مقيم في أمريكا، ورفع دعوى على وزارة الدفاع الأمريكية مثلًا.
وأوضح العبد الله أن المشكلة تكمن بأن التعاطي في مثل هذه الحالات هو تعاطٍ إداري وليس قضائيًا، باعتبار أنه يُطلب فتح تحقيق بالحالات، وحاليًا هناك تحقيق بدأ في هذه الحادثة، ثم يتم اتخاذ قرار بحسب النتائج.
وأضاف العبد الله أن الشكوى بهذه الحالة هي شكوى مدنية وليست جزائية، ولذلك أكبر ما يمكن الحصول عليه (في مثل هذه الحالات) هو التعويض وإصدار رسائل اعتذار، بعد أن يتم البت في الحالة ومراجعة معلومات الضربة والمعلومات الاستخباراتية والتنفيذ وغيرها، وتقرير ما إذا كانت الضربة صحيحة أو خاطئة.
ونوّه العبد الله إلى أن القوات الأمريكية في حال استهدفت الرجل المدني بناء على وجود شبهة (مثلًا فرار القيادي وبقاء المدني)، أو بناء على معلومات استخباراتية خاطئة، فالقضية مبنية على قصد ملاحقة هدف مشروع، ولا تعد قضية جنائية إنما مدنية.
وذكر مدير المركز الحقوقي، أن المشكلة هي أن وزارة الدفاع الأمريكية لم تنشئ برنامج تعويضات واعتذار في سوريا، لذلك كانت المطالب حاضرة منذ سنوات بتعويض ضحايا الضربات، خاصة شمال شرقي سوريا، خلال محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقال العبد الله، إن من غير الواضح ما إذا كانت وزارة الدفاع الأمريكية تتبع السياسة التي أسستها وأنشأتها، إذ نشرت سابقًا سياسة خاصة بها متعلقة بموضوع الضحايا المدنيين في النزاعات، وعندما يكون الجيش الأمريكي منخرطًا، يُطلب من وزارة الدفاع أن تبت في هذه الحالات خلال 90 يومًا من وقوعها، وبالتالي عليها فتح تحقيق والتأكد إن كان هناك انتهاك أو لا، وإصدار اعتذار وتعويض.
مطالب بالتعويض
منذ سنوات تطالب المنظمات بدفع تعويضات مالية للمدنيين الضحايا بضربات أمريكية، وتسلّط وسائل الإعلام تغطيتها على إخفاء وزارة الدفاع (البنتاغون) معلومات ووثائق تتعلق بسقوط ضحايا مدنيين جراء الضربات الأمريكية على مواقع وأهداف في سوريا، وتحفّظها على نشر أعدادهم أو الاعتراف بهم، منذ نحو تسع سنوات حتى اليوم.
ووصل بعضها إلى رفع دعوى قضائية ضد “البنتاغون”، لإجباره على نشر الوثائق التي تتعلق بسقوط ضحايا مدنيين في إحدى الغارات الأمريكية بالشمال السوري عام 2019.
ووفق ورقة بحثية صدرت في 2021، طالب “المركز السوري للعدالة والمساءلة” بإنشاء برنامج تعويضات شامل، ودعا واشنطن إلى معالجة تركة وجودها العسكري في سوريا، وتعويض أهالي المدنيين الذين تضرروا.
واعتبرت الورقة أنه يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تحاول معالجة الخسائر، سواء من خلال التعرّض للإصابة أو فقدان أحد الأحباء أو تدمير البنية التحتية المدنية، ودعت الورقة البحثية إلى تقديم تعويضات تتجاوز المبالغ المدفوعة على سبيل الهبة التقليدية، بما في ذلك إنشاء برنامج تأشيرة هجرة خاصة للسوريين الذين قدّموا الدعم للجيش الأمريكي.
وكذلك تقديم تأشيرات “B-2” لمن تعرّضوا لإصابات في الضربات الأمريكية والذين يحتاجون إلى رعاية طبية، وبرامج مجتمعية لإصلاح البنية التحتية، مثل المساعدة الفنية في استصلاح الأراضي الزراعية المتضررة.
في كانون الثاني 2019، دفع “التحالف” حوالي 80 ألف دولار لضحايا هجوم قُتل فيه 11 مدنيًا، بينهم أربعة أطفال من العائلة نفسها. مع ذلك، لم تسفر تحقيقات “هيومن رايتس ووتش” في أربع غارات جوية لـ”التحالف” غير قانونية في محافظة الحسكة في عامي 2017 و2018، وأودت بحياة 63 مدنيًا ودمرت وأضرّت بالممتلكات، عن أي تعويضات أو مدفوعات للضحايا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :