خالد الجرعتلي | محمد فنصة | يامن مغربي
تنتاب الناشط الإعلامي السوري عبد الرحمن الأحمد، المقيم في لبنان، حالة من الخوف المستمر، إذ لا تحميه القوانين في بلد “يريد إرجاع السوريين إلى قاتلهم قسرًا”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
عبد الرحمن الذي ينحدر من محافظة درعا، وهرب منها قبل عام حفاظًا على حياته من أجهزة النظام الأمنية، وعمليات الاغتيال شبه اليومية في منطقته، قال إنه واجه مخاوف لا تقل عن سابقتها عند وصوله إلى البلد الجار، وهي حالة عامة تعانيها شريحة كبيرة من السوريين في لبنان.
على الرغم من الخلافات السياسية الداخلية والانقسامات الحزبية في لبنان، وارتباط بعض الأحزاب بتحالفات مع النظام السوري وعداء أخرى له، اتفقت معظم الأطراف على خطاب يدفع باتجاه عودة السوريين، وإلى سوريا بالتحديد، ما أثر على حياة اللاجئين في البلاد، وانعكس الأمر بزيادة واضحة في مستوى خطاب الكراهية الموجه للسوريين.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع سياسيين لبنانيين، وخبراء، أسباب الإصرار اللبناني على ترحيل السوريين باتجاه الأراضي السورية، دون تقديم اقتراحات بديلة تؤدي إلى نجاتهم كما هي الحال في دول أخرى.
حملة وقودها المنابر
شهد تموز 2022 تصعيدًا بحق اللاجئين السوريين في لبنان، على أكثر من صعيد، بداية من تصريحات وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، في 4 من الشهر نفسه، حين تحدث عن خطة لبنانية تنص على إعادة 15 ألف “نازح” شهريًا من لبنان إلى سوريا.
وقال شرف الدين أيضًا، خلال زيارته إلى قصر “بعبدا” ولقائه الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، إنه “مرفوض كليًا ألا يعود النازحون السوريون إلى بلادهم بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة”.
ومع مرور الوقت، توقفت الخطة المطروحة، وعادت إلى جدول الأعمال لاحقًا بشكل غير معلَن، لكن تأثيرها على حياة السوريين مستمر، خصوصًا أن السياسيين اللبنانيين لا يتوقفون عن الحديث حول عودة السوريين.
“شعبوية” سياسية
السياسي والنائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش، قال لعنب بلدي، إن أهم ما في عودة السوريين إلى بلادهم هي أنها حق من حقوقهم، لكن حالة لبنان سياسية تدفع بأي قضية محلية إلى أروقة التنافس السياسي، وحالات الشد والجذب، وتراشق التهم.
وأضاف علوش أن طبيعة التنافس السياسي اللبناني في جميع القضايا، أسفر عن دفع ملف اللاجئين السوريين إلى الحدود، وقامت عمليات ترحيل “شارفت على أن تكون عنصرية”.
مطالب السياسيين اللبنانيين المستمرة بترحيل السوريين دون خطة واضحة، تحمل في طياتها كثيرًا من “الشعبوية” بحسب علوش، خصوصًا أن العاملين في السياسة اللبنانية يعون تمامًا أن أي تقدم في ملف عودة اللاجئين مرتبط بتفاهمات دولية، وقرارات الأمم المتحدة.
النائب في البرلمان اللبناني عن حزب “القوات اللبنانية” شربل عيد، قال لعنب بلدي، إن “لبنان أدى منذ البداية جميع واجباته الأخلاقية والإنسانية فيما يتعلق بملف اللاجئين السوريين”، لكن ما زاد الأمر تعقيدًا هو تعاطي الحكومة اللبنانية مع ملف اللاجئين بعشوائية.
وأضاف أن حزب “القوات” كان يدعم مع بداية اللجوء السوري إلى البلاد أن ينظّم وجودهم فعلًا، وتقام لهم مخيمات، وتحصى أعدادهم بشكل كامل، للتمييز بين اللاجئ، والسائح، والعامل، إذ لم يأتِ جميع السوريين إلى لبنان للغرض نفسه.
ومع مرور أكثر من 12 عامًا على لجوء أول سوري باتجاه لبنان، بحسب عيد، وتوقف المعارك في سوريا، يمكن النظر في حالة عودتهم إلى سوريا، كل إلى المنطقة التي تمثّله، إذ يمكن للمعارض الذهاب إلى مناطق المعارضة، وللمؤيد الأمر نفسه.
وثّق مركز “وصول لحقوق الإنسان” (ACHR)، منذ بداية نيسان الماضي وحتى 16 من أيار الحالي، اعتقال الجيش اللبناني 808 لاجئين “تعسفيًا”، بينهم 17 لاجئًا يملكون أوراق إقامة قانونية، و13 من النساء، و24 من القاصرين، واثنان من أفراد مجتمع “الميم عين” (LGPT)، وتعرض بعضهم للضرب، أو المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، من قبل أفراد في الجيش اللبناني.
ورحّلت السلطات ما لا يقل عن 336 لاجئًا من الموقوفين إلى خارج الحدود اللبنانية “قسرًا”، بينهم 12 لاجئًا يملكون أوراق إقامة قانونية، و13 من النساء، و22 من القاصرين، واثنان من أفراد مجتمع “الميم عين”. مركز “وصول” الحقوقي |
لجوء “عشوائي”
الحقوقي السوري المقيم في لبنان صهيب عبدو، قال لعنب بلدي، إن المادة “31” من قانون الأجانب اللبناني، تنص على أن يرحّل اللاجئ السياسي من البلاد إلى بلد ثالث في حال كان ترحيله أمرًا لا بد منه، ولا يجب إعادته إلى البلد الذي هرب منه، أو إلى بلد يتخوف فيه على حياته أو حريته.
بالتالي، فإن الإصرار على إعادة السوريين باتجاه سوريا يعتبر انتهاكًا للقانون اللبناني المحلي، قبل أن يكون انتهاكًا لأي قانون دولي معني بحقوق الإنسان.
في هذا الصدد، اعتبر السياسي اللبناني شربل عيد أن ما يطلبه لبنان اليوم هو إحصائيات حقيقية لتوزع السوريين في لبنان، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة وأسباب إقامة الشخص في لبنان، وهو ما حاولت الحكومة اللبنانية على مدار السنوات الماضية تحقيقه، لكن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان تستمر برفض تزويد الجهات الحكومية بالمعلومات التي تملكها حول السوريين.
وأضاف أن اللاجئ السياسي أو الذي يواجه خطرًا على حياته، لا يمكن أن يسمح القانون بترحيله، لكن عشوائية وجود اللاجئين في لبنان كوّنت اتجاهًا لدى السياسة اللبنانية، أن على جميع السوريين العودة من حيث أتوا، نظرًا إلى كونهم يزورون سوريا بين الحين والآخر، ويشاركون بالانتخابات الرئاسية عبر سفارة النظام في لبنان، علمًا أن هذه النظرة ليست دقيقة بالمجمل، فلم يشارك الجميع بالانتخابات، ولم يأتِ الجميع إلى لبنان لغرض العمل، أو السياحة، أو هربًا من الظروف الاقتصادية السيئة، بحسب عيد.
ويرى البرلماني اللبناني أن من بين نحو مليوني سوري في البلاد، لا يتعدى عدد اللاجئين السياسيين المئة ألف، بينما يعيش في المدن اللبنانية مئات الآلاف من الباحثين عن عمل، ومؤيدي النظام، والمقيمين دون أوراق ثبوتية.
وتتضارب الأرقام والمصطلحات عند الحديث عن ملف اللاجئين السوريين في لبنان، إذ لا أرضية واضحة يستند إليها المسؤولون اللبنانيون في هذا الصدد، ما جعل عدد السوريين في لبنان بين ثلاث إحصائيات متفاوتة، دون الاتفاق حتى على مسمّى وجودهم المتواصل منذ سنوات، حتى لا يجد لبنان نفسه أمام التزامات إضافية تجاههم.
وخلال تشرين الأول 2022، قدّم مدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، أحدث إحصائية أعداد السوريين في لبنان وأضخمها في الوقت نفسه.
وبحسب إبراهيم، يوجد في لبنان مليونان و80 ألف “نازح” سوري، وهو عدد بعيد عن الذي طرحه الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون.
وبينما تتحدث الحكومة اللبنانية رسميًا عن ملايين السوريين في البلاد، أحصى تقرير صادر عن “مفوضية اللاجئين” وجود نحو 805 آلاف لاجئ سوري فقط في البلاد.
خطاب إعلامي مسيّس
لا يختلف خطاب معظم وسائل الإعلام اللبنانية عن خطاب الأحزاب السياسية، خاصة أن كثيرًا من وسائل الإعلام مرتبطة بتلك الأحزاب، مقرّبة منها أو تتلقى دعمًا أو تتقاطع الأفكار الأيديولوجية والسياسية فيما بينها.
هذا الخطاب الذي توجهه وسائل الإعلام إلى المجتمع، يحمل تأثيرًا اجتماعيًا كبيرًا وتحديدًا على العلاقات الاجتماعية للاجئين السوريين في لبنان، بحسب ما يراه الكاتب والصحفي مهند الحاج علي، وغالبًا ما يؤدي هذا الخطاب إلى مضايقات بحق الأطفال والكبار على حد سواء.
وأشار الحاج علي، في حديث لعنب بلدي، إلى اختلاف مستويات تأثير خطاب وسائل الإعلام، والآخر الشعبي ضد اللاجئين السوريين، إذ نجد مستواه أقل تأثيرًا في المناطق الحدودية لوجود تداخل مجتمعي، نتيجة العلاقات التاريخية أو الزواج وغيرهما.
من جهة أخرى، تصر شريحة من الداعين إلى ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان على أن تتم العملية باتجاه سوريا، بغض النظر إن كانت الوجهة هي مناطق سيطرة النظام السوري أو غيرها، ودون النظر إلى مستقبل هؤلاء اللاجئين أو المخاطر التي قد يتعرضون لها، ومن بينها الاعتقال التعسفي، أو الإخفاء القسري، وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
ويربط الحاج علي أن تكون الوجهة إلى سوريا بنقطتين، الأولى تتعلق بأن سوريا هي البلد الأم للاجئين، أما الثانية فهو ازدياد التقارير التي تتحدث عن زيارات موسمية لسوريين إلى الداخل السوري وتحديدًا عبر معابر غير شرعية، وهو ما يتفق معه برلمانيون لبنانيون تواصلت معهم عنب بلدي.
توجه دولي
الصحفي السوري نضال معلوف قال لعنب بلدي، إن “إرادة دولية” باتت واضحة حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتحديدًا من دول الجوار (تركيا ولبنان والأردن والعراق)، إذ تدور التحركات السياسية الأخيرة في هذا الإطار.
وكانت جامعة الدول العربية نشرت، في 22 من أيار الحالي، القرارات الصادرة عن القمة الـ32 التي عُقدت في مدينة جدة السعودية.
وجاء في القرارات المكوّنة من 109 صفحات، ونُشرت على الموقع الرسمي للجامعة، فقرات خاصة بسوريا، شملت ملف اللاجئين السوريين وعودتهم، والإرهاب، والقوات الأجنبية، واللجنة الدستورية، والمصالحة الوطنية، والقرار الأممي “2254”.
معلوف يرى من جانبه أن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا تحديدًا، ترتبط بوجود حل سياسي، وهو أمر يضرّ بالنظام، معتبرًا أن شركاء واشنطن والاتحاد الأوروبي في المنطقة يتحركون وفق خطط دولية تشكّل ضغطًا، وبالتالي فإن تزامن الضغط في ملف اللاجئين بالتزامن مع الضغوط الإقليمية، يعني أن هناك هدفًا ما يرتبط بهذا الملف.
وتابع معلوف أنه ورغم خصوصية لبنان، فإنه لا يمكن اعتبار العنصرية ضد السوريين هي السبب الرئيس في الخطاب الأخير، هذا الأمر لا ينفي العنصرية الناتجة عن أسباب تتعلق بالوجود السوري في لبنان والآثار السلبية التي تركها، لكنه ليس المنطلق الأساس، بحسب رأيه.
وكانت القوات السورية دخلت إلى لبنان ضمن “قوات الردع العربية” منذ عام 1976، ولم تخرج إلا في عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وانطلاق ما عُرف بـ”ثورة الأرز”.
وشهدت أيام وجود الجيش السوري قمعًا للحريات، واعتقالًا للصحفيين المعارضين وتعذيبهم، بحجة إثارة النعرات الطائفية وتشويه سمعة الجيش السوري والاتصال بالعدو الإسرائيلي.
وكان مهندس هذه المرحلة اللواء جميل السيد، مدير عام الأمن العام اللبناني، الذي كان يتابع ملفات الصحفيين ويطاردهم محاولًا ترهيبهم، ومن أبرزهم الصحفي سمير قصير.
الأمر نفسه أشارت إليه الصحفية اللبنانية عالية منصور في حديث إلى عنب بلدي، واعتبرت أن هناك خلطًا واضحًا بين اللاجئين السوريين والسوريين العاملين في لبنان.
وأشارت إلى أن العمال السوريين موجودون في لبنان حتى قبل 2011، بل منذ خمسينيات القرن الـ20، ووجودهم ليس جديدًا، وهذا الخلط يأتي بسبب الحكومة اللبنانية.
وكان وزير العمل اللبناني، مصطفى بيرم، أعلن، في 26 من نيسان الماضي، عن أن 37 ألف سوري زاروا بلادهم خلال عطلة عيد الفطر الأخيرة، وهو ما ينفي صفة النزوح عنهم، حسب قوله.
الصحفية منصور رأت أن شكل الخطاب الحالي المتّبع، يعود سببه إلى الحملات التي تصنعها الحكومة والساسة اللبنانيون المتناغمون مع خطاب الأسد نفسه.
منصور أشارت إلى أن الأسد نفسه لا يريد عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم، ويتناغم مع خطابه جزء كبير من السياسيين اللبنانيين للحصول على الأموال، رغم أن هذا الأمر لن يكون سهلًا على اعتبار أن إعادة الإعمار ترتبط بالعقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام السوري.
وحول الحملات الممنهجة التي تنفذها الحكومات اللبنانية، قالت منصور، إنها تأتي مع كل استحقاق سياسي لبناني، وحاليًا هناك استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، في عام 2022، يعيش لبنان فراغًا رئاسيًا، ولم ينجح الساسة اللبنانيون بالتوافق على رئيس حتى لحظة نشر هذا الملف.
أبرز المرشحين هو زعيم “تيار المردة”، سليمان فرنجية، الذي يبدو أنه يحظى بدعم من “حزب الله” في لبنان ومن النظام السوري أيضًا.
وسبق لفرنجية أن قال في تغريدة عبر “تويتر”، في 26 من نيسان الماضي، إنه يمتلك ما لا يمتلكه كثيرون، وهو ثقة “حزب الله” وبشار الأسد، ويمكنه معهم إنجاز ما لا يستطيع الآخرون إنجازه.
تصريحات فرنجية يمكن ربطها بملف اللاجئين السوريين في لبنان وعملية ترحيلهم إلى سوريا تحديدًا، وفق الصحفية اللبنانية عالية منصور.
تحدثت منصور عن الرابط بين الظروف السياسية والاقتصادية اللبنانية وعملية إعادة اللاجئين إلى سوريا، إذ يحتضن لبنان أكبر نسبة لاجئين بالنسبة لعدد السكان عالميًا، وهذا الأمر ضغط على لبنان بطبيعة الحال، لكن لا يمكن أيضًا تحميله للاجئين، بل للحكومة اللبنانية التي فشلت بوضع خطط لحل هذه المشكلة منذ عام 2011.
مَن المستفيد من تأجيج العنصرية؟
في ظل تعدد الأحزاب السياسية في لبنان، وارتباط مصالحها بمصالح دول أخرى، فإن خطابها حول ملف اللاجئين السوريين لا يعبّر بالضرورة عن موقف الشارع اللبناني، أو التوجه السياسي الكلي في البلاد، بحسب ما يراه البرلماني السابق مصطفى علوش.
السياسي اللبناني اعتبر أن من يعوّل على وجود حكومة في لبنان، قد تصدر قرارات حكومية أو إجراءات في إطار حماية أو ترحيل اللاجئين، فهو “يبالغ في تقديراته”، مشيرًا إلى أن في لبنان دولتين، واحدة “ليست دولة”، وأخرى موازية لها تسمى “حزب الله”.
وقال إن الأحزاب السياسية في لبنان كانت منذ بداية الأزمة الاقتصادية فيها تحاول تحميل الأخطاء المنتشرة في السياسة اللبنانية سواء على الصعيد الخدمي أو الاقتصادي للسوريين، وهي الأسباب المباشرة التي عوّمت العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وصدّرتهم على أنهم مشكلة لبنان الكبرى.
وبالتوازي مع محاولات الساسة اللبنانيين البحث عن كبش فداء يتحمل فشل إدارتهم للبلاد، كان لبنان على الصعيد الشعبوي يبحث عمن يحمّله مسؤولية هذا الفشل أيضًا، بحسب علوش.
البرلماني اللبناني شربل عيد يرى في هذا الصدد أن النظام السوري لعب دورًا في تأجيج العنصرية ضد السوريين في لبنان ودول أخرى أيضًا، خصوصًا أنه لم يبدِ أي رغبة بإعادتهم إلى البلاد التي هربوا منها، ما يسمح بالنظر إلى الأمر على أن حكومته تعمل على ما أسماه “تطهيرًا مناطقيًا أو عرقيًا أو طائفيًا”.
وأشار إلى أن النظام يفضّل الاحتفاظ بالسوريين في دول الجوار كورقة ضغط عليها، ولبنان خير دليل على ذلك، بحسب عيد.
الخطة التي يفضّل حزب “القوات اللبنانية” التعامل بموجبها مع ملف اللاجئين، بحسب النائب شربل عيد، قد تخفف من ضغوط النظام على لبنان بملف اللاجئين، خصوصًا إذ تمكّنت الحكومة اللبنانية من معرفة المقيمين في البلاد كلاجئين، أو هاربين من النظام، أو آخرين جاؤوا إلى البلاد لانتخاب رئيس النظام، بشار الأسد، في سفارة دمشق بلبنان.
الحقوقي صهيب عبدو قال لعنب بلدي، إن فترة الانتخابات الرئاسية في سوريا التي جرت في أيار 2021، تركت انطباعًا لدى الشارع اللبناني أن السوريين موالون لبشار الأسد، علمًا أن من انتخبوا النظام لا تتجاوز أعدادهم المئات، ومعظمهم جاء من منطقة جبل محسن، التي تعتبر أحد معاقل النظام الأساسية في لبنان.
وأضاف، “إذا افترضنا أن الشخص الواحد يحتاج إلى دقيقة ليشارك في الانتخابات، فكم يمكن أن يبلغ عدد الأشخاص المشاركين في الانتخابات من السوريين على مدار ثماني أو تسع ساعات في مكان واحد”.
“ورقة ابتزاز”
الباحث السياسي اللبناني الدكتور خالد العزي، قال لعنب بلدي، إن الوجود السوري في لبنان يتم استغلاله “كورقة ابتزاز” من قبل السياسيين اللبنانيين من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى.
ويبتز السياسيون اللبنانيون المجتمع الدولي عبر خطاباتهم الداعية لإعادة السوريين إلى سوريا، رغم علمهم بشرعية وجودهم عبر الأمم المتحدة، كما يبتزون الأوروبيين عن طريق السماح لـ”قوارب الموت” المحمّلة باللاجئين بالمغادرة من السواحل اللبنانية، وفق العزي.
بدوره، يبتز النظام اللبنانيين عبر عدم إتاحة ظروف عودتهم، باعتبار أن ملف عودة السوريين بات مطلبًا حكوميًا لبنانيًا، كما يستغل الدول العربية الأخرى بطرحه ملف إعادة الإعمار مقابل قبول عودة اللاجئين، بحسب ما قاله الباحث اللبناني.
نائب وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، أيمن سوسان، قال، في 18 من أيار الحالي، “إن عودة المهجرين لها متطلبات، وعلى العرب تقديم العون من أجل توفير البنى التحتية والخدمات لعودتهم”، وهو ما أفاد به مسؤولون آخرون.
ويعد “حزب الله” اللبناني مسؤولًا رئيسًا عن وجود اللاجئين في لبنان من مناطق في حمص والقلمون، حيث استثمرت قواته وأصبح لها نفوذ وتمركز بعد تدخله العسكري مع قوات النظام، وفق العزي، الذي أفاد بعدم جرأة أي سياسي على تقديم طرح انسحاب “حزب الله” من سوريا، لإتاحة المجال لعودة اللاجئين.
السوريون شمّاعة الفشل
لازمت حالة القلق والتوتر اللاجئين السوريين منذ عدة سنوات، وخصوصًا بعد انفجار مرفأ “بيروت” عام 2020، حين اتخذ خطاب السياسيين اللبنانيين منحى تصاعديًا في تأجيج الشارع اللبناني، بتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.
وأرجع المحلل اللبناني الدكتور خالد العزي “التعصب” تجاه اللاجئين لثلاثة أسباب، أولها الحالة الاقتصادية المتردية التي وصل إليها لبنان، مع عدم وجود إحصائيات لبنانية أو دولية حول نسبة الفقر بالبلاد، في حين قدّرت “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” (الإسكوا)، أن 74% من السكان يعيشون بأقل من 14 دولارًا أمريكيًا في اليوم، عام 2021.
وعزا العزي ثاني الأسباب إلى ممارسات بعض السوريين السلبية في البلاد من سرقة وترويج للمخدرات، وجرائم أخرى، ثم هروبهم من لبنان دون عقاب عن طريق ممرات التهريب مع سوريا بسبب ضعف الأمن، وهو ما تسبب برد فعل عكسية لدى الشارع اللبناني حيال اللاجئين.
ويخشى اللاجئون السوريون المعارضون للنظام في لبنان، أو المتخلفون عن الخدمة العسكرية الإلزامية، اعتقالهم في حال دخلوا سوريا.
” إن المنظمات المعنية بحماية ومناصرة حقوق اللاجئين السوريين في لبنان تراقب الانتهاكات التي تقوم بها السلطات اللبنانية بحق اللاجئين، وتحاول توثيق أكبر قدر ممكن منها، ضمن منهجية توثيق محددة، وإصدار التقارير الدورية بهدف زيادة الضغط على السلطات اللبنانية لوقف الانتهاكات”.
محمد الحسن المدير التنفيذي لمركز “وصول” الحقوقي |
خيارات اللاجئين
“لو امتلكت الخيار بين الترحيل إلى سوريا أو السفر عن طريق البحر نحو أوروبا، لاخترت البحر حتى لو عرفت أنني سأغرق قبل الوصول إلى وجهتي”، هذه كانت إجابة محمد (36 عامًا)، عند سؤاله: “هل تفضّل العودة إلى مناطق النظام أو اللجوء إلى أوروبا عبر قوارب الموت”، تزامنًا مع الأحداث الأخيرة بشأن ترحيل السوريين من لبنان.
محمد الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، يقيم في منطقة عرسال بلبنان منذ تسع سنوات، قادمًا من مدينة حلب شمالي سوريا هربًا من الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية بقوات النظام.
لم يُخفِ محمد قلقه الدائم من تعرضه للاعتقال على يد القوات اللبنانية، على الرغم من امتلاكه أوراقًا قانونية، بعد ترحيل عدد من اللاجئين السوريين لديهم وضع قانوني مشابه لحالته ومن منطقته.
تمحور حديث محمد لعنب بلدي حول كونه غير قادر على مغادرة مكان إقامته إلا في الحالات الضرورية، مع الحذر المستمر وتفادي الحواجز الأمنية المؤقتة التي قد تقام فجأة في أي طريق.
ووثقت منظمة العفو الدولية أربع حالات على الأقل اعتقلت فيها قوات النظام السوري سوريين بعد ترحيلهم من لبنان، إلى جانب حالات منفصلة تعرضت للتجنيد الإجباري.
وبحسب منظمة ” أطباء بلا حدود”، فإن مناخ الخوف يؤثر على إجراء اللاجئين السوريين الإحالات الطبية الطارئة في المستشفيات، وقال رئيس بعثة المنظمة في لبنان، مارسيلو فرنانديز، “رفض مريض إحالته إلى المستشفى رغم حاجته الملحة إلى الرعاية الطبية، ويعود ذلك بشكل خاص إلى خوفه من الترحيل، ولا سيما أنه غير مسجل”.
“إنه لأمر مقلق للغاية أن نرى الجيش يقرر مصير اللاجئين، دون احترام الإجراءات القانونية الواجبة أو السماح لمن يواجهون الترحيل بالطعن في إبعادهم أمام المحكمة أو طلب الحماية. لا ينبغي إعادة أي لاجئ إلى مكان تكون فيه حياته معرضة للخطر”.
منظمة العفو الدولية |
من يتحمل مسؤولية واقع الاقتصاد اللبناني؟
يتحدث مسؤولون في لبنان عن تدهور الوضع الاقتصادي، والحاجة إلى الأموال من المانحين، بحجة مواجهة “تكاليف النزوح” السوري، مستندين إلى بيانات تخالف البيانات الأممية.
وفي كانون الثاني الماضي، عرضت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين التابعة لمجلس النواب اللبناني إحصائيات وبيانات عن اللاجئين السوريين في إطار جلسة بمجلس النواب، حضرها 19 سفيرًا من دول أوروبا والدول المعنية بالملف السوري.
حمّلت اللجنة اللاجئين السوريين مسؤولية سوء الوضع الاقتصادي الذي يعانيه لبنان دون ذكر أسباب أخرى، إذ ذكرت أن نسبة البطالة في لبنان بلغت 40%، “بسبب اليد العاملة السورية، وفتح مؤسسات صغيرة منافسة لا تدفع الضرائب”.
وقدم رئيس اللجنة والنائب النيابي، فادي علامة، إحصائيات مفادها أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليونان و82 ألف شخص، وهو ما يناقض إحصائيات الجهات الدولية.
وبررت اللجنة هذا التفاوت بوجود المعابر غير الشرعية، و”استخدامها من قبل النازحين من أجل الاستمرار في الاستفادة من المساعدات التي تقدّم لهم شهريًا”.
المحلل السياسي والاقتصادي في مركز “COAR Global” للأبحاث مؤيد البني، قال لعنب بلدي، إنه أمام مواجهة غضب الشارع اللبناني الذي يزداد فقرًا وحاجة، تجد الطبقة الحاكمة في اللاجئين السوريين المستضعفين “شمّاعة” تعلّق عليها آثار الفساد وسوء الإدارة المالية والاقتصادية والفشل السياسي.
وأوضح البني أن مؤسسات الدولة اللبنانية والخدمات التي كانت تقدمها في انحدار بسبب “الفساد المستشري وسوء الإدارة”، وانهيارها لم يكن إلا عامل وقت.
وعن موقف اللجوء السوري في لبنان، يرى البني أنه رفع الغطاء عن هشاشة وضعف في مؤسسات الدولة اللبنانية وخدماتها وبناها التحتية التي ربما كانت أكثر قدرة على “الاستتار”، لكن فساد الطبقة الحاكمة في لبنان، أقدم من وجود اللاجئين، وأعمق تأثيرًا على الانهيار المستمر.
وطرح المحلل الاقتصادي عدة أمثلة عن أسباب الانهيار الاقتصادي في لبنان، وجميعها لا يرتبط فعليًا بوجود اللاجئين، مثل النموذج المصرفي اللبناني، وسوء الإدارة المالية من قبل مصرف لبنان، و”الفساد المستشري” في مؤسسات الدولة.
ومن الأمثلة أيضًا، هيمنة “حزب الله” على الدولة اللبنانية وقوانينها، وسيطرة “أمراء الطوائف” بشبكات محسوبياتهم على جوانب الحياة في لبنان، وانفجار مرفأ “بيروت”، الذي قُتل فيه أكثر من 200 شخص، وتسبب في خسائر تصل إلى 15 مليار دولار، ودفع بالانهيار الاقتصادي اللبناني خطوات إلى الأمام.
ويعتقد المحلل السياسي في مركز “COAR Global”، أن لبنان يواجه حاليًا “أزمة عميقة” في تكوينه السياسي والاقتصادي، تهدد سلطة الطبقة الحاكمة وقدرتها على الاستمرار في “امتصاص” موارد البلد تحت غطاء “ديمقراطية الطوائف”، وأزمة نشوء دولة داخل الدولة تسعى للحفاظ على البنية الضعيفة الحالية كي تستمر بالتحكم بها.
ويرفض الشارع اللبناني هذه التركيبة السياسية، وهو ما ظهر مع أزمات البلد بحراك الشارع عبر السنوات الماضية، آخرها في 2019، عندما رفع المتظاهرون شعار “كلن يعني كلن”، مشيرين بأصابع الاتهام إلى “أمراء الطوائف والطبقة الحاكمة”.
وتوقع البني أنه مع اشتداد الأزمات اللبنانية المؤثرة على سبل العيش، سيتأثر عديد من اللبنانيين بما تروّجه الطبقة الحاكمة للتغطية على دورها المفسد، وهو ما يدعو للقلق حول الأمن والاستقرار في لبنان، بحيث سيكون التأثير المقبل على فئات البلد المستضعفة بشكل أساسي، بمن فيها اللاجئون السوريون.